أتتذكرون فيلم “الجذور” ؟ الذي أعطانا جرعة تاريخية درامية عميقة و مؤثرة و الذي كان معظم الجزائريون يتابعونه بشغف ؟
الامريكيون لا زالوا ينعتون السود ” بالافارقة” رغم مرور مائتي عام على سرقتهم واسترقاقهم من سواحل افريقيا !
في زمن العنصرية من الصعب أن تعيش في سلام و الأصعب من ذلك أن تكون أسود اللون !
و التاريخ و القوى الناعمة أخبرونا ان ما يقرب من مائتي مليون افريقي تم استعبادهم وشحنهم في سفن الرق الى اوربا واميركا ،
ولعل اهم ما كتب عن هؤلاء البؤساء هي رواية الجذور للكاتب الاميركي اليكس هيلي حفيد كونتا كينتي الذي تم تخليد قصته في هذه الرواية التي تحولت الى مسلسل تلفزيوني بنفس الاسم ـــ الجذورــــ
لتروى معلومات تسرد التاريخ الدموى و العنصري لأمريكا !! لينتقل هذا السلوك الغير أخلاقي من جيل إلى جيل، مدججا بالعنصرية و الكراهية ولإحتقار و الإذلال و البغض والحقد و التي ما هي إلا أمراض إجتماعية تربوية تراكمية عبر التاريخ
إكتسبت من المحيط الاجتماعي المعاش! و يتضح لك بنهاية الفيلم من الحقائق المؤلمة ما هو أعمق و أمر ! جذور هذا الغضب قديمة قدم المجتمع الأمريكيّ وتعود إلى مرحلة تأسيس الوجود الأوروبيّ في أمريكا الشّماليّة والإبادة العرقيّة لأصحاب الأرض الأصليين، ولاحقاً استجلاب ملايين الأفريقيين المخطوفين من قراهم وبلداتهم عبيداً عبر الأطلنطي للقيام بأعمال الزراعة والأشغال الشاقة.
وحتى بعد الإعلانات الرسميّة عن إلغاء العبودية في الولايات المتحدة عام 1865 فإن الممارسات الممنهجة لعزل السود وإقصائهم لم تختفي ، بل تحوّلت إلى روح للسياسات الرسميّة للدولة،
سواء في شكليّات تطبيق القوانين والأنظمة، أو من خلال سرديّات الثقافة والإعلام المملوكين حصرياً تقريباً بأيدي الطبقة الحاكمة ! وقمعت كل محاولات النهوض والمقاومة بالقسوة المفرطة، فقتل القادة السود أو نظمت لهم حوادث اغتيال مشبوهة، واخترقت حراكاتهم وأفرغت من طابعها الصداميّ. وما زال مناضلون من حراك
«الفهود السود» قابعين في السجون إلى اليوم بلا أمل بالإفراج عنهم، بينما يُعفى عن القتلة والمجرمين البيض، أو يحكمون بأحكام مخففة !
و كانت تلك مجرّد حادثة اعتياديّة أخرى في إمبراطوريّة الديمقراطيّة والحريّة، التي تحاضر للعالم منذ أكثر من مئة عام عن حقوق الإنسان والعدالة وحكم القانون! التاريخ يعيد نفسه بمقتل جورج فلويد الذي أشعل مقتله غضبا عارما في الولايات المتحدة !
و كشف صراعات التمييز الدفينة التي مازالت تحتل قلوب بعض مدعي الحرية والحضارة ! إلا ان في احداث الفوضي المنتشرة الان و الخروج عن السيطرة في اكثر من مدينة تصرف ترامب مع الواقعة بطريقة تبدو لي انها مقصودة بهدف الاستثمار فيها لتعميق الانقسام الامريكي عبر تصريحات استفزازية تساعد علي اشعال الاحداث
وامتداد مداها في كل ربوع امريكا ! فنجده يهدد المتظاهرين باطلاق الرصاص ومرة اخرى يهددهم باطلاق الكلاب المتوحشة
واخيرا أعلن انه سيصنف منظمة انتيفا التي تكافح الاستبداد والفاشية كمنظمة ارهابية ! مع العلم أن مجموعة أنتيفا هي حركة يسارية بدأت في أوروبا وانتقلت إلى أميركا مع بروز حركة ما يُعرف بسيادة العرق الأبيض الذي يحتضنه ترامب
عبر تحدثه اللغة التي يعشقها كل ابيض عنصري وهو مدين لهم بوصوله لسدة البيت الابيض و لما رفع شعار امريكا للامريكان كان يقصد انصاره من اليمين المتطرف !
ترامب المنهار بفعل كورونا و الانتخابات القريبة !
فجاءت الحادثة بهدف نشر الفوضي في امريكي لتحقيق نتيجة هامة وهي جعل التصويت في الانتخابات الامريكية القادمة علي أساس عنصري طائفي عرقي وليس علي اساس القيم الديمقراطية الامريكية وارقام الاقتصاد
التي اصبحت معادلته تصب لصالح بايدن بفعل طرح فيروس كورونا بالسلب لكل انجازات ترامب الاقتصادية في اقل من شهرين سجل ترامب الحافل بالعنصرية والتطرف
و وهم التفوق العرقي وارهاب الرجل الابيض يؤكد ذلك ، و أعمال القمع الوحشية للمتظاهرين من قبل الشرطة الأمريكية ،
أدخل ترامب أمريكا في فوضى عارمة ما ينذر بتعقيد المشهد الداخلي الأمريكي ليظهر في حالة الانقسام السياسي والرفض الشعبي المتزايد لقراراته وتصريحاته !
و يضع أمريكا في خانة الدول البوليسية الغير جديرة نهائيا لقيادة العالم الحر و تزعمه ! إنتهي الامر بترامب مختبئ في قبو محصن بالبيت الابيض خوفا من الغاضبين وهو مشهد له دلالة هامة و رسائل متعددة ! !؟
لاشئ يحدث صدفة في امريكا وكما اني وصفت ترامب في اكثر من موقف بانه متعجرف و مثير للجدل واخر تصرفاته الحمقاء و تعامله المتخلف مع فيروس كورونا
التي نتج عنها احتراق تريليونات الدولارات من الاقتصاد الامريكي و 40 مليون عاطل عن العمل واكثر من مائة الف قتيل مع الفشل الذريع الذي منيت به هذه الإدارة على المستوى الدولي
حيث تخلت عن أصدقائها ما أدى الي انهيار شعبية ترامب في استطلاعات الراي وحتي الان النتائج عكسية واثارها سوف تتجاوز امريكا،
فالمظاهرات لاتزال مستمرة في المدن الأمريكية ولم تفلح سلسلة من التصريحات من مسؤولين حكوميين بإدانة الحادثة،
و امتصاص الغضب ، الحراك الجماعيّ أظهر غضباً متراكماً يتجاوز حوادث السطو، التي تحاول إبرازها السلطات من خلال التليفزيونات ووسائل الإعلام المتواطئة و المنحازة
أبداً لسرديّات السّلطة و تعمل على تلميع صورة الحكومة الأمر الذي يفسر فرضية تحوّله إلى نواة انتفاضة أوسع تمتد عبر مجتمعات الأقليّة السوداء في الولايات المتحدّة على نسق حراك «حياة السود مهمّة» عام 2014
و قد وضعت إدارة ترامب أمام تحديات جديدة خاصة و أنها أخذت منحنيات سياسية و اقتصادية ! وقد يكون عهد جديد لاعادة صياغة مفهوم العدالة الاجتماعية في العالم بأسره !
فقد تراجعت بذلك صورة أمريكا نتيجة ما يحدث في المظاهرات من أعمال عنف وسلب ونهب منظم و كل ذلك يؤكد أن أمريكا لا تصلح أن تكون مثال للحرية والعدالة والديمقراطية في العالم !
أفعال ترامب و قراراته أثارت الغضب مرات عديدة بين وجود حالة توتر دائمة في العلاقات الدولية تعكسها باستمرار الخلافات العميقة في مجلس الأمن الدولي
و التي تحول دون التوصل إلى أي حلول حاسمة لقضايا العالم الملتهبة و نقض الإتفاقيات و إشعال حرب تجارية و إطلاق العنان لسباق تسلح محموم و دعم لا محدود لإسرائيل على حساب عملية السلام في الشرق الأوسط .
فعلى كل حاكم مستبد الاتعاظ و الإستفادة من الدروس ،خاصة ان الوجه الاخر لفيروس كورونا إتضح انه فيروس سياسي يترنح أمامه الطغاة !