رئيس اتحاد الوطن العربي الدولي ورئيس الإتحاد العالمي للعلماء والباحثين يتحدث عن الإستعارة في اللغة العربية
رئيس اتحاد الوطن العربي الدولي يتحدث عن الإستعارة في اللغة العربية
بقلم \ المفكر العربى الدكتور خالد محمود عبد القوي عبد اللطيف
مؤسس ورئيس اتحاد الوطن العربي الدولي
رئيس الإتحاد العالمي للعلماء والباحثين
الرئيس التنفيذي لجامعة فريدريك تايلور بالولايات المتحدة الأمريكية
الرئيس التنفيذي لجامعة بيرشام الدولية بأسبانيا
الرئيس التنفيذي لجامعة سيتي بكمبوديا
الرئيس التنفيذي للمؤسسة الدولية للدراسات المتقدمة بأمريكا
ورئيس جامعة الوطن العربي الدولي ( تحت التأسيس )
الرئيس الفخري للجمعية المصرية لتدريب وتشغيل الشباب
مستشار مركز التعاون الأوروبي العربي بألمانيا الإتحادية
الرئيس الفخري لمنظمة العراق للإبداع الإنساني بألمانيا الإتحادية
الاستعارة: هي مجاز علاقته المشابهة؛ كقوله تعالى: ﴿ كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ لِتُخْرِجَ النَّاسَ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ ﴾ [إبراهيم: 1]؛ أي: من الضلال إلى الهدى.
فقد استعملت الظلمات والنور في غير معناهما الحقيقي، والعلاقة المشابهة بين الضلال والظلام، والهدى والنور، والقرينة ما قبل ذلك (1).
(1) قوله تعالى: ﴿ كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ لِتُخْرِجَ النَّاسَ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ ﴾ [إبراهيم: 1] الكتاب هو القرآن، والخطاب للنبي صلى الله عليه وسلم، وأضيف الإخراج إليه؛ لأنه هو السبب، وإلا فالمُخرِجُ حقيقةً هو الله عز وجل.
وقوله: ﴿ مِنَ الظُّلُمَاتِ ﴾؛ أي: من ظلمات الجهل.
وقوله: ﴿ إِلَى النُّورِ ﴾؛ أي: إلى نور العلم.
ولو أننا أخذنا الظلمات على إطلاقها، لكان المعنى أن الرسول صلى الله عليه وسلم يخرج الناس من الظل إلى الشمس مثلًا، أو من الحجرة إلى فِنائها، لكن المراد بقوله سبحانه: ﴿ مِنَ الظُّلُمَاتِ ﴾؛ أي: من الجهل الذي هو الضلال: ﴿ إِلَى النُّورِ ﴾؛ يعني: إلى العلم والهدى.
وما هي الاستعارة التصريحية الأصلية؟
الجواب: التصريحية هي التي يستعار فيها المشبه به للمشبه.
والأصلية: هي التي ليست مشتقة، أما المشتقة فإنها تكون تبعية.
ووجه ذلك: أنك استعرت المعنى أولًا، ثم حولته إلى مشتقة؛ اسم الفاعل، أو اسم المفعول، أو المبني للفاعل، أو المبني لما لم يسمَّ فاعله.
وأصل الاستعارة: تشبيه حُذِف أحد طرفيه، ووجه شبهه، وأداته (1).
والمشبه: يسمى مستعارًا له، والمشبه به يسمى مستعارًا منه، ففي هذا المثال المستعار له هو الضلال والهدى، والمستعار منه هو معنى الظلام والنور، ولفظ الظلمات والنور يسمى مستعارًا.
(1) فأصل الاستعارة: هو التشبيه.
مثال ذلك: أن تقول: محمد كالبحر في العطاء.
ثم تحذف وجه الشبه، فتقول: محمد كالبحر.
ثم تحذف الأداة، فتقول: محمد بحر.
ثم تحذف أحد الطرفين: محمد، أو بحر، فتقول: رأيت بحرًا ينفق المال على الناس بلا حساب.
فالآن لم يبقَ معنا من أركان التشبيه إلا طرف واحد، وهو المشبه به، وعلى هذا فإذا أردت أن تأخذ استعارة، فكوِّنْ أولًا تشبيهًا تامًّا، ثم خصص؛ أي: احذف وجه الشبه، ثم أداة التشبيه، ثم المشبه، ثم كوِّنْ جملة يتم بها الكلام.
فإذا أردت أن تمدح شخصًا بالعلم، فإنك تقول: علي كالبحر في العلم.
ثم تحذف وجه الشبه، فتقول: علي كالبحر.
ثم تحذف أداة التشبيه، فتقول: علي بحرٌ.
ثم تحذف المشبه، وهو “علي”، فيبقى معك كلمة (بحر)، وهي كلمة مفردة، فتجعلها في جملة مفيدة، فتقول: رأيت بحرًا يعلم الناس.
وإذا أردت أن تستعير أصلًا لرجل شجاع، فإنك تقول: فلان كالأسد في الشجاعة.
فتحذف وجه الشبه، فتقول: فلان كالأسد.
ثم تحذف أداة التشبيه، فتقول: فلان أسد.
ثم تحذف المشبه، وهو كلمة “فلان”، فيبقى كلمة “أسد”، فتجعلها في جملة مفيدة، فتقول: رأيت أسدًا، فتجعلها في جملة مفيدة، فتقول: رأيت أسدًا يحمل سيفًا؛ ولذلك قرر المؤلف أن أصل الاستعارة تشبيه حُذِف أحد طرفيه، ووجه شبهه، وأداته.
وتنقسم الاستعارة إلى مصرحة، وهي ما صرح فيها بلفظ المشبه به؛ كما في قوله:
فأمطرت لؤلؤا من نرجس وسقت وردًا وعضَّت على العُنَّاب بالبَرَدِ (1)
فقد استعار اللؤلؤ والنرجس والورد والعُنَّاب والبَرَد للدموع والعيون والخدود والأنامل والأسنان (2).
(1) هذا البيت غريب، وهو فصيح، وفيه تشدد في الاستعارة.
(2) هذا على سبيل اللف والنشر المرتب[1]؛ فالمراد أنه استعار اللؤلؤ للدموع، والنرجس للعيون، والورد للخدود، والعُنَّاب للأنامل، والبَرَد للأسنان.
والمعنى: أن المرأة بكت، وحصل من بكائها ما ذكر.
ولو قال قائل: ذكرتم أن المجاز – سواء كانت علاقته المشابهة أو غير ذلك – فإنه لا بد فيه من قرينة وعلاقة، فما هي القرينة التي تمنع من إرادة المعنى الحقيقي في هذا المثال؟
الجواب: أما القرينة المانعة من إرادة المعنى الحقيقي، فهي أنه لا يمكن أن تمطر السماء لؤلؤًا، وكذلك يقال في الباقي.
وأما العلاقة فهي في كل هذه الكلمات المشابهة؛ فقد شبه دموعها باللؤلؤ، والغرض من ذلك التحسين، وكذلك يقال في البواقي.
فعلى سبيل المثال نقول: العلاقة بين العُنَّاب والأنامل اللون؛ لأن العُنَّاب لونه أحمر، وهذه قد صبغت أناملها بالحنَّاء، فصارت تشبه العنَّاب.
وإلى مكنية: وهي ما حذف فيها المشبه به، ورمز إليه بشيء من لوازمه؛ كقوله تعالى: ﴿ وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ ﴾ [الإسراء: 24].
فقد استعار الطائر للذل، ثم حذفه، ودل عليه بشيء من لوازمه، وهو الجَناح، وإثبات الجَناح للذل يسمونه استعارة تخييلية (1).
(1) لأن الذل حقيقةً ليس له جَناح، لكن تخيله كأنه طائر له جَناح، فحذفه، ورمز إليه بشيء من لوازمه.
ومثال ذلك أيضًا: قوله سبحانه: ﴿ أُولَئِكَ الَّذِينَ اشْتَرَوُا الضَّلَالَةَ بِالْهُدَى ﴾ [البقرة: 16] إذا جعلنا الاستعارة في كلمة الضلالة، فنقول: شُبِّهت الضلالة بالمتاع؛ لأن المتاع هو الذي يشترى، وحذف المتاع، ورمز إليه بشيء من لوازمه، وهو الشراء، فهذه استعارة مكنية.
وقال الشاعر:
وإذا المنية أنشبت أظفارها ألفيتَ كل تميمة لا تنفع
قوله: إذا المنية أنشبت أظفارها، من المعلوم أنه ليس للمنية أظفار تنشب، لكن شبه المنية بالوحش أنشب ظفره، وحذف الوحش، ورمز إليه بشيء من لوازمه، وهو الأظفار.
والخلاصة الآن: أنه إذا وجد المشبه به، فهي تصريحية، وإذا وجد المشبه، وحذف المشبه به، ورمز إليه بشيء من لوازمه – فهي مكنية.
بقي لنا الآن قوله تعالى: ﴿ وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ ﴾ [الإسراء: 24].
إذا قلنا: إن في القرآن مجازًا، فتخريجها واضح، كما قال المؤلف، لكن إذا قلنا: ليس به مجاز، فكيف نخرج هذه الآية؟
الجواب: نخرج هذه الآية على أنه من المعروف أن الذل ليس له جَناح، لكن لما كان الإنسان إذا استعلى على غيره، وتجبر عليه، وارتفع، صار كأنه طائر، فأمر أن يخفض الجَناح الذي يكون به الطيران حتى ينزل ويكون بالنسبة لوالديه ذليلًا.
وحينئذ نقول: إن السياق يمنع تمامًا أن يكون المراد أن الذل طائر له أجنحة، وأن الله أمر أن يخفض له الجَناح، فهذا شيء معروف أنه لا يمكن.
وتنقسم الاستعارة إلى أصلية، وهي ما كان فيها المستعار اسمًا غير مشتق، كاستعارة الظلام للضلال، والنور للهدى.
وإلى تبعية، وهي ما كان فيها المستعار فعلًا أو حرفًا أو اسمًا مشتقًّا، نحو: ركب فلان كتفي غريمه؛ أي: لازمه ملازمة شديدة.
وقوله تعالى: ﴿ أُولَئِكَ عَلَى هُدًى مِنْ رَبِّهِمْ ﴾ [البقرة: 5]؛ أي: تمكنوا من الحصول على الهداية التامة.
ونحو قوله:
ولئن نطقتُ بشكر برِّك مفصحًا فلسان حالي بالشكاية أنطق
أي: أدل (1).
(1) الآن إذا كانت الاستعارة في فعل، أو حرف، أو مشتق، فهي تبعية، وإذا كانت في اسم جامد فهي أصلية، وذلك واضح؛ لأن أصل الأفعال والمشتقات مصادر اشتق منها هذا.
فإذا قلت: رأيت أسدًا يحمل حقيبة، فهي أصلية؛ لأنها جرت في اسم جامد غير مشتق.
وإذا قلت: ركب فلان كتفي غريمه، شبه الملازمة بالركوب، فهنا “ركب” فعل، فتكون تبعية.
وأيضًا: قوله تعالى: ﴿ أُولَئِكَ الَّذِينَ اشْتَرَوُا الضَّلَالَةَ بِالْهُدَى ﴾ [البقرة: 16].
نحن أجريناها قبل قليل على أنها مكنية، لا تصريحية، ويمكن أن نجريها تصريحية، ونجعلها في كلمة “اشتروا”.
فـ: “اشتروا” بمعنى اختاروا الضلالة على الهدى، فشبه اختيارهم الضلالة على الهدى بالشراء، بجامع في كل منهما، ثم استعار لفظ الاشتراء للاختيار، ثم اشتق من الاشتراء “اشتروا”.
إذن: التبعية أطول إجراءً من الأصلية؛ لأن التبعية لا بد أن تجريها في أصل المعنى، ثم تقول: واشتق منه كذا وكذا؛ ولهذا سميت تبعية.
فالخلاصة الآن: أنه إذا كانت الاستعارة في اسم جامد فهي أصلية، وإذا كانت في اسم مشتق، أو فعل، أو حرف، فهي تبعية.
أما الإجراء: فالأصلية أسهل؛ فإنك إذا قلت: رأيت أسدًا يحمل حقيبة، تقول: شبه الشجاع بالأسد بجامع الإقدام في كل منهما، ثم استعير الأسد للرجل الشجاع، وبذلك ينتهي الإجراء.
لكن إذا أجريت التبعية في قوله: ﴿ أُولَئِكَ الَّذِينَ اشْتَرَوُا الضَّلَالَةَ بِالْهُدَى ﴾ [البقرة: 16]، فقلت: “اشتروا” بمعنى اختاروا، فشبه الاختيار بالاشتراء، بجامع الرغبة في كل منهما، ثم اشتق من الاشتراء “اشتروا” بمعنى “اختاروا”، فتجد أن التبعية أطول إجراءً من الأصلية.
وقوله تعالى: ﴿ أُولَئِكَ عَلَى هُدًى مِنْ رَبِّهِمْ ﴾ [البقرة: 5]، هل الهدى شيء يركب؟
الجواب: لا، ولكن كلمة “على” استعيرت، أو “الهدى” استعير استعارة مكنية؛ وذلك لأن الهدى – الذي هو المعنى، وهو العلم – لا يمكن أن يركب، لكن شبه ملازمته للهدى بالركوب عليه.
وتنقسم الاستعارة إلى مرشحة، وهي ما ذكر فيها ملائم المشبه به، نحو: ﴿ أُولَئِكَ الَّذِينَ اشْتَرَوُا الضَّلَالَةَ بِالْهُدَى فَمَا رَبِحَتْ تِجَارَتُهُمْ ﴾ [البقرة: 16]؛ فالاشتراء مستعار للاستبدال، وذكر الربح والتجارة ترشيح (1).
(1) معنى المرشَّحة: المقوَّاة.
فقوله تعالى: ﴿ أُولَئِكَ الَّذِينَ اشْتَرَوُا الضَّلَالَةَ بِالْهُدَى ﴾ [البقرة: 16].
الاستعارة انتهت إلى هذا الحد.
وقوله تعالى: ﴿ فَمَا رَبِحَتْ تِجَارَتُهُمْ ﴾ [البقرة: 16]، هذه جملة تقوي الاستعارة.
فالاستعارة ذكرنا أنها في الشراء، والتجارة تناسب الشراء؛ لأن الرجل يشتري الشيء ليربح فيه، أو ليستعمله في بيته مثلًا، فهذا نسميه ترشيحًا.
يعني: إذا ذكر في الاستعارة ما يلائم المشبه به، سُمِّي ذلك ترشيحًا.
وإلى مجردة، وهي التي ذكر فيها ملائم المشبه، نحو: ﴿ فَأَذَاقَهَا اللَّهُ لِبَاسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ ﴾ [النحل: 112]، استعير اللباس لما غشي الإنسان عند الجوع والخوف، والإذاقة تجريد لذلك.
وإلى مطلقة، وهي التي لم يذكر معها ملائم، نحو: ﴿ يَنْقُضُونَ عَهْدَ اللَّهِ ﴾ [البقرة: 27] (1)، ولا يعتبر الترشيح والتجريد إلا بعد تمام الاستعارة بالقرينة (2).
(1) قسم المؤلف رحمه الله الاستعارة إلى ثلاثة أقسام:
الأول: ما ذكر فيه ملائم المشبه به، وهذه تسمى مرشحة.
والثاني: ما ذكر فيه ملائم المشبه، وهذه تسمى مجردة.
والثالث: ما خلا عن ملائم هذا وهذا، فهذه تسمى مطلقة.
وكذلك ما ذكر فيها ملائم هذا وهذا؛ لأنها تسمى مطلقة.
واعلم أن هذه اصطلاحات، فليست شيئًا مبنيًّا على دليل؛ فهو مصطلح من جنس المصطلح في علم الحديث.
إذا قلت: رأيت أسدًا يحمل حقيبة، ويكتب بقلم، فقوله: “يكتب بقلم” هل يناسب المشبه أو المشبه به؟
الجواب: المشبه، إذن هذه مجردة.
وإذا قلت: رأيت أسدًا يحمل حقيبة، ويفترس أقرانه، فهذا ترشيح؛ لأنه يلائم المشبه به.
وإذا قلت: رأيت أسدًا يحمل حقيبة، فهذه مطلقة.
والخلاصة الآن: أنه إذا ذكر في الاستعارة ما يلائم المشبه به فهو ترشيح، والترشيح، يعني: التقوية.
وإذا ذكر ما يلائم المشبه فهو تجريد، يعني: كأنك بعد أن ادعيت أن هذا المستعار له هو المستعار، جردته بذكر ما يلائم المستعار له.
وإذا لم يذكر هذا ولا هذا، فهي مطلقة.
(2) وهذا ضروري، فلا يعتبر الترشيح والتجريد إلا بعد أن تتم الاستعارة.
وانظر إلى قولك: رأيت أسدًا يحمل حقيبة، فهذا استعرته للرجل الشجاع، وكلمة (يحمل حقيبة) تناسب المشبه بلا شك، لكننا لا نجعلها هنا مجردة؛ لأن هذه هي القرينة المانعة.
إذن: التجريد والترشيح لا يعتبر إلا بعد تمام الاستعارة بقرينتها، وبهذا ينتهي الكلام عن الاستعارة.
: