رئيس اتحاد الوطن العربي الدولي يتحدث عن صناعة الأجيال
رئيس اتحاد الوطن العربي الدولي يتحدث عن صناعة الأجيال
بقلم / المفكر العربي الدكتور خالد محمود عبد القوي عبد اللطيف
مؤسس ورئيس اتحاد الوطن العربي الدولي
رئيس الإتحاد العالمي للعلماء والباحثين
في يومٍ من أيام الله وفي بيتٍ من بيوت الصحابة يجتمع نفرٌ من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم ذات يوم وكان من بينهم الفاروق عمر بن الخطاب رضي الله عنه ..!!
فقال لجلسائه: تمنوا.
فقال أحدهم: أتمنى أن يكون ملء هذا البيت دراهم، فأنفقها في سبيل الله.
فقال: تمنوا.
فقال آخر: أتمنى أن يكون ملء هذا البيت ذهبًا، فأنفقه في سبيل الله.
فقال عمر: لكني أتمنى أن يكون ملء هذا البيت رجالاً من أمثال أبي عبيدة بن الجراح، ومعاذ بن جبل، وحذيفة بن اليمان، فأستعملهم في طاعة الله. [التاريخ الصغير للبخاري 1/79 وسير أعلام النبلاء 1/14]. ..
ما أجمل هذه الأمنيات ..!!
ولكن ما أحكم عمر بن الخطابْ حين لم يتمن فضةً ولا ذهباً ، ولا لؤلؤاً ولا جوهراً ، ولكنه تمنى رجالاً من الطراز الممتازِ الذين تتفتح على أيديهم كنوزُ الأرض وأبوابُ السماء وعلى جهودهم تقوم الرسالات وتنتشر الدعوات ..
قال تعالى (وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ إِلَّا رِجَالاً نُوحِي إِلَيْهِمْ مِنْ أَهْلِ الْقُرَى أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَدَارُ الْآخِرَةِ خَيْرٌ لِلَّذِينَ اتَّقَوْا أَفَلا تَعْقِلُونَ) (يوسف:109) …
وبهم تعمر الديار وتبنى الأوطان وتزدهر الحضارات وبهم تتقدم الشعوب وتنجز المشروعات وتحمى البلاد وتصان الأعراض …
ذلك أن الإنسان بتربيته وإعداده يكون أعزُ من كل معدَنٍ نفيس ، وأغلى من كل جوهر ثمين ، وأقوى من كل سلاح عظيم
وإن الأمم والشعوب لتتسابق إلى تربية الأجيال وإعدادها لتقوم بدورها في هذه الحياة ،
فكيف بأمة دينها الإسلام ورسولها سيد الأنام صلى الله عليه وسلم ..!!
فمن أين تبدأ تربية الأجيال؟
وهذه التربية مسئولية من؟
وما هي ثمــرة هذه التربية في الدنيا والآخرة؟.
إن أول ميادين التربية هي الأســرة فيتربى على الإيمان والتقوى والصلاح والخلق القويم والآداب الحسنة ،،
ها هو لقمان يوصي ابنه ويربيه على هذه القيم قائلاً له يَا بُنَيَّ إِنَّهَا إِنْ تَكُ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ فَتَكُنْ فِي صَخْرَةٍ أَوْ فِي السَّمَاوَاتِ أَوْ فِي الْأَرْضِ يَأْتِ بِهَا اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ لَطِيفٌ خَبِيرٌ ) (لقمان:16)..
و عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : ” إِذَا مَاتَ الْإِنْسَانُ انْقَطَعَ عَنْهُ عَمَلُهُ إِلَّا مِنْ ثَلَاثَةٍ إِلَّا مِنْ صَدَقَةٍ جَارِيَةٍ أَوْ عِلْمٍ يُنْتَفَعُ بِهِ أَوْ وَلَدٍ صَالِحٍ يَدْعُو لَهُ “[ مسلم ]..
ومن واجبات الأسرة تربية هذا الجيل من الأبناء والبنات على أداء شعائر الدين من العبادات والطاعات فيدركوا أنهم ما خلقوا إلا للعبادة وأن الحياة لا تستقيم إلا بطاعة الله يقول لقمان عليه السلام لأبنه ( يَا بُنَيَّ أَقِمِ الصَّلاةَ وَأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ وَانْهَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَاصْبِرْ عَلَى مَا أَصَابَكَ إِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ) (لقمان:17) …
عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : { مروا أولادكم بالصلاة وهم أبناء سبع سنين واضربوهم عليها وهم أبناء عشر وفرقوا بينهم في المضاجع } (صحيح سنن أبي داود للألباني /466) …
وقال سبحانه عن إسماعيل عليه السلام ﴿وَكَانَ يَأْمُرُ أَهْلَهُ بِالصَّلاَةِ وَالزَّكَاةِ وَكَانَ عِنْدَ رَبِّهِ مَرْضِيًّا﴾ (مريم: 55) وقال تعالى ﴿وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلاَةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا﴾ (طه: 132)
ذكر الذهبي في سير أعلام النبلاء أن عبد العزيز بن مروان بعث ابنه عمر إلى المدينة يتأدب بها وكتب إلى صالح بن كيسان يتعاهده وكان يلزمه الصلوات فأبطأ يوما عن الصلاة ،
فقال له : ما حبسك ؟
قال : كانت مرجلتي تسكن شعري ..
(أي : الخادمة تمشط شعره ..)
فقال : بلغ من تسكين شعرك إن تؤثره على الصلاة ! وكتب بذلك إلى والده فبعث عبد العزيز بن مروان وهو والي مصر في ذلك الزمان رسولا إليه وأمره بأن يحلق شعر عمر حتى لا يتأخر عن الصلاة مرة ثانية …
ومن واجبات الأسرة تجاه أبنائها تربيتهم على طلب العلم والعمل به ، ، ،
فقد كان للآباء دور عظيم في تحفيزهم على طلب العلم في جميع مجالات العلوم وتشجيعهم ومتابعتهم والسفر بهم من بلد لآخر من أجل ذلك فظهر جيل نفع الله به الأمة قروناً من الزمان .. .
يقول ابن القيم -رحمه الله-: “فمن أهملَ تعليمَ ولدِهِ ما ينفعه، وَتَرَكَهَ سُدى، فقد أَساءَ إليه غايةَ الإساءة، وأكثرُ الأولادِ إِنما جاء فسادُهُم من قِبَلِ الآباءِ وإهمالِهِم لهم، وتركِ تعليمِهِم فرائضَ الدينِ وَسُنَنَه، فأضاعوها صغارًا، فلم ينتفعوا بأنفسِهِم ولم ينفعوا آباءَهُم كِبَارا .. ) (تحفة المودود بأحكام المولود – ص/ 139 ) …
بل كانوا ينفقون الأموال والأوقات من أجل تربية أبنائهم على طلب العلم والعمل به …
ها هي أم ربيعة بن أبي عبد الرحمن فروخ التيمي المشهور بـ ربيعة الرأي، شيخ الإمام مالك، حيث خرج زوجها فرُّوخ في الجهاد في سبيل الله إلى خراسان أيام بنى أمية، وترك ربيعة حملاً في بطنها، لتقوم هي على تنشئته وتربيته وتعليمه، وقد ترك عندها ثلاثين ألف دينار..
ولما رجع بعد سبعٍ وعشرين سنة، دخل مسجد المدينة، فنظر إلى حلقة وافرة، فأتاها فوقف عليها، وإذا فيها مالك والحسن وأشراف أهل المدينة، ولما سأل عن صاحب هذه الحلقة، أجابوه بأنه ربيعة بن أبي عبد الرحمن (ابنه)!!
فرجع إلى منزله وقال لزوجته وأم ولده: “لقد رأيت ولدك على حالة ما رأيت أحدًا من أهل العلم والفقه عليها”.
فقالت له: فأيُّهما أحب إليك: ثلاثون ألف دينار، أم هذا الذي هو فيه؟!
فقال: لا -والله- بل هذا.
فقالت: أنفقتُ المال كله عليه.
قال: فو الله ما ضيَّعتيه[ابن خلكان: وفيات الأعيان 2/290،289]!! ..
وكانت أم سفيان الثوري أمير المؤمنين في الحديث رحمه الله تقول له: “يا بني اطلب العلم وأنا أكفيك بمغزلي ، يا بني إن كتبت عشرة أحرف فانظر هل ترى في نفسك زيادة في خشيتك وحلمك ووقارك فإن لم ترى ذلك فاعلم أنها تضرك ولا تنفعك”( ابن الجوزي: صفة الصفوة 3/189) …
فأين دور الأسر اليوم في هذا مجالات التربية المختلفة ؟
ولماذا هذه اللامبالاة ؟
ولماذا لا نأخذ الأمور بجدية ؟
أين دور الآباء والأمهات ؟
إن التربية حينما تعطى حقها، فإنها بإذن الله تبني شخصية متزنة، مرتبطة بربها، محبة لنبيها صلى الله عليه وسلم، عاملة بدينها، ذات طموحات عليا وغايات سامية، تجعل من الأمة في أفرادها قوة متماسكة لا تعصف بها المحن، ولا تنال منها الخطوب، ولا تفسد أخلاقها الشهوات والشبهات …
وإن الضعف التربوي والخلل القيمي والفساد الأخلاقي والإنحراف الفكري والعبث والترف عند كثير من شباب هذه الأمة ، ، ، إنما يعود إلى ضعف التربية وعدم قيام كل فرد من أفراد المجتمع بواجبه تجاه هذا الجيل الذي تنظر منه هذه الأمة الكثير من البذل والعطاء …
ومن أعظم ميادين تربية الأجيال المدارس وقيامها بواجب التربية والتعليم ، ، ،
فدور المدرسة عظيم وأثرها في تنشئة الأجيال كبير ، خاصة عندما يكون هناك معلم قدوة يدرك مسئوليته ، ومدير صاحب قضية وإدارة تربوية وأسرة متابعة ، فأبنائنا لا شك أنهم يقضون سنوات من أعمارهم في هذه المدارس ،
وإن من أهم واجبات المدرسة تجاه هذه الأفواج من الطلاب والطالبات تربيتهم وتعليمهم وإعدادهم للحياة ،
فينبغي للمدرسة أن تنمي الجانب الروحي والإيماني والأخلاقي في نفوس الطلاب …
فيظهر جيل متسلح بالإيمان والأخلاق ، قدوته رسول الأنام علية الصلاة والسلام وصحابته الكرام …
ويجب على المدرسة أن تغرس في نفوس الأبناء قيم العظمة والسمو كإحترام الكبير، ورحمة الصغير، والبر بالوالدين وحب العلم وحفظ الحقوق، واحترام الممتلكات العامة والخاصة، والعطف على المحتاج، ورعاية المريض والعاجز، والرفق بالحيوان، والتنظف والتجمل، والشجاعة في القول، والرأي والثقة بالنفس والمواطنة الصالحة وحب الوطن ، ثم تزويده بعد ذلك بالخبرات والمعارف والمهارات ، ، ،
عند ذلك تكون مدارسنا قد أدت رسالتها في التربية والتعليم…
–
ليقم كل واحدٍ منا بدوره وليدرك واجباته ومسئولياته ، وعلى حسن الأداء والإتقان يكون التوفيق والسداد ،
وإن أوضاعنا التربوية والتعليمية تحتاج إلى وقفات جادة لتصحيح الوضع وتقويم المسار ومعالجة الأخطاء ،
فلا يكون تساهلنا وتفريطنا مع أعظم ثروة ألا وهي أجيالنا وفلذات أكبادنا …