رئيس اتحاد الوطن العربي الدولي يتحدث عن العدل فى أسمى صوره
رئيس اتحاد الوطن العربي الدولي يتحدث عن العدل فى أسمى صوره
بقلم \ المفكر العربي الدكتور خالد محمود عبد القوي عبد اللطيف
مؤسس ورئيس اتحاد الوطن العربي الدولي
منذ أكثر من مائة سنة واليهود يتعاملون مع المسلمين والعرب بكل مكرٍ وقسوة ووحشية، عزَّ أن يكون لها مثيلٌ في التاريخ الإنساني، وقد تضاءلتْ جرائم التتار والصليبيين أمام جرائمهم، وقد نَسِيهؤلاء اليهود أياديَ الإسلام وحضارته البيضاءَ عليهم، عندما كان محكومًا عليهم بالإبادة الجماعية، والتعميد القهري لأبنائهم، ومصادرة كل أموالهم في إسبانيا على عهد القوط، فجاء الإسلام ورَحِمهم من كل هذا، وعاشوا في إسبانيا أكرم حياة، وتبوَّؤوا أرفع المناصب! ولما طُرد المسلمون من إسبانيا شر طردة، وتعرَّضوا لمحاكم التفتيش، خانهم اليهود، لكن خيانتهم لم تنفعهم، فعاملهم أصحاب محاكم التفتيش بمثل ما عاملوا به المسلمين وطردوهم شر طردة!
وبعد طرد أوروبا الجماعي لهم – بعد سقوط إسبانيا سنة (1492م) – لم يجدوا ملجأ إلا بلاد الإسلام والشرق، فعاشوا أطيب حياة في ظل الحضارة الإسلامية أيام المماليك والعُثْمَانيين، بل وبدايات عصر الاستقلال، لكن الغدر لم يفارقهم أبدًا، فكانوا في كل ذلك يَكِيدون ويخطِّطون لقطع الأيادي التي امتدَّت لإنقاذهم، وامتصاص دماء مَن أسكنوهم في بلادهم؛ لأنهم – كما وصفهم الإنجيل – لا يعرفون الوفاء ولا الرحمة، بل هم كالأفاعي السامَّة، وكالجراثيم التي تأكل أفضل ما في الجسم وتقتله في الوقت نفسه!
ونحن نقدِّم موقفًا واحدًا ضمن آلاف المواقف الدالَّة على عظمة حضارة الإسلام في العدل والمساواة والرحمة، حتى بهؤلاء اليهود الذين لم يَعرِف قاموسُهم أبدًا معانيَ الأخلاق والإنسانية والرحمة!
لقد أراد السلطان (سليمان القانوني) – الذي بلغت القوة الإسلامية في عهده أَوْجَ عظمتها – أن يبني مسجدًا باسمه في (إسلامبول) – المعروفة الآن باسم (إسطنبول) – وقد بحث رجال السلطان عن أفضل مكان يكون صالحًا لهذا المسجد العظيم، فاتفقوا جميعًا في نهاية بحوثهم على مكانٍ معينٍ، فسيح جميل، لم تكن هناك أية مشكلة في البناء فيه إلا مشكلة صغيرة، هي أن يهوديًّا يملك كوخًا صغيرًا بداخل هذا المكان، ولا بد من إزالته قبل المباشرة في البناء.
وبأمر من السلطان ذهب رجاله لشراء الكوخ من اليهودي، عارضين عليه ثمنًا مناسبًا يستطيع أن يشتري به بيتًا أفضل من هذا الكوخ، لكن اليهودي الماكر كان يعرف عدل السلطان، فرفض بيع الكوخ، وعبثًا حاول رجال السلطان – بأمرٍ من السلطان – أن يشتروا منه الكوخ بأضعاف هذا الثمن الذي عرضوه عليه سابقًا، لكنه كان لئيمًا؛ فرفض بيع الكوخ تمامًا، وعندما عجز رجال السلطان عن التفاوض مع اليهودي، أبلغوا السلطان بما انتهوا إليه، آملين أن يأخذوا الإذن بطرد اليهودي المعانِد من مكانه وهدم الكوخ، ولكن السلطان رفض تمامًا هذا الاقتراح، ثم فكَّر وقرَّر في نفسه أمرًا، هو أن يذهب هو بنفسه لمفاوضة اليهودي في بيع الكوخ، وفُوجِئ الجميع وأدهشهم الأمر، ولكن هكذا فعل السلطان، وذهب فعلاً (سليمان القانوني) بنفسه، ونزل عن جوادِه، ودقَّ باب الكوخ على اليهودي، وفتح اليهودي الباب، ففوجئ بالسلطان وحوله بعض رجاله، وأذهله حضور السلطان، وطلب منه بيع الكوخ بكل تواضع وبأي ثمن، بل وقد عرض عليه السلطان أضعاف المبلغ الذي عرضه عليه رجاله سابقًا، وسرعان ما وافق اليهودي على هذا العرض السخي الذي قدمه له السلطان بنفسه!
وهكذا بني جامع السليمانية – من أضخم المساجد في تركيا – والأهم من ذلك أنه مسجد بُنِي على التقوى، وقدمه لنا – بهذا الموقف – صفحة رائعة من صفحات (العدل) و(الكرم) و(الرحمة)، مع مَن لا يعرفون كل هذه المعاني، ومع مَن يتعاملون مع المسلمين في العالم كله الآن بكل غدر ووحشية، ولله الأمر كله، والعاقبة للمتقين، مهما طغى الطاغون، وظلَم الظالمون!