الدكروري يكتب عن الوقت والزمان عزيز(العمق نيوز)
الدكروري يكتب عن الوقت والزمان عزيز(العمق نيوز)
بقلم / محمــد الدكــروري
لقد كان طلب العلم دأب الكثير من الناس وكانوا لا يفرطون في الوقت حتي ولو لدقيقة واحده وكل ذلك من أحل طلب العلم، وكان الخليل بن أحمد الفراهيدي البصري يقول أثقل الساعات عليّ ساعة آكل فيها، فالله أكبر ما أشد الفناء في العلم عنده؟ وما أوقد الغيرة على الوقت لديه؟ فقلت متعجبا أثقل ساعات عليه ساعة الأكل مع أنه مباح وواجب لقوام الحياة وحفظ النفس وما يتوصل به إلى الواجب فهو واجب، فكيف حالنا ونحن نضيّع أوقاتنا في الفراغ والحرام وأمام المسلسلات والأفلام وعلى القهاوي والطرقات، وعلى النت والمعاكسات؟ وكان عبيد بن يعيش يقول أقمت ثلاثين سنة ما أكلت بيدي بالليل، كانت أختي تلقمني وأنا أكتب الحديث، وعن ابن أبي حاتم صاحب الجرح والتعديل يقول كنا في مصر سبعة أشهر لم نأكل فيها مرقة.
كل نهارنا مقسم لمجالس الشيوخ وبالليل النسخ والمقابلة، فأتينا يوما أنا ورفيق لي شيخا، فقالوا هو عليل، فرأينا في طريقنا سمكة أعجبتنا فاشتريناها فلما صرنا إلى البيت حضر وقت مجلس فلم يمكنا إصلاح هذه السمكة ومضينا إلى المجلس، فلم نزل حتى أتى على السمكة ثلاثة أيام وكادت أن تتغير فأكلناها نيئة، لم يكن لنا فراغ أن نشوي السمك، ثم قال إن العلم لا يستطاع براحة الجسد، وعن أبى الوفاء ابن عقيل يتحدث عن نفسه فيقول أنا أقصر بغاية جهدى أوقات أكلي، حتى أختار سفّ الكعك وتحسيه مع الماء، على الخبز لأجل ما بينهما من تفاوت المضغ توفرا على مطالعة أو تسطير فائدة لم أدركها فيه، وقال الشيخ فخرالدين والله إني أتأسف فى الفوات عن الاشتغال بالعلم في وقت الأكل, فإن الوقت والزمان عزيز.
ويحكى أن الشيخ شمس الدين الأصبهاني من حرصه على العلم وشحه بضياع أوقاته أنه كان يمتنع كثيرا من الأكل لئلا يحتاج إلى الشرب فيحتاج إلى دخول الخلاء فيضيع عليه الزمان، ويقول ابن عقيل الحنبلي تلميذ الحافظ الخطيب البغدادى إني لا يحل لي أن أضيع ساعة من عمري، حتى إذا تعطل لساني عن مذاكرة أو مناظرة، وبصري عن مطالعة، أعملت فكري في حال راحتي وأنا منطرح، فلا أنهض إلا وقد خطر لي ما أسطره، وإني لأجد من حرصي على العلم، وأنا في الثمانين، أشد مما كنت أجده وأنا ابن عشرين سنة، ويقول عبد الرحمن ابن الإمام أبي حاتم الرازي، ربما كان أبي يأكل وأقرأ عليه، ويمشي وأقرأ عليه، ويدخل الخلاء وأقرأ عليه، ويدخل البيت في طلب شيء وأقرأ عليه، فكانت ثمرة هذا المجهود وهذا الحرص على استغلال الوقت.
كتاب الجرح والتعديل في تسعة مجلدات وكتاب التفسير في مجلدات عدة وكتاب السند في ألف جزء، لهذا فتح الله لهم قلوبا غلفا وأعينا عميا وآذانا صما، فإذا كنت تريد اللحاق بهم فاعمل عملهم، فالله يسر لك سبل العلم والتقنيات الحديثة ما لم يصل إليه أحدهم، على أن هذا الحرص ليس قاصرا على المسلمين فقط، بل اهتم الغربيون به كذلك حتى نهضوا وتدموا به، فقد قرأت عن ألبرت إنشتاين، الفيزيائي الألماني الشهير، أنه من شدة حرصه على العلم والوقت كان لا يلبس الأقمصة بأكمام ذوات أزرار، لأن غلقها وفتحها يضيع عليه وقتا ثمينا في تحصيل العلم، وإن العلم أساس نهضة الأمة وقيام الحضارات فبالعلم تبنى الأمجاد، وتسود الشعوب، وتبنى الممالك، بل لا يستطيع المسلم أن يحقق العبودية الخالصة لله تعالى على وفق شرعه، فضلا عن أن يبني نفسه كما أراد الله سبحانه أو يقدم لمجتمعه خيرا، أو لأمته عزا ومجدا ونصرا إلا بالعلم.