الغُربةُ … حُرقةُ قلبٍ مُشتاقٍ
الغُربةُ … حُرقةُ قلبٍ مُشتاقٍ
بقلــم الأديب المصـــرى
د. طــارق رضـــوان جمعـــه
بعد سنين في الغربة شفوني **** قالولي جايب ايه من بره
قولت ياريتهم لو سألوني **** انا في الغربة بكيت كام مره
جبت حجات من اللي يحبوها **** ويردولي شباب ضاع مني
وسنين مت وهما عاشوها **** على ايه بس يا ناس حاسدني
واشقى مافيكم اسعد مني **** انتم عشتم احلى سنينكم
وانا في الغربة معشتش سني **** انا الكبير قبل اواني
وبختي للغربة رماني **** خدو مني كل اللي جمعتو
وارجع صغير من تاني **** انا راح عمري الم ودموع
انا قضيتها سفر ورجوع **** وان فكرت اضحك من قلبي
قلب الغربه يقول ممنوع **** اتحملت يا ناس فوق طاقتي
واتغربت في عز برأتي **** كتبو لكل الناس عنوانها
وانا كتبولي غريب في بطاقتي **** ثمن الغربه دفعته بدمي
بسنين فيها بعيد عم امي **** ولما نويت ارجع علشانها
رحلت لأجل تزود همي **** مين في الغربه يا ناس مبسوط
مين على راحتو مش مضغوط **** مين اتحدى يقول مش خايف
انه بعيد عن بلده يموت **** يلي بتسعى عشان تتغرب
خدها نصيحة و اوعى تجرب **** كلها بدوقه في بلدك واوعى
من مشاوير الغربه **** تقرب (أغنية المطرب المصرى عمر كمال)
أثـر الغربـة بليـغ لا تمحـوه الأيـام وجرحهـا عميـق لا يبـرأه الكـلام إلا بجمـع شـمل والتئآم وصفاء عيش ووئام.
تَفَرُّيجُ هَمٍ وَاِكتِسـابُ مَعيشَـةٍ ****وَعِلمٌ وَآدابٌ وَصُحبَةُ ماجِـدِ
فَإِن قيلَ في الأَسفارِ ذُلٌّ وَغٌربَةٌ**** وَقَطعُ فَيَافٍ وَاِرتِكابِ الشَدائِدِ
فَمَوتُ الفَتى خَيرٌ لَهُ مِن حَياتِه **** بِدارِ هَوانٍ بَينَ واشٍ وَحاسِدِ
اِرحل بِنَفسِكَ مِن أَرضٍ تُضامُ بِها **** وَلا تَكُن مِن فِراقِ الأَهلِ في حُرَقِ
فَالعَنبَرُ الخامُ رَوثٌ في مَواطِنِه ِ**** وَفي التَغَرُّبِ مَحمولٌ عَلى العُنُقِ
وَالكُحلُ نَوعٌ مِنَ الأَحجار ِ تَنظُرُهُ **** في أَرضِهِ مُرميٌّ عَلى الطُـرُقِ
فلَمّا تَغَرَّبَ حازَ الفَضلَ أَجمَعَه ُ**** فَصارَ يُحمَلُ بَينَ الجَفنِ وَالحَدَقِ
كلمات الإمام الشافعي مضى عليها أكثر من عشر قرون ولكنها لا تزال حاضرة بيننا.
الغربة هي البعد عن الوطن، وغالبًا تشير إلى المشاعر السلبية المرافقة للانقطاع عن الأهل والأجواء المعتادة، ويتغرّب الإنسان عادةً من أجل الدراسة أو كسب العيش والربح المادي الأفضل، أو قد يغترب بشكل قسري في حالات الحروب وانعدام الاستقرار الأمني والسياسي في بلدهِ الأم، وقد تكون الغربة قسرية إجبارية، كأهل فلسطين والشتات الفلسطني مثلًا.
أمّا المُغترب فهو ذلك الشخص الذي يُقيم بشكل مؤقت أو دائم في بلد غير بلده الأصلي، ويُشير الاستخدام الشائع لهذا المصطلح غالبًا إلى المهنيين والعمال المهرة، أو حصول الصنّاع المهرة على وظائف خارج وطنهم إمّا بشكل مستقل أو إرسالهم إلى الخارج من قبل أرباب أعمالهم الذين يمكن أن يكونوا شركات وجامعات وحكومات أو منظمات غير حكوميّة. وعادة مايكسب العمال والمهاجرون أكثر مما كانوا سيحصلون عليه في وطنهم وأكثر من الموظفين المحليين ومع ذلك فإنّ مصطلح المغترب يُستخدم أيضًا للمتقاعدين وغيرهم ممن اختاروا العيش خارج وطنهم الأصلي.
هي الغربة التي تصالحك مع أرض الوطن ، حين تكون على مسافة و يصبح ضجيج السيارات و حديث المارة المزعج سمفونية تشتهي إعادة إستماعها .. الشوق يجعل من صور المزابل الملقاة بين محطة برشلونة و شارع قرطاج و شارع ابن خلدون جزء من أجمل لوحة فنية كنت قد رأيتها .
و هكذا يصبح إحساس الغربة أجمل و ألطف من إحساسك بالاغتراب بين أهلك و على أرضك. فالغربة تعيد نسج الروابط التي كانت مقطوعة بينك و بين مجتمعك ، ذلك المجتمع من يراك مارقا عنه و يعتبرك من مغصوبين عليهم لأنك تخطيت حواجزهم و مارست كل محظوراتهم.
حينها كنت تنشد علنا ‘غربة كاسرة’ لأحمد مطر:
ربّ **** طالت غربتي
واستنزف اليأس عنادي **** وفؤادي
طمّ فيه الشوق حتى **** ! بقيّ الشوق ولم تبق فؤادي
أنا حيّ ميتٌّ **** دون حياة أو معاد
وأنا خيط من المطاط مشدود **** إلى فرع ثنائيّ أحادي
كلما ازددت اقتراباً **** ! زاد في القرب ابتعادي
أنا في عاصفة الغربة نارٌ **** يستوي فيها انحيازي وحيادي
فإذا سلمت أمري أطفأتن **** وإذا واجهتها زاد اتقادي!
ليس لي في المنتهى إلاّ رمادي **** وطناً لله يا محسنين
…حتى لو بحلم **** أكثير هو أن يطمع ميت
!في الرقاد؟ **** … ضاع عمري وأنا أعدو
فلا يطلع لي إلا الأعادي **** وأنا أدعو
فلا تنزل بي إلا العوادي **** كلّ عين حدّقت بي
!خلتها تنوي اصطيادي **** كلّ كف لوّحت لي
!خلتها تنوي اقتيادي **** … غربة كاسرة تقتاتني
والجوع زادي **** لم تعد بي طاقة
يا ربّ خلصني سريعاً **** من بلادي
الغربة
تُساعد الإنسان على زيادة ثقتهِ بنفسهِ والإعتماد على ذاته.فهىتوسّع ثقافة الإنسان وقدرتهِ على التواصل مع مختلف الأفكار والعقول التي يُصادفها.وتساعده على تعلّم لغات جديدة، وتساعده على توسيع قدرتهِ في التواصل البناء مع الآخرين بسهولة ويُسر.وتساعده على تكوين قاعدة جديدة من الصداقات البعيدة عن وطنهِ ومجتمعهِ وطبقتهِ الثقافيّة.تمنح الغربة الإنسان فرصةً مناسبة للعيش بنمط مختلف من أنماط الحياة.نقل ثقافة المغترب وتعاليم الدين إلى البلد الجديد.وتؤدى إلى حسين مستوى الإنسان المادي.
ولكن للغربة سلبيات منها:
1- الشعور بالقلق وعدم الأمان بسبب البعد عن الوطن والأهل.
2- الشعور بالوحدة في بداية شهور الغربة.
3- عدم القدرة على التأقلم مع ظروف البلد الجديد وقوانينهِ وتعليماتهِ.
4- مصادفة الإنسان لبعض الشخصيات السيئة التي تزودهُ بأفكار سلبية عن الغربة.
5- ضغط العمل، وافتقاد الإنسان للراحة.
6- الخوف من الوضع الإقتصادي العام.
7- عدم الرغبة في الاختلاط مع الآخرين وفتح أحاديث معهم.
8- الشعور بالضياع والرغبة بالبكاء.
9- عدم القدرة على النوم خلال الليل.
10- فقدان الشهيّة لتناول الطعام، أو فرط الشهيّة.
11- سيطرة الأفكار السوداوية السلبيّة على العقل.
12- التفكير بترك الدراسة أو العمل والعودة إلى الوطن.
13- الإصابة بأمراض متكررة بسبب تأثير الحالة النفسيّة على الجهاز المناعي
ولكي يتخلّص الإنسان من اكتئاب الغربة، عليهِ أن يتقيّد بالنصائح التاليّة:
1- النوم الصحي، وتجنّب السهر
2- الاستيقاظ في الصباح الباكر
3- ممارسة التمارين الرياضيّة
4- تجنّب التدخين وشرب الكحول
5- تعزيز العلاقات الإجتماعيّة
6- الحد من استخدام وسائل التواصل الاجتماعي
7- لا تنسى هواياتك
8- الاستفادة من تجارب الآخرين
9- اختيار سكن وشريك سكن مناسب
10- التحلّي بالصبر
11- التواصل اليومي مع الأهل في الوطن
الغربة وترك الوطن هو موت مصغر يعيشه الشخص كل يوم؛ فهو بعيد عن أهله، وأحبابه، ومنزله، ووطنه، فهو يحمل في صدره من الشوق، والحنين، والحزن، والوحدة ما لا يستطيع وصفه ولا البوح به.الأغرب أن الناس حتى على الغربة يحسدونك، كأنما التشرد مكسب وعليك أن تدفع ضريبته نقداً وحقداً. الغربة كربة كما يُقال ولكن فيها، يتعلم الإنسان المُحال و يُقدر قيمة تراب أرضه. علمتني الغربة الكثير والكثير، وكان من بين ما علمتني أنها أخبرتني من أنا. إن الملايين ممن ينوون الهجرة يكونوا قد هاجروا نفسياً لحظة تقديم الطلب. أننا نعيش في بلد فيه الملايين من المهاجرين بالنية أو الذين رحلوا من هنا بأرواحهم، ولا تزال أبدانهم تتحرك وسط الجموع كأنها أبدان الموتى الذين فقدوا أرواحهم، ولم يبق لديهم إلا الحلم الباهت بالرحيل النهائي.
وأختتم بقصيدة ابن زُرَيق البغداديِّ الَّتي تحدَّث فيها عن غُربته في بلاد الأندلُس بعد أن تركَ بغداد طلَبًا للرِّزق ومات غريبًا بالأندلس بعد أن ترك قصيدة هي من عيون الشِّعر العربي، يقول في أوَّلِها مخاطِبًا زوجته بعد أن ألَمَّ به المرض وأقعدَه، وشعر بِدُنوِّ أجَلِه:
لا تَعْذِلِيهِ فَإِنَّ العَذْلَ يُولِعُهُ **** قَدْ قُلْتِ حَقًّا، وَلَكِنْ لَيْسَ يَسْمَعُهُ
جَاوَزْتِ فِي لَوْمِهِ حَدًّا أَضَرَّ بِهِ **** مِنْ حَيْثُ قَدَّرْتِ أَنَّ اللَّوْمَ يَنْفَعُهُ
فَاسْتَعْمِلِي الرِّفْقَ فِي تَأْنِيبِهِ بَدَلاً **** مِنْ عَذْلِهِ، فَهْوَ مُضْنَى القَلْبِ مُوجَعُهُ
إلى أن يقول في بعض أبياتها:
أَسْتَوْدِعُ اللهَ فِي بَغْدَادَ لِي قَمَرًا **** بِالكَرْخِ مِنْ فَلَكِ الأَزْرَارِ مَطْلَعُهُ
وَدَّعْتُهُ وَبِوُدِّي لَوْ يُوَدِّعُنِي **** صَفْوُ الْحَيَاةِ وَأَنِّي لاَ أُوَدِّعُه