دراسة نقدية لقصيدة إلى ولدي محمد

دراسة نقدية لقصيدة إلى ولدي محمد

بقلم د . رشا السيد أحمد
تمت دراسة نقدية لقصيدة إلى ولدي محمد شعر:د. صباح عباس عنوز
1 ـ ضريبة العلو
إعلم أن الريح لا يجابه هزيزها أولا إلا الأطواد،.. وعزيفها لا يتشاكس أولا إلا مع الشجر
وأعلم أن أمواج الأباطيل لا تعج إلا على علو المعاني،
ولا يلاحق الضباب الا الفضاءات الفاتحة أذرعها للعناق
ـ الحذر2
هم ينقلون إليك مرارة اللسان ويصفون سهم كلامه الذي رماك ، لأنهم يريدون غرسه في قلب كبريائك
فصادق الصمت وأغلق منافذ السمع كي تنتصر آذناك على ضجيج النباح .. وفحيح ألسنة تتذوق طعم النار
الكبرياء ـ 3
اعلم انه كلما لمع النجم كلما بان جماله وعلوه، و اتـَّسع ضوءه
وان الخفاش لا يلتقي مع الضوء لأنه ..
لا يرى إلا في الليل
4 ـ العطاء
كن مثل القلم كلما قطته الآلة كلما تحسن خطه، وصادق الجمال والوضوح ..
ولا تقابل ريح الإساءة الا بشجرة الإحسان ليتساقط ثمرك .
5 ـ البناء
تيقن يا ولدي أن العمارة نهضت من خريطة رسمها قلم صامت على سطح ورقة، إذا انفردت بها الريح أخذتها حيث ما شاءت، ولكن التأمل بنى جدرانها
6 ـ إدراك
أدرك ياولدي أن الملك الغزير أساسه أصغر عملة تناسلت فأنجبت
ـ ترك مالايعنيك7
دع عينيك تنشغلان بالنظر إليك يوميا في المرآة ، كي لا تجعل المرآة تعكس لهما صور الآخرين .
8 ـ الصون
قص أجنحة البوح بصمتك كي يبقى سرك في عشك الذهبي
9 ـ الذكر الحسن
لا تدع الطيران لكلماتك في غير فضاءاتها كي لا تسقط الطمأنينة في صحراء القلق.
ويعثر اللسان بالحروف المتوحشة.
10 ـ تفاؤل
لا ينطفيء شعاع الروح فيك، واعلم أن العتمة تبحث عن غياب الضوء
دع اللون الأبيض يسطع في نظراتك.. وابتسم في وجه الثواني حتى لا يعشش غراب الأحزان في خضرة حديقتك، ولا ينعق صوته في أذني بالك..
11 ـ اصطياد
إعلم أن الفارغين من الحظ يبحثون عن اصطياد طيور الأفكار المهاجرة .. ويلونوا أجنحتها بغير ألوانها
نفاق ـ12
إعلم أن بعضا مثل فاس تبحث عن زند قوي في الغابات لتضرب جذوع الشجر الباسقة فأشح بوجهك، وانصت إلى ناي يدغدغ وجدانك..
13 ـ ثمر
إعلم أن ممتلئي العقول يتركون زادهم على جادة الحكمة لتأكل منه السابلة .
14 ـ فراغ
تيقن أن الجائعين يحسنون وضع قدورهم على نار بلا دخان ليطهوا الإدعاء من فراغ الكلمات
الأثنين ٤/ ١٠/ ٢٠٢١
يعتبر الشعر هو العتبة العليا للشعور المنقول من الداخل إلى الخارج والمسكوب فوق السطور كلمات تصف الشعور بكافة طبقاته, وذاك بقدر ما يستطيع الشاعر ترجمة أحاسيسه لكلمات وصور ومجازات
وقد يصف الشاعر حاله العاشقة, أو المتفائلة المحبة للوطن وقد يكون فخرا بالوطن وقد يكون شجوا.
حالات كثيرة من حالات الشاعر الشعورية قد يكتبها
و أحيانا قد يكون الشعر ضرباً من ضروب الحكمة البليغة في القول حين نريد أن نلخص التجارب الإنسانية بكلمات, و أحيانا تكون رسائلنا الشعرية رسائل لا تنسى بكل ما تضمنته من حكمة ومحبة وخوف على الأبناء
فماذا لو كان الشعر عبارة عن وصايا من أب شاعر لابنه, آب خاض تجارب طويلة عريضة في الحياة, وله من رجاحة العقل ماله وأحب أن يقدم لابنه خلاصة تجارب كبيرة , ليجنب ولده الكثير من المتاعب في الحياة
يقول الشاعر د . صباح عنوز
(1ـ ضريبة العلو
إعلم أن الريح لا يجابه هزيزها أولا إلا الأطواد،.. وعزيفها لا يتشاكس أولا إلا مع الشجر
وأعلم أن أمواج الأباطيل لا تعج إلا على علو المعاني،
( ولا يلاحق الضباب الا الفضاءات الفاتحة أذرعها للعناق
و قد أسمى هذا المقطع ضريبة العلو ,ضريبة الصعود على سلم الحياة والتحليق فيها فلا شيء يأتي بالسهل
هو يريده أن يعرف أن الحياة فيها مصاعب كثيرة,ومن يريد العلا عليه أن يجابه هذه الصعاب, ويكون أمامها كالجبال العظيمة الشاهقة العلو التي لا تكترث للرياح مهما عصفت وكيفما أتت وتلك الرياح لها أصواتا أشبه بالعزف , وأول من يتلقى عزفها هي الأشجار
و في هذه الحياة سيواجه الكثير من القصص الباطلة, التي تتصدى للمعاني السامية فلا يكترث لمثل تلك القصص الباطلة وتدفقها المستمر
وفي هذه الحياة هناك طقس الضباب الذي يتدفق في الفضاءات الفاتحة أذرعها للعناق
وهناك قصص كما الضباب خفيفة متطايرة بالحياة , وهي تتدفق وتتجه لمن ينتظر ملاقاتها وعناقها
وفي كل هذه المواقف عليه أن يكون على أهبة الإستعداد لكل مستجدات الحياة وصعابها ومواجهتا بكل قوة وأنفة دون أن يكترث لها
النصيحة الثانية من د . صباح لابنه هي الحذر
ـ الحذر2
(هم ينقلون إليك مرارة اللسان ويصفون سهم كلامه الذي رماك ، لأنهم يريدون غرسه في قلب كبريائك
فصادق الصمت وأغلق منافذ السمع كي تنتصر آذناك على ضجيج النباح.. وفحيح السنة تتذوق طعم النار )
يتابع سرده فيما يخط من نصائح لأبنه والنصيحة الثانية هي الحذر مما يسمع فهم سوف يسعون لتسميم كبريائه, وتأخير مسيرته بقصص مختلقة عن بعض ممن حوله , وسوف يسعون الناس أصحاب القلوب الغيورة والحسودة لتعكيره بشتى السبل , فينصحه بالصمت فليس كل ما نسمعه من الآخرين صحيح فلنحكم العقل ولنلتزم بالصمت , فذاك خير له من خوض معارك لا طائل منها
أما النصيحة الثالثة فهي الكبرياء
نعود لقصيدة د . صباح في النصيحة الثالثة وهي
الكبرياء ـ 3
اعلم انه كلما لمع النجم كلما بان جماله وعلوه، و اتـَّسع ضوءه
وان الخفاش لا يلتقي مع الضوء لأنه ..
لا يرى إلا في الليل
يخبر ابنه أن عليه أن يكون وهاجا في عطاءه في عمله , فالنجم حين يلتمع يبان جماله . كناية عن العطاء الوضاء الذي يلتمع وسط العتمة
بينما الناس السيئة هي كالخفافيش تعشق العتمة , لأن أعمالها لا تحيا بغير العتمة
فشتان ما بين النجم والخفاش
النصيحة الرابعة والخامسة لولده هي العطاء والبناء
العطاء
4 ـ كن مثل القلم كلما قطته الآلة كلما تحسن خطه، وصادق الجمال والوضوح..
ولا تقابل ريح الإساءة الا بشجرة الإحسان ليتساقط ثمرك .
ـ البناء5
تيقن يا ولدي أن العمارة نهضت من خريطة رسمها قلم صامت على سطح ورقة، إذا انفردت بها الريح أخذتها حيث ما شاءت، ولكن التأمل بنى جدرانها
يقول د . صباح
كن معطاء ولا تبالي إذا ما وجهت أمر صعبا فالأمور الصعبة هي من تقوي الروح والقلب والجسد , وتكسبنا الخبرة وتعرفنا بالحياة أكثر كما القلم كلما شحذناه كلما صار أفضل للكتابة
وينصحه بألا يقابل الإساءة إلا بالإحسان فهي صفة العظماء القادرين على العفو
والنصيحة الخامسة هي البناء الذي أتى من قلم يرسم بصمت وفكر نير يملي عليه أين يضع خطوطه وليست مسألة البناء في الحياة بكثرة الضجيج أنما هي بكثرة التأمل والتدبر والتنفيذ
وهكذا يستمر بنصحه نصيحة تلو أخرى حتى يستطيع مجابهة الحياة بخبرة والده و بحصيلة تجاربه الطويلة
وهنا تناص ديني بين هذه القصيدة السردية, وبين وصايا لقمان الحكيم في القرآن الكريم وهو ينصح ابنه, ويوصيه كي يكون سير ابنه في الحياة صحيحا عقائديا ودنيويا, وكان همه أن يتلقى ابنه الحكمة منه ليختصر عليه تجارب موجعة ومتعبة طويلة في الحياة وحتى لا يرتكب أخطاء يندم عليها, ويستطيع أن يبني له مجدا يليق بأحلامه وفكره المنير
وتستمر نصائح د . صباح على امتداد القصيدة نصيحة تلو أخرى وكأنه قطّرَ تجارب حياته في قصيدة لأبنه
قصيدته السردية التي أتت على شكل أشطر معنونة كل نصيحة بعنوان, أتاحت للشاعر أن يتابع نصائحه واحدة تلو أخرى بسلاسة و أتت القصيدة فقرات تحتوي على أشطر إخبارية, تبتدأ بجملة إخبارية أولى و تتبعها جملة إخبارية ثانيةعلى شكل نصيحة ويفسر النصيحة بجملة إخبارية ثانية تتبعها وتفسرها, أو توضح سبب النصيحة
كقوله : ( إعلم أن الريح لا يجابه هزيزها أولا إلا الأطواد )،..
في الشطر الأول جاءت النصيحة على شكل جملة إخبارية لتقوية المعنى وشد حواس المتلقي كلها إلى ما يقول الأب, فنحن نلتفت للخبر ومدى أهميته إلينا وما حمل بين جناحيه, وتبعها بجملة ثانية تقوي المعنى الأول حيث قال : ( وعزيفها لا يتشاكس أولا إلا مع الشجر )
لقد أخبر بداية عن الريح ثم عن عزيفها لو أتينا لكمات القصيدة نجد أن بلاغة الشاعر اللغوية, ظهرت جليا في أشطر القصيدة من خلال الكلمات والمجازات, التي استخدمها فهو
قال:( هزيرها , الأطواد , عزيفها ) ونرى كذلك التراكيب الحديثة والسلسة بعيدا عن التقعر في اللغة في ( مرارة اللسان , سهم كلامه, صادق الصمت, منافذ السمع , كلما لمع النجم , كلما بان جماله وعلوه, الفارغين من الحظ , اصطياد طيور الأفكار …) نجدها جاءت بعيدة عن التقعر لكنها أتت حديثة جميلة بليغة في معناها بينت ما تريد بقوة و “بعيدا عن التراكيب الصعبة ” وهذا من مقتضيات القصيدة النثرية سلاسلة المجازات وحداثتها
لو أتينا لسير القصيدة الموسيقي هنا, أن القصيدة السردية أتت هنا بنصائح قوية متينة المعنى والمبنى, متراصفة بموسيقى تليق بقصيدة السرد , فلم تكن غنائية ولا لحن نشيد بل أتت هادئة متسقة بعزفها, فهي تدخل في باب النصح, وكان هنا النصح هادئا يشد الإنتباه إليه من خلال هدوء نغمه, وإسداء النصح بقلب المجرب العارف بالحياة
كانت السردية تتسم بالقول السديد وهدوء النفس ورجاحة العقل , بعيدا عن الإنفعال , بعيدا عن تصنيع المجاز بل أتت المجازات ضرورية تخدم الفكرة وتقدمها .

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *