رئيس اتحاد الوطن العربي الدولي يتحدث عن أصحاب الفكر الزاهد و الطبع العفيف
بقلم \ المفكر العربى الدكتورخالد محمود عبد القوي عبد اللطيف
مؤسس ورئيس اتحاد الوطن العربى الدولى
رئيس الإتحاد العالمي للعلماء والباحثين
مما لاشك فيه أننا ننبهر كثيرا أثناء تعرفنا على أصحاب الفكر الزاهد والطبع العفيف، يلفُّنا نوع من الصمت الذي يخفي الكثير من الاحترام القيم لصنف هؤلاء الناس، أعتمد في معرفتي بهم على نقاط الاشتراك فيما تبغيه رُوحي من أن يقع صدى التعرف والتمازج منها على نفس المزاجات في الأطراف الأخرى، وكلي إعجاب وشغف بالتعرف عليهم أكثر فأكثر؛ لأني أخشى كثيرًا ألا تتاح لي فرصة اللقاء بهم مرة أخرى، أو حتى فرصة تبادل أطراف الحديث لأول مرة من كلام في شق الهموم، هموم الإنسان المسلم، ومن شق ما تعانيه الروح من غربة في عصر كثُر فيه القيل والقال من غير تحصيل للب القول النافع والحكيم.
فبداية أو في منتصف البداية تحية عطرة أقدمها لأصناف هؤلاء العظماء من البشر، وأتمنى أن أوفق في وصف صفاتهم وخصالهم؛ لأني أخشى أن يكون مني التقصير أو إغفال جوهر من الجواهر في امتياز شخصياتهم عن باقي الشخصيات الأخرى..
تجد في ملامح هؤلاء المحترمين وقارًا من نوع الثبات في النظر والفكر والتوجه بكل موجات الإرسال، سواء نطقًا أو ابتسامة أو ردة فعل بحركة؛ فالكل لديهم في توافق وتوحد لإعطاء التأثير الجميل لكل من كتبت له فرصة اللقاء والحديث إليهم.. وإن كانت لقاءات مثل هذه لا تتاح لعوام الناس، بل لمن يشاركهم في طبعٍ مِن الطباع ليُحدِث الله بينهم التعارف، ومن ثم التآلف، والتآلف الذي أعنيه ليس شرطًا في كل شيء، فقد يكون في طريقة التعاطي مع مطالب الحياة أو مع متطلباتها، وقد يكون في النظرة المستقبلية لمصير الأمة والدِّين والبشر، وهي عادة نقطة الاشتراك المميزة، وقد يكون في طريقة التفكير بذاك التميز الفريد في الاهتمام بالأنفع والأدوم، بعيدًا عن كل ما من شأنه إضاعة الوقت والجهد فيما لا يفيد، فعادة برنامج هؤلاء صارم جدًّا، بل لأبعد الحدود، بالكاد تجد لهم فترة استراحة كباقي الناس، هذا ليس حرمانًا بقدر ما هو اعتياد آلية النشاط في أجسادهم منذ الصغر، فترسَّخ هذا الطبع فيهم ليكبر بكِبَر الطموح والإنجاز.
هذا الصنف الرائع بالنسبة لي، له خصال حميدة جدًّا، وله مزاج متقلب وصعب في نفس الوقت، خصال الكرَم والتواضع والصدق والحِلم والتوادد والتراحم، وأظنها الأهم بكثير في قائمة الخصال النبيلة التي حثنا عليها دينُنا الحنيف، إلى جانب ذلك يُسيِّرهم مزاج صعب يتقلب وَفْق المواقف، فما كان لهم مضرة لشخصيتهم وكرامتهم الخلقية ولدينهم يكون الانتفاض مباشرة من غير مقدمات، وأرى أنها ردة فعل ممتازة لكفِّ الأذى والتطاول على كراماتهم ولو أن في ذِهنيات البعض الآخر يصِفونهم بالمغالين في القسوة وعدم التسامح، بالعكس هو الردع الممتاز، ومن أول تجربة لاقتصاص الفضل فيهم، فتحصيلهم لهذا الطبع تابعته تضحيات للحفاظ عليه، ولم يأتِ هكذا من عدم، ما عدا ما كان لعامل الوراثة جانب في تكوين شخصياتهم، وللجينات تحكُّم في سر الشخصية المتميزة بدون مراقب لا من صاحب هذه الشخصية ولا من طرف المتعاملين معها، فعامل الوراثة متحرر من كل عوامل التقليص من حجمه أو من مضمونه، وهو إبداع الخالق في أن خلق وفرق فيما بين البشر ومن أبسط الأعضاء، بدءًا بالبنان؛ إذ لم تكن فيه بصمات متشابهة حتى بين التوءم، ولله في خَلْقِه شؤون.
لأعطي لهذا الصنف من البشر الأحقية في اختيار من يقربونه إليهم ومن هم في انصراف عنهم، فالفضول والحسد والغيرة يفسدون ودَّ القضية في التآلف والتعلم واكتساب الخبرات والتجارِب منهم.
بالإضافة إلى أن هؤلاء المحترمين والفضلاء هم نوادر أو أقلية، يودِع فيها الله سبحانه وتعالى ملكات الذكاء والفطنة والانسجام في قوامة الكيان، لينطلق الجمال منهم بدءًا بمِشْيتهم ووقفتهم وتأملهم، فكل شيء فيهم هو في غاية بل هدف، وليس للحركة فيهم عشوائية أو تهور أو تسرع، بل حسابات المبادرة في الإقدام على شيء ما مدروسة الخطى والنتائج مع احتمال الفشل أو التعرقل، وهذا من فضل الاستعداد لكل شيء، وهو ما تترجمه أعمالهم كل بحسب عمله..
وعادة ما يكون الإبداع هو عنوان نشاطاتهم، فتتملكك رغبة كبيرة في التعرف عليهم أكثر؛ لأنهم رائعون بتمام بروتوكول التحضر فيهم؛ فالحضارة تزين فيهم كل شيء، فحتى لو كانوا يجهلون الكثير من العلوم والتجارِبِ إلا أن اكتسابهم لحرفية التقاط المفيد سريعة وذكية…
وما يزيدهم بهاءً ورونقًا تعففهم عن حب الدنيا أو الركض وراء مبهراتها، فهم يكتفون بما يوفر لهم عوامل العيش السعيد بمعنى الكلمة من منطلق التواضع والقناعة، وهي إرادة مضبوطة الأبعاد؛ حيث إنها لا تتعب صاحبَها ولا تكثر عليه الالتزامات حتى لا يضيع الأهم في كوم اللازم والمهم.
تراهم يكتفون بنصيبهم في الحياة، فلا يطالبون بما عند الناس، ولا يمنحون ما عندهم من فضل هو هبة من الله، يرون في السمو بالأخلاق الكريمة وحب الدين والوطن سمات الانتماء العريق، فيصبح ما خلف ذلك ليس من أولويات اهتمامهم، وبذلك تجد لأعمالهم إقبالاً من الناس، وهذا راجع لعُملة الصدق مع الله أولاً، والإخلاص مع الضمير في أداء الواجب كاملاً دونما إفراط أو تفريط، باختصار الوسطية والاعتدال من شِيَمهم.
بكل صراحة:
أقر أنني أنبهر لهذا الصنف من الناس، وأتمنى أن تكون معارفي من هذا النوع؛ لأزداد علمًا وخبرة، ولا أخفي في ذلك كانت لي تجربة عشتها بكياني، فتلمست سعادة وراحة وتعلمًا لِما جهلته، أتمنى أن توفقوا في اختيار الأصحاب والأصدقاء، فكل منا يحشر مع من أحب، لتحظوا بظل الله يوم لا ظل إلا ظله، ولا يكون ذلك إلا بالاختيار الأمثل للرُّفقة الصالحة أهل الزهد والطبع العفيف..
اترك تعليقاً