بؤر إرهابية تنتظر الاستئصال عددها وكيفية القضاء عليها؟

الكاتب لصحفى / مدحت مكرم

بؤر إرهابية تنتظر الاستئصال عددها وكيفية القضاء عليها؟

 

مرت سنوات ولم يتم التعامل مع خارطة الإرهاب فى مصر بالشكل السليم فرغم أن الواقع يؤكد أن هناك أكثر من 10 بؤر إرهابية خطرة تحتاج إلى استئصال فكرى قبل الأمنى ومنتشرة فى نحو 10 محافظات من أبرزها المنيا تحولت إلى مراكز أساسية لتصدير الفكر الضال ولا تزال خطط المكافحة مقصورة على البعد الأمنى فقط ولم تتحرك بعد «القوى الناعمة» والمتمثلة فى أجهزة الإعلام والثقافة والمجتمع المدنى للنزول إلى هذه «المفارخ» المنتجة للإرهاب ومع أن الدراسات تؤكد أن الاحتياجات المعيشية والظروف الاقتصادية الصعبة التى يعيشها الشباب فى محافظات الإرهاب تمثل نفقاً خطير وعصا رئيسية يستخدمها «المتأسلمون» لتنفيذ مخططاتهم الإجرامية ضد الدولة ومؤسساتها .. مازلنا نتعامل مع الشباب هناك بسذاجة فكرية لا تزيد عن عقد مؤتمر أو ندوة فى مركز شباب أو قاعة داخل أحد الأندية وحضور مسئول من هنا أو هناك وشوية من «المصفقاتية» يرددون بعض الهتافات والشعارات وينتهى الأمر .. بمزيد من الإرهاب لشعور شبابنا بأنه منفصل عن واقعه وأن المسئولين عنه لا يتعاملون مع أزماته الحقيقية والواقعية بالشكل المأمول.

نرصد هنا خارطة واقعية لعلاج الإرهاب من جذوره وكما أكد الخبراء فإن الحلول الأمنية لم تعد وحدها تكفى كما أن محاور الإصلاح معروفة والأهم من معرفتها أو مناقشتها هو تطبيقها والالتزام بها وإشعار الشباب بأنهم إضافة مهمة وليسوا «صفر على الشمال».

بدأت خريطة الإرهاب فى مصر تظهر معالمها بوضوح، بعد الحادث الأليم الذى شهدته محافظة المنيا وأودى بحياة نحو 28 مصريًا ويؤكد الواقع أن هناك  10 محافظات فى مصر منتشر بها الجماعات الإرهابية بعضها فى أقصى شمال مصر والآخر فى الجنوب واختارتها الجماعات الإرهابية بدقة شديدة لتنفيذ عمليات عنف وقتل منظمة هدفها تحطيم عزيمة الشعب.

الفيوم والجيزة والقليوبية والشرقية وسيناء وبنى سويف والمنيا وأسيوط وسوهاج وقنا .. هى أماكن تمركز الجماعات والعائلات المتطرفة «المتأسلمة».

ويتواجد فى هذه المحافظات الكثير من المنتمين والمؤيدين للإرهاب ولدى الجماعات مساجد وزوايا خاصة لا يخطب فيها إلا قيادتها ومخازن سرية للأسلحة والذخائر هكذا استطاعوا أن يصنعوا داخل غالبية قرى ونجوع مصر «بوراً إرهابية» لم تعرف سبيلاً للحق إلا خداع الجهلاء وزرع الفتن وتشويه صورة الإسلام وتطل برأسها على الأبرياء وتسفك الدماء وتزهق أرواحاً بلا ذنب أو جريرة وتدمر المنشآت الحيوية بالدولة والنتيجة ما زالت انفجارات وهجمات مسلحة تمثل حدثاً يومياً يؤرق المجتمع المصرى بأكمله.

كوارث لا تنتهى:

وطبقاً لدراسة صادرة عن مركز مؤشر الديمقراطية لعام 2016 فإن الجيزة تحتل المركز الثالث كأكثر المحافظات عنفاً بعدما شهدت 153 حادثاً تليها الإسكندرية بـ 137 حادثاً ثم الشرقية بـ 123 حدثاً وبعدها الفيوم بـ 111 حادثاً.

واستحوذت هذه المحافظات على 59% من أحداث العنف والإرهاب فى عام 2015 وبدايات 2016 حتى ذكرى 25 يناير بإجمالى 857 حادثاً.

وأشارت الدراسة إلى أن محافظات الغربية جاءت فى المركز السابع بـ 73 حادثاً وبنى سويف احتلت المركز الثامن بـ 72 حادثاً والمركز التاسع لمحافظة المنوفية بـ 71 حادثاً تلتها القليوبية بـ 65 حادثاً ثم البحيرة بـ 59 حادثاً والمنيا بـ 53 حادثاً والدقهلية بـ 43 حادثاً وفى ذيل القائمة محافظات الوادى الجديد وشهدت حادثاً واحداً.

وأكدت الدراسة أن محافظة القاهرة لم تسلم من الأعمال الإرهابية إذ شهدت 18 تفجيراً منذ الذكرى الثانية لثورة 30 يونية وحتى نهاية عام 2016.

آليات جديدة:

اللواء فؤاد علام الخبير الأمنى وكيل جهاز المخابرات الأسبق يرى أن الفقر والبطالة والتفاوت الطبقى المنتشر بصورة كبيرة فى محافظات الفيوم والشرقية وأسيوط وقنا والمنيا هو أهم وأخطر وسائل التدمير الرئيسية التى يعتمد عليها الإخوان من أجل تجنيد عناصر إرهابية.

وأكد وكيل جهاز المخابرات الأسبق أن الأجهزة الأمنية وحدها لن تكون قادرة على مواجهة الإرهاب ومن ثم فيجب على الدولة المصرية اتباع الأسلوب العلمى والدراسات التى أثبتت أن مواجهة الإرهاب تتمثل فى 7 محاور أساسية وهى «سياسى واقتصادى واجتماعى وثقافى وإعلامى ودينى وأخيراً أمنى».

والحل يكمن فى حل الأزمات المجتمعية والاهتمام بتنمية المحافظات التى تعتبر بيئة خصبة لانتشار العناصر الإرهابية وتوفير فرص عمل للشباب ونشر صحيح الإسلام، وتصحيح المفاهيم المغلوطة التى عمت الفكر وطرح رؤى وآليات للفكر الدعوى الحديث ونشر الوعى والتنوير المجتمعى وقبول العملية الديمقراطية ومواجهة فوضى الفتاوى المتشددة والسماح بالاختلاف وقبول الرأى الآخر والبعد عن فكر التطرف والفتنة والتكفير وتجريم كل صور العنف والاقتتال ورفع السلاح فى وجه الأبرياء ودفع عجلة التقدم والتنمية داخل المجتمع.

وأضاف أن الهدف من الهجمات الإرهابية على مؤسسات الدولة هو إسقاط الدولة المصرية والترويج بأن مصر دولة إرهاب والترويج لفكرة قدرة الجهات الأمنية على حماية مؤسساتها وعندما ننظر إلى التعامل مع الإرهاب كقضية أمنية نجده تعامل ثبت فشله على مدار 40 عاماً مضت بدءاً من ظهور الإرهاب فى عهد الملك فاروق مع تأسيس جماعة الإخوان واستمر فى محاربتها أمنياً وكانت النتيجة اغتيال «النقراشى» و«الخازندار» وتنفيذ 38 جريمة إرهابية وعقب ثورة 1952 تم التعامل مع الإرهاب بنفس الطريقة فكانت محاولة اغتيال «عبدالناصر» و22 عملية إرهابية أخرى ثم اغتيال الرئيس الراحل «السادات».

الجيل الثانى:

اللواء محمد رشاد وكيل جهاز المخابرات العامة سابقاً يتفق مع الرأى السابق.

ويضيف: أن الانقسام الحاد داخل جماعة الإخوان نتج عن تمركز العديد من قيادات اللجان النوعية للجماعة المتمركزة فى محافظات الجيزة والدلتا والوجه البحرى.

وأضاف أن الإسلاميين يلعبون على وترين مهمين: الأول الاحتياج المعيشى والثانى المغازلة الدينية وهذان الأمران هما أدوات الجماعات الإرهابية من أجل تحقيق المآرب الدنيوية مؤكداً أن دور الأمن هو إحباط المخططات الإجرامية للمنظمات الإرهابية ولكن يجب الإسراع فى إحداث التنمية الشاملة فى كافة المجالات حتى يمكن محاربة الفقر والبطالة ورفع مستوى الفرد والاهتمام بالتعليم والثقافة ونشر الوعى المجتمعى.

ومن جهته أكد ماهر فرغلى الكاتب الصحفى والباحث في الحركات الإسلامية أن جماعات الإسلام السياسى كانت السبب الأساسى وراء العملية الانتحارية والحزام الناسف فى الكنيسة البطرسية التى أسفرت عن مقتل 23 شخصاً وإصابة نحو 50 آخرين.

وأضاف الواقع يكشف حقيقة ذلك وهو أن المفرخة التكفيرية لها عدة بؤر كبيرة أولها الفيوم والقليوبية والشرقية ودمياط تفرعت منها فروع إرهابية كثيرة رأسها فى سيناء الآن وذيلها فى محافظتى أسيوط وقنا فالتاريخ الإرهابى ممتلئ بالكثير من الجرائم الدموية التى حولت مصر فى الماضى إلى ساحة من العنف والاقتتال فى شكل حرب على الهوية.

ويقول الباحث فى الحركات الإسلامية: إن محافظة الفيوم هى المخزن الأكبر للجماعات التكفيرية وهنا نفرق بينها وبين الجماعات السلفية الجهادية التى تكفر الأعوان والحكام وساكنى الديار والإحصائيات تؤكد أن أعلى نسبة للأمية بالجمهورية فى الفيوم مقارنة بعدد السكان.

وأضاف «فرغلى» أن حالة «التمدين والترييف» بمحافظة الفيوم مهدت للإرهاب والسلفيين فترة السبعينيات وحتى الآن بصورة لم يسبق لها مثيل حيث كانت القيادة السلفية الأهم هو الشيخ «الدبيسى» يعيش هناك كما شهدت بدايات نشأة جماعة «التوقف والتبين» وكانت مركزاً لجماعة «الشوقيين» التى تنتسب إلى شوقى الشيخ الذى كان يجيز سرقة أموال المسلمين وحاجاتهم واغتصاب زوجاتهم لأنهم كفرة، وفق قوله حتى قتل فى التسعينات على يد الشرطة بينما تتلمذ على يد «عمر عبدالرحمن» أمير الجماعة الإسلامية وتحول فيما بعد إلى تكفيرى تابع لـ «التوقف والتبين» وكانت جماعته متمركزة فى قرية «كحك» بمحافظة الفيوم.

وجه قبلى:

وأوضح «فرغلى» أن محافظة أسيوط أحد أهم معاقل الإرهاب وتوجد بها عدة مساجد تابعة لها أهمها مسجد «بلال والرحمة» وكان الدكتور أحمد عبده سليم يتولى قيادة الجماعة هناك وتوجد مراكز بمحافظة أسيوط تسيطر عليها الجماعة منها البدارى والقوصية وساحل سليم وأبوتيج ومن أخطر القيادات هم صلاح رجب وأحمد شعيب وعماد زكى وجمال فرغلى الذى قتل فى مواجهات مع الأمن.

وأوضح أن الحلول الأمنية «غير كافية» لأن الإرهاب أصبح خطراً يهدد العالم أجمع، ولابد من وجود رؤية متكاملة لدى الدولة بإحداث إصلاح شامل على كافة الأصعدة.

محاولات يائسة .. لن ترهبنا:

من جانبه يري اللواء محمد ربيع الدويك مساعد وزير الداخلية الأسبق أن مرحلة استخدام المتفجرات أو القنابل تكشف مدى اليأس والضيق الذى وصل إليه الإرهابيون المنتشرون فى محافظات مصر ولعل تاريخ الإرهاب الأسود فى أواخر الثمانينات والتسعينات يكشف حقيقة المجرمين بعد تصفيتهم ومع أنهم قتلوا الكثير من الأبرياء إلا أن الواجب الوطنى يحتم علينا الصبر والصمود فهذه ضريبة الحرية والوطنية.

وأشار مساعد وزير الداخلية الأسبق إلى أن كل أعمال العنف والقتل التى شهدتها القاهرة والجيزة وكفر الشيخ كانت بأيدى التنظيمات السلفية والإخوانية المتطرفة الذين يقطنون داخل محافظات الفيوم والشرقية والإسماعيلية والقليوبية والجيزة وأسوان وقنا التى لا تزال تنفذ العمليات الإرهابية فى كل أرجاء الوطن وهدفها هو النيل من استقرار الوطن وتخريب المؤسسات الدينية والعسكرية والإعلامية مما أسفر عنه مقتل العشرات من الجنود وضباط الشرطة وإصابة المئات من المواطنين الأبرياء.

وأوضح أن الدماء الزكية لشهدائنا الأبرار لن تذهب هباء كما أن ثقة العالم فى توجهات وسياسات مصر لن تهتز لأن الجميع على يقين أن القاهرة تسير على الطريق الصحيح وأنها جادة وصادقة فى مساعيها لإصلاح ما خربته يد الإرهاب ولا يزال ولكن القصاص قادم لا محالة، ومسيرة البناء لن تتوقف.

الفشل حليف التنظيمات:

وحيد الأقصري الخبير في الشئون العسكرية قال: إن أكثر المحافظات التى تشهد نشاطاً للعناصر الإرهابية هى الفيوم والشرقية ودمياط والقليوبية وأسوان وقنا لأن قيادات جماعة الإخوان تركزت فى هذه المحافظات واستغلت أسلوب غسيل الأدمغة فى تغيير القيم السلوكية المعتدلة لبعض الشباب التى وجدت لديهم ميولاً لاستقطابهم وفقاً لظروفهم سواء كانت مادية أو فكرية أو مرضية وهو ما ساعدهم على الاستسلام والانصياع للأفكار المتطرفة التى زرعتها فيهم تلك الجماعة وهم يعتمدون على معالجة نفسية وفكرية وتعليمية يبدأون بها منذ الصغر وصولاً إلى مرحلة الاستسلام التام والاعتناق الشديد لما يلقونه فى عقولهم من أفكار خبيثة ويوهمونهم بأن ذلك سيكون سبيلهم لدخول الجنة ويغدقون عليهم وعلى ذويهم بالمال.

 

وللحديث بقية مادام فى العمر بقية.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *