إسقاط نظام “كوندي”..ومستقبل الاستقرار السياسي في غرب إفريقيا

 

متابعة -ياسر صحصاح

في الخامس من سبتمبر الجاري، اضطلعت وحدة القوات الخاصة بالجيش الغيني بإلقاء القبض على رئيس البلاد “ألفا كوندي” عقب تبادل لإطلاق النار شهدته شبه جزيرة كالوم بالعاصمة كوناكري، حيث يقبع القصر الرئاسي ومقرات الوزارات والمؤسسات الحكومية.

وقد تضاربت الأنباء بخصوص ما تشهده البلاد في بادئ الأمر، وتجلَّى ذلك في البيان الذي أصدره وزير الدفاع -في اللحظات الأولى التي أعقبت تداول الأخبار ومقاطع الفيديو التي تُظْهِر وجود محاولة انقلابية–، يؤكد خلاله قدرة الحرس الجمهوري على احتواء التهديدات، والتصدي لهجوم استهدف القصر الرئاسي، لكن سرعان ما كشفت مقاطع فيديو متداولة على مواقع التواصل الاجتماعي عن اعتقال الجيش الغيني لـ “كوندي”، لتبدأ البلاد مرحلة جديدة لم تتكشَّف معالمها حتى اللحظة الراهنة.

وقد أظهرت ردود أفعال المواطنين في غينيا تباينا جليا، وتفرَّقت الآراء بين مؤيد ومعارض لإسقاط نظام “كوندي”؛ إذ تناقلت وكالات الأنباء العالمية تقارير مُصوَّرة أظهرت خروج قطاع من الجماهير للاحتفاء بهذه الحركة؛ التى جاءت كاشفة للغمة التي هيمنت على الأوضاع في غينيا، بما يضع حدًا لتردي الظروف المعيشية والخدمات الأساسية، من قبيل توفير خدمات الكهرباء والمياه والبنية التحتية، فيما أبدت آراء أخرى مخاوفها من تداعياتها؛ لكونها تكشف بعمق عن انقسام بين مختلف وحدات وأسلحة الجيش النظامي الغيني، وهو الأمر الذي يُلقي بظلاله على استقرار وأمن البلاد.

وفي هذا الصدد، تجدر الإشارة إلى أن الرئيس الغيني المعزول “ألفا كوندي” (البالغ من العمر 83 عامًا) يحكم البلاد منذ عام 2010، في أول انتخابات ديمقراطية تشهدها غينيا، وقد نجح في الفوز بولاية ثالثة العامَ الماضي، وكان ذلك في أعقاب تعديلات دستورية خوَّلته فرصة البقاء في السلطة لمدتيْن أخرييْن؛ الأمر الذي دفع البلاد للانزلاق إلى أحداث عنف دموية آنذاك؛ اعتراضًا على فوزه.

قرارات أولية للمجلس العسكري:

في أول بياناته الموجَّهة للرأي العام الغيني للوقوف على حقيقة تطورات الموقف، أكَّد رئيس وحدة القوات الخاصة بالجيش الغيني “مامادي دومبويا” أن الفقر واستشراء الفساد قد دفعا وحدة القوات الخاصة للإطاحة بنظام “كوندي”، مضيفًا أن عهد شخصنة السلطة قد ولَّى بغير رجعة، وأن السلطة الآن بيد الشعب.

علاوةً على ذلك، أصدر “دومبويا” أول قراراته المتمثِّل في حلّ الحكومة، وكذلك إلغاء الدستور القائم وحل الجمعية الوطنية (البرلمان)، والعمل على إعداد دستور جديد للبلاد، وإغلاق حدود غينيا البرية والجوية، في حين أنه لم يكشف المجلس العسكري الغيني حتى الوقت الراهن عن موعد محدد لإطلاق سراح “ألفا كوندي”، لكنه أكَّد في الوقت ذاته تقديم الرعاية الطبية اللازمة له.

وعلى مدار الساعات القليلة الماضية، أصدر “دومبويا” حزمة أخرى من القرارات من قبيل تشكيل حكومة وحدة وطنية تدير المرحلة الانتقالية، ومنع المسؤولين الحكوميين في نظام “كوندي” من السفر خارج البلاد لحين إشعار آخر، وتعهَّد بعدم التنكيل بأولئك المسؤولين، وناشد “دومبويا” المستثمرين الأجانب في مجال التعدين –على وجه الخصوص- باستمرار ممارسة أعمالهم في البلاد، مطمئنًا إياهم بشأن استمرار احترام كافة الالتزامات الواقعة على عاتق غينيا تجاه المستثمرين، والشركاء الدوليين في قطاعي المال والأعمال.

وختامًا، فإن الأحداث في غينيا  قد كشفت عن مخاوف عديدة بشأن مستقبل الاستقرار السياسي في دول إقليمي غرب إفريقيا والساحل؛ حيث تثور تكهنات مصحوبة بقلق من تكرار هذا السيناريو في دول إفريقية أخرى بالإقليميْن، أخذًا في الاعتبار الأزمات السياسية الدائرة في دول من قبيل كوت ديفوار، حيث فاز الرئيس “الحسن واتارا” بولاية ثالثة، بعدما تعهَّد في السابق بالتنحي، فضلًا عن الاحتجاجات الشعبية التي شهدتها السنغال في وقت سابق من العام الجاري للتنديد بتردي الوضع الاقتصادي، وغياب المساواة الاجتماعية، والمطالبة بتمكين الشباب وتحسين ظروف معيشتهم. وذلك علاوة على موريتانيا، والتي تبدو الآن وكأنها على أعتاب أزمة سياسية جديدة على خلفية التصعيد بين الرئيس “محمد ولد الشيخ الغزواني” وأحزاب المعارضة، التي تطالبه بالقضاء على كل أشكال التهميش والإقصاء للمعارضة في عملية صنع السياسات الحكومية، فضلًا عمَّا تناقلته بعض الوسائل الإعلامية من اضطرابات سياسية تشهدها البلاد على خلفية خروج تظاهرات احتجاجية للتنديد باعتقال الرئيس الموريتاني السابق “محمد ولد عبد العزيز”؛ لاتهامه بالتورط في قضايا فساد، وكل هذه التطورات في دول الساحل وغرب إفريقيا تُنذر بمزيد من الهشاشة وغياب الاستقرار.

Comments

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *