رئيس اتحاد الوطن العربي الدولي يتحدث عن أسباب تأليف الكتب عند بعض العلماء

رئيس اتحاد الوطن العربي الدولي يتحدث عن أسباب تأليف الكتب عند بعض العلماء
بقلم \ المفكر العربي الدكتور خالد محمود عبد القوي عبد اللطيف
مؤسس ورئيس اتحاد الوطن العربي الدولي
رئيس الإتحاد العالمي للعلماء والباحثين
مما لاشك فيه أن صنوف العلماء في التصنيف متعدِّدة، ودوافعُها كثيرة، وأسبابها مختلفة، فانتخبتُ منها ما تيسَّر لي في ذلك قدر المستطاع خشية الإطالة.
◙ سبب تأليف (الموطأ):
قال ابن خلدون رحمه الله في تاريخه: كان أبو جعفر المنصور بمكانٍ من العلم والدين قبل الخلافة وبعدَها، وهو القائل لمالكٍ حين أشار عليه بتأليف الموطأ: يا أبا عبدالله، إنه لم يبقَ على وجه الأرض أعلمُ مني ومنك، وإني قد شغلتْني الخلافة، فضَعْ أنت للناس كتابًا ينتفعون به، تجنَّبَ فيه رخصَ ابن عباس، وشدائدَ ابن عمر، ووطِّئه للناس توطئةً، قال مالك: (فوالله، لقد علَّمني التصنيف يومئذٍ)[1].
◙ الإمام البخاري وكتابه (الجامع الصحيح):
قال الإمام محمد بن إسماعيل البخاري رحمه الله: كنت عند إسحاق بن راهويه، فقال بعض أصحابنا: لو جمعتم كتابًا مختصرًا لسنن النبي صلى الله عليه وسلم، فوقَعَ ذلك في قلبي، فأخذتُ في جمع هذا الكتاب[2].
◙ أبو الوليد الباجي وكتابه (إحكام الفصول في أحكام الأصول):
قال رحمه الله: فإنك سألتني أن أجمَعَ لك كتابًا في أصولِ الفقه يشتملُ على جمل أقوالِ المالكيِّين، ويحيط بمشهور مذاهبهم، وبما يُعزَى من ذلك إلى مالك رحمه الله، وبيان حجَّة كل طائفة، ونصرة الحق الذي أذهبُ إليه، وأُعوِّل في الاستدلال عليه، مع الإعفاء من التطويل المضجر، والاختصار المُجْحف.
فأجبت سؤالك؛ امتثالاً لأمره تعالى بالتبيين للناس، وكشفِ الشُّبه والالتباس، والله نسأل التوفيق والتسديد، والهداية والتأييد[3].
◙ ياقوت الحموي وكتابه (معجم البلدان):
قال رحمه الله: وكان من أول البواعث لجمع هذا الكتاب، أَنني سُئلتُ بمَرْو الشاهجان في سنة خمس عشرة وستمائة في مجلس شيخنا الإمام السعيد الشهيد فخر الدين أبي المظفر عبدالرحيم ابن الإمام الحافظ تاجِ الإسلام أبي سعد عبدالكريم السمعاني تغمَّدهما الله برحمته ورضوانه وقد فعل الدعاء إن شاء الله – عن (حباشة) اسم موضع جاء في الحديث النبوي، وهو سوقٌ من أسواق العرب في الجاهلية، فقلت: أرى أنه حُباشة بضم الحاء؛ قياسًا على أصل هذه اللفظة في اللغة؛ لأن الحباشة: الجماعة من الناس من قبائل شتَّى، وحبَشْتُ له حباشة؛ أي: جمعت له شيئًا، فانبرى لي رجلٌ من المحدِّثين، وقال: إنما هو حَباشة بالفتح، وصمَّم على ذلك وكابَر، وجاهر بالعِناد من غير حجَّةٍ وناظَر، فأردتُ قطعَ الاحتجاج بالنقل؛ إذ لا معوَّل في مثل هذا على اشتقاق ولا عقل، فاستعصى كشفُه في كتب غرائب الأحاديث، ودواوين اللُّغات، مع سَعَة الكتب التي كانت بمَرْو يومئذٍ، وكثرة وجودها في الوقوف، وسهولة تناولها، فلم أظفَرْ به إلا بعد انقضاء ذلك الشَّغْبِ والمِراء، ويأس من وجوده ببحث واقتراء، فكان موافقًا والحمد لله لما قلتُه، ومكيلاً بالصاع الذي كِلْتُه، فأُلقِي حينئذٍ في رُوعي افتقارُ العالم إلى كتاب في هذا الشأن مضبوطًا، وبالإتقان وتصحيح الألفاظ بالتقييد مخطوطًا؛ ليكون في مثل هذه الظُّلْمة هاديًا، وإلى ضوء الصواب داعيًا، ونُبِّهْتُ على هذه الفضيلة النبيلة، وشُرح صدري لنيل هذه المنقبة التي غفَل عنها الأولون، ولم يهتدِ لها الغابرون[4].
◙ سبب تأليف الإمام الذهبي رحمه الله كتابه (تاريخ الإسلام):
قال محمد بن طرخان: سمعت الحميدي يقول: ثلاثة كتب من علوم الحديث يجب الاهتمام بها: كتاب (العلل)، وأحسن ما وُضِع فيه كتاب الدارقطني، والثاني كتاب (المؤتلِف والمختلف)، وأحسن ما وضع فيه (الإكمال)؛ للأمير ابن ماكولا، وكتاب (وفَيَات المشايخ) وليس فيه كتاب – يريد لم يُعمَل فيه كتابٌ عام – قال الحميدي: وقد كنت أردتُ أن أجمع في ذلك كتابًا، فقال لي الأمير: رتِّبْه على حروف المعجم بعد أن ترتِّبَه على السنين.
قال ابن طرخان: فاشتغل الحميدي (بالصحيحين) إلى أن مات.
قال الذهبي: وقد قبلنا إشارةَ الأمير، وعملنا “تاريخ الإسلام” على ما رَسَم الأمير[5].
◙ محمد بن عبدالله الغرناطي الأندلسي الشهير بلسان الدين بن الخطيب، صاحب كتاب (الإحاطة في أخبار غرناطة):
في سبب تأليف كتابه هذا قال رحمه الله: فتذكرتُ جملةً من موضوعات مَن أفرَدَ لوطنه تاريخًا؛ كـ(تاريخ مدينة بُخارى)؛ لأبي عبدالله محمد بن أحمد بن سليمان الفخار، و(تاريخ أصبهان)؛ لأبي نعيم أحمد بن عبدالله الحافظ صاحب الحِلية، و(تاريخ أصبهان) أيضًا؛ لأبي زكريا يحيى بن عبدالوهاب بن قندة الحافظ، و(تاريخ نيسابور)؛ للحاكم أبي عبدالله، فداخلتْني عصبيَّة لا تَقدَحُ في دين ولا منصب، وحميَّة لا يُذَمُّ في مثلها متعصِّب، وجعلت هذا الكتاب قسمَيْنِ، ومشتملاً على فنَّيْن: القسم الأول في “حلى المعاهد والأماكن، والمنازل والمساكن”، القسم الثاني في “حلى الزائر والقاطن، والمتحرك والساكن”[6].
◙ أحمد بن محمد المكناسي الشهير بابن القاضي:
سبب تأليفه لكتبه: قال رحمه الله في كتابه (درة الحجال، في أسماء الرجال):
وبعد، فقد قصدتُ بهذا التأليف خدمةَ الإمامة الهاشميَّة، والخزانة العلمية المنصورية؛ خزانة الملك الأعظم أمير المؤمنين مولانا أبي العباس المنصور أحمد الشريف الحسني، خلَّد الله ملكه، وجمع شمله؛ ليكون شكرًا لما أسدى من نعمتِه، وإقرارًا بعشر عشر أياديه، إذ من لم يَشكر الناسَ لم يَشكُرِ الله؛ لأنه أخرجني من أسري، وخفف عني، عامله الله تعالى بالحسنى، وأنزله بالمقام الأسنى.
وقال في كتابه (جذوة الاقتباس، في ذكر من حل من الأعلام مدينة فاس):
وبعد، فلما خفَّف الله تعالى إصري، وفكَّ من رِبْقة العدو الكافر دمَّره الله تعالى أسري، على يد الإمام المعظم، والملك المفخم… إلى أن قال: جمعتُ لإيالته الكريمة تآليفَ تنوب عن شكري لأياديه ونعمته، وتكون كالإقرار بمنته؛ كـ: (المنتقى المقصور على مآثر الخليفة أحمد المنصور)، و(درة الحجال في غرة أسماء الرجال) و(درة السلوك فيمن حوى الملك من الملوك)، و(لقط الفرائد من لفاظة حقق الفوائد) وغير ذلك من التآليف[7].
◙ أبو تمام حبيب بن أوس الطائي وسببُ تأليفه الحماسةَ وغيرها:
قال الرافعي رحمه الله: أبو تمَّام الطائي المتوفَّى سنة (231هـ) فيما جمعه من كتاب “الحماسة” الشهير الذي قالوا: إنه في اختياره أشعرُ منه في شعرِه.
قالوا: وسببُ جمعه أنه قصد عبدَالله بن طاهر وهو بخراسانَ فمدحه فأجازَه، وعاد يريد العراقَ، فلما دخل هَمَذان اغتنم أبو الوفاء بن سلم فأنزلَه وأكرمه، وأصبح ذات يوم وقد وقع ثلجٌ عظيم قطَع الطريق، فغمَّ ذلك أبا تمام، وسرَّ أبا الوفاء، فأحضره خزانة كتبِه فطالعها واشتغل بها، وصنَّف خمسة كتب في الشعر، منها كتاب “الحماسة”، و”الوحشيات”، و”فحول الشعراء”، و”مختار شعراء القبائل” (الخزانة)، فبقي “الحماسة” في خزائن آل سلم يضنون به، حتى تغيَّرت أحوالهم، وورد أبو العواذل هَمَذان من دينور فظفر به، وحمله إلى أصبهان، فأقبل أدباؤها عليه ورفضوا ما عداه مما هو في معناه من الكتب، ثم شاع حتى ملأ الدني[8].
◙ أسامة بن منقذ، وسبب تأليف كتابه “المنازل والديار”:
قال رحمه الله: دعاني إلى جمع هذا الكتاب ما نال بلادي وأوطاني من الخراب؛ فإن الزمانَ جرَّ عليها ذيلَه، وصرف إلى تعفيتِها حَوْلَه وحَيْلَه، فأصبحت كأن لم تغن بالأمس، مُوحشةَ العرصات بعد الأُنس، قد دَثَرَ عمرانُها، وهلك سكَّانُها، فعادت مغانيها رسومًا، والمسرَّات بها حسرات وهمومًا، ولقد وقفت عليها بعدما أصابها من الزلازل ما أصابها، وهي “أول أرض مسَّ جلدي ترابها”، فما عرفت داري، ولا دُور والدي وإخوتي، ولا دورَ أعمامي وبني عمي وأسرتي، فبهتُ متحيِّرًا مستعيذًا بالله من عظيم بلائه، وانتزاع ما خوله من نعمائه.
وما اقتصرتْ حوادث الزمان، على خراب الديار دون هلاكِ السكَّان، بل كان هلاكُهم أجمع، كارتداد الطَّرْف أو أسرع، ثم استمرَّتِ النَّكَبات تَتْرَى، من ذلك الحين وهلمَّ جرًّا، فاسترحتُ إلى جمع هذا الكتاب، وجعلتُه بكاءً للديار والأحباب، وذلك لا يفيدُ ولا يُجدي، ولكنه مبلغُ جهدي، وإلى الله عز وجل أشكو ما لقيتُ من زماني، وانفرادي من أهلي وإخواني، واغترابي عن بلادي وأوطاني!
وإليه عز وجل أرغبُ في أن يَمُنَّ عليَّ وعليهم بغفرانه، ويعوِّضَنا برحمته في دار رضوانه، إنه لا يَردُّ دعاءَ مَن دعاه، ولا يخيِّبُ رجاءَ من رجاه[9]
◙ أبو المعالي محمود شكري بن عبدالله الألوسي:
صاحب كتاب (روح المعاني في تفسير القرآن العظيم والسبع المثاني)، كان سبب تأليفه لهذا الكتاب:
قال رحمه الله: كثيرًا ما خطر لي أن أُحرِّر كتابًا؛ أجمَعُ فيه ما عندي من علم، وإني كنت أتردَّدُ في ذلك إلى أن رأيتُ في بعض ليالي الجمعة من رجب سنة (1252هـ) رؤيةً أن الله جل شأنه وعظم سلطانُه أمرني بطَيِّ السموات والأرض، ورَتْقِ فتقهما على الطول والعرض، فرفعتُ يدًا إلى السماء، وخفضتُ الأخرى إلى مستقرِّ الماء، ثم انتبهتُ من نومي وأنا مُستعْظِمٌ رؤيتي، فجعلتُ أُفتِّشُ لها عن تعبير، فرأيتُ في بعض الكتب أنها إشارة إلى تأليف تفسير، فشرعتُ فيه، وكان عمري إذ ذاك أربعًا وثلاثين سنة[10]
◙ الشيخ العلامة المفسر عبدالرحمن بن ناصر السعدي وكتابه (الوسائل المفيدة للحياة السعيدة):
قال محمد ابن الشيخ عبدالرحمن بن ناصر السعدي في كتاب “مواقف اجتماعية من حياة الشيخ العلامة عبدالرحمن بن ناصر السعدي رحمه الله تعالى”: ومن الأشياء التي تُذكَرُ في هذا الموضوع أن الأطبَّاء طلبوا إلى الوالد وهو في فترة العلاج – في لبنان – عدم القراءة أو الكتابة؛ لأن ذلك يتطلَّبُ إشغالَ الفكر وبذل الجهد، وهذا يُؤثِّرُ على صحته، ويُؤخِّرُ شفاءَه من المرض، ولما كان الوالدُ في المستشفى اطَّلعت في إحدى المكتبات على كتاب بعنوان “دع القلق وابدأ الحياة”؛ للمؤلف الأمريكي “ديل كارنيجي”، وهو مدير معهد تدريب بأمريكا، فأعجبت به فقَرَّرْتُ شراءَه وإهداءه للوالد، فقرأ الكتاب كاملاً، وأعجب به أيضًا وبمؤلفِه، وقال: إنه رجل مُنصِفٌ.
ثم أرسل الوالدُ أبا عبود – صديق الشيخ – إلى سوق عالية، وقال له: “اشترِ أوراقًا وأقلامًا”، وكان في نيَّة الوالد تأليفُ رسالة على ضوء كتاب “دع القلق وابدأ الحياة”، وهي صغيرة الحجم، كبيرة المعنى، عظيمة النفع، وقد سماها “الوسائل المفيدة للحياة السعيدة”، وهي تَهدفُ إلى تحقيق السعادة للإنسان بالطرق الشرعية، وعلاج الاكتئاب والأمراض النفسية المختلفة، ولله الحمد والمنه [11]
المرجع:
• شبكة الألوكة: الشذرات في أخبار الكُتب والكُتاب والمكتبات. عبدالعال سعد الرشيدي الكويت
________________________________________
[1] تاريخ ابن خلدون (1/ 18).
[2] السير (12/ 401)، قال الحافظ ابن حجر رحمه الله: ورُوِّينا بالإسناد الثابت عن محمد بن سليمان بن فارس، قال: سمعت البخاريَّ يقول: رأيتُ النبيَّ صلى الله عليه وسلم وكأنني واقف بين يديه، وبيدي مروحة أذبُّ بها عنه، فسألت بعضَ المعبِّرين، فقال لي: أنت تذبُّ عنه الكذب، فهو الذي حملني على إخراج الجامع الصحيح؛ (هدي الساري)؛ لابن حجر (ص: 9، الفصل الأول)، والله أعلم.
[3] إحكام الفصول في أحكام الأصول (1/ 174).
[4] معجم البلدان (1/ 25) المقدمة.
[5] السير (19/ 124) رقم: 63، تذكرة الحفاظ (4/ 1220) رقم: 1041.
[6] الإحاطة في أخبار غرناطة (1/ 6).
[7] درة الحجال (1/4)، جذوة الاقتباس (1/ 9)، تاريخ المكتبات الإسلامية؛ لـ عبدالحي الكتاني (132).
[8] تاريخ آداب العرب؛ للرافعي (3/ 267).
[9] المنازل والديار (3).
[10] روح المعاني في تفسير القرآن العظيم والسبع المثاني (1/ 9).
[11] مواقف اجتماعية من حياة الشيخ العلامة عبدالرحمن بن ناصر السعدي، إعداد محمد بن ناصر السعدي ومساعد بن عبدالله السعدي (ص: 129).

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *