دور الشباب ومنظمات المجتمع المدني في التنمية والبناء وتحقيق النهضة

بقلم : د. طراد علي بن سرحان الرويس
اهتّم الإسلام بالشباب اهتماماً عظيماً، لكونهم عصب الأمة ورجالها الذين يتصفون بالقوة والحيوية، ويحملون الأمل والتفاؤل، ولهم القدرة على التحمّل وعلى الإنتاج، ويمثلون مصدر الطاقة الاجتماعية التي تستطيع تغيير حال الأمة بكل حيثياتها، وتعتبر فئة الشباب أهم الفئات التي تعمل على بناء وتنمية المجتمع، وعموده الفقري الذي لا يمكن الاستغناء عنه، فهم الأكثر تقبلاً للتغيير والأكثر استعداداً لتقبل الجديد والتعامل معه، وهم الأقدر على التكيّف بسهولة دون إرباك مما يجعل دورهم أساسي في أحداث التغيير في المجتمع والنهوض به، ويلعبون دوراً أساسياً في تنمية وبناء المجتمع حيث لا يقتصر دورهم على مجال محدد بل يتقاطع مع جميع المجالات الاجتماعية والسياسية والاقتصادية ومختلف قطاعات التنمية.
حيث تبدأ مرحلة نهوض الأمم بنهوض أفكار شبابها، وتقوم على أكتافهم وسواعدهم، ومرحلة تحقيق النهضة هي الواقع الفعلي للقوة والوعي الحضاري بكل مستوياته الفردية والمجتمعية ولن يتم تحقيق النهضة إلا بتعاون من المجتمع وبوعي متكامل حتى وإن كان هناك مساعي فردية للوصول إلى نفس الأهداف الكلية للمجتمع بانسجام وملائمة، لتنظر في التقّدم إلى قمة واحدة وغاية واحدة وهي تحقيق النهضة للمواطن وللمجتمع وبالتالي تحقيق الازدهار للأمة ككل.
كما أن مرحلة تحقيق النهضة هي مرحلة تعتبر الأسمى، وهي الغاية التي تدرجت عبر مراحل سابقة من أجل الوصول إليها وهي ليست شيء يمكن حسابه أو قياسه ولكنه شيء يمكن التخطيط له ودراسته دراسة متأنية مستفيضة تهتم بكل مجالات التنمية الشاملة والمستدامة دون تدخل خارجي، أو تسلط داخلي يكبح مستوى الابداع والتقدم والتطّور، والطريق إلى ذلك هو مسؤولية فردية تقع على عاتق كل مواطن من أبناء أمتنا، وأنّ العمل على النهوض بواقعنا ضرورة حياتية من منطق المصلحة العامة قبل أن يكون واجبا دينياً.
لذا يتوجب علينا أن نحدّد الخطوات اللازمة في خطّة عمل واضحة الأهداف، وممكنة الوسائل، قابلة للتطبيق على المستوى الفردي والجماعي وفي كل بيئة ومحيط، ليتسنى بعد ذلك المشي حثيثًا في تطبيقها، كما أن صياغة خطة عمل ممكنة التنفيذ وقريبة من الواقع وبعيدة عن التنظير، قائمة وهي الجزء الأهم الذي تقوم عليه قواعد سلوكنا الفردي في محيط مجتمعاتنا العربية، والذي نملك التأثير به بشكل واعً ومناسب، وإن وضوح الهدف ومعرفة الطريق المؤدية إليه ثم المشي حثيثًا في تلك الطريق هي شروط موضوعية لنجاح أي مشروع تنموي مجتمعي وطني جدّي فمشروع النهضة العربية ليس استثناءً من هذه القاعدة.
كما يتوجب علينا العمل معاً على تطور درجة الوعي الاجتماعي أولاً ونشره بين شبابنا، وكذلك العمل على رفع مستواهم المعيشي، وزيادة مشاركتهم في التنمية المجتمعية، وطرح مشكلات المجتمع أمامهم، وتفعيل دور منظمات المجتمع المدني لإبراز دور شبابنا في خدمة المجتمع وتنمية الوطن، ومساهمتهم بفاعلية في الأنشطة والمبادرات التي تهدف إلى تحقيق التنمية ونشر الثقافة الإيجابية من خلال دعم استراتيجي يجني ثماره شباب امتنا العربية.
ومن هنا، أود الإشارة إلى أن منظمات مجتمعنا المدني تواجه في الوقت الحالي بعض المعوقات التي تحّول دون تحقيق أهدافها التي أنشئت من أجلها، ومنها معوقات راجعة إلى أهداف المنظمة، وإلى عدم وضوح أهدافها والاتفاق عليها، وكذلك إلى وضع أهداف تعجز المنظمة عن تحقيقها والتركيز على أهداف معينة وإهمال الأهداف الأخرى لخضوعها لاعتبارات شخصية، وكذلك إلى ضعف القيّم الجماعية لدى المواطنين في المجتمع مما يؤثر في قدراتها في إعادة صياغة وتحديد الأهداف، وبناء الاستراتيجيات والسياسات، وعدم توفر الإحصاءات والمعلومات الدقيقة التي قد ينجم عنها عدم التمّكن من وضع أهداف واقعية وملموسة وسياسة وطنية إنمائية شاملة يحدد من خلالها دور كل من مؤسسات الدولة والقطاع الخاص، ومنظمات المجتمع المدني.

كما يمكن الإشارة إلى الأدوار التي يمكن أن تؤديها منظمات المجتمع المدني، كتوفير الخدمات من خلال التمتع بقدرات فنية وتقنية عالية تمكنه من توفير نوعية مقبولة من الخدمات، وكذلك المساهمة في العملية التنموية من خلال تقوية وتمكين مجتمعاتنا العربية، وبناء القدرات وتنمية المهارات والتدريب بمختلف المجالات التنموية كالتخطيط الاستراتيجي وصياغة البرامج التنموية وتنفيذها وتوسيع المشاركة الشعبية فيها، والمساهمة في رسم السياسات والخطط العامة، واقتراح البدائل والتفاوض عليها أو التأثير في السياسات العامة لإدراج هذه البدائل فيها، والاطلاع على سبل تنفيذها وعلى نتائجها.ويتوجب علينا العمل على تذليل كافة العقبات والقيود القانونية والإدارية والمالية أمام منظمات المجتمع المدني وتمكينها من العمل بحرية واستقلالية وبمأمن من أجل تنشيط وتفعيل دورها في تعزيز ونشر ثقافة العمل التطوعي بين أفراد المجتمع باعتبار أن تلك المنظمات مكملاً أساسياً في حلقة الوصل بين حكوماتنا ومجتمعاتنا العربية، والعمل على تشجيع وتحفيز القطاع الخاص على رعاية برامج وأنشطة منظمات المجتمع المدني، وعلى نشر التوعية بكيفية المشاركة وزيادة التمويل بما يساعد على تنظيم برامج وأنشطة داعمة وحافزة، والتواصل مع المؤسسات التربوية لنشر أهمية ثقافة العمل التطوعي بين الناشئة والشباب بغرض غرس مفهوم العمل التطوعي نفوسهم.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *