رزق الدنيا وعدل الآخرة
بقلم – خالد جعفر
بعد سماع خطبة الجمعة والتي أعاد فيها الخطيب مقولة سمعتها منذ أكثر من أربعين عاما ، وكانت من الكلام الذي يشد السامعين وتسمع بعدها صيحات الإعجاب ، وعندما سمعتها اليوم ثار في عقلي نفس التساؤل القديم والذي لم يتغير ، وهو كيف أن الرزق قسمه الله على البشر بمقدار 24 نصيبا – أو قيراطا – حتى لا أتهم بتحريف النص الموروث ، وإن كان هذا ليس نصا مقدسا ، لاهو من القرآن الكريم ، ولم يرد به حديث صحيح ، إنما هو مجرد فلسفة بشرية واحتمال الخطأ فيه أكبر من الصواب .
وأعاد الخطيب نفس شرح المقولة وكررها كما قالها الشيخ منذ أكثر من أربعين عاما دون تغيير أو تفكير بأن الرزق مقسم على العباد بالتساوي وكل واحد يملك ال 24 قيراطا ، موزعين على مبدأ الاختلاف سواء مال أو صحة أو ولد إلى آخره .. بمعنى مختصر أن ماحرمك الله منه أعطاه لغيرك ، وما أعطاه لك حرم غيرك منه ، مع أنني أري أنه اجتهاد للرأي وفلسفة بشرية ، وليس لها علاقة بإثبات عدل الله ،
والدليل آيات كثير في القرآن الكريم تدل علي التفاوت في الرزق …(ويرزق من يشاء بغير حساب).. (والله فضل بعضكم على بعض في الرزق) . ( لاتتمنوا ما فضلنا به بعضكم على بعض في الرزق) . هذه الآيات تظهر مدى التفاوت في الرزق بين البشر في الدنيا لحكمة يعلمها الله . والغنى والفقر موجود بنصوص ثابتة في القرآن الكريم .
(يَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُ إِنَاثاً وَيَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُ الذُّكُور)…. (ويجعل من يشاء عقيما إنه عليم قدير) . حتى الرزق في العلم فضل الله به بعض الناس على بعضهم ( يرفع الله الذين آمنوا منكم والذين أوتوا العلم درجات) .
وهنا ننتبه إلى أن حساباتنا البشرية محدودة وقاصرة وتختلف تماما عن حسابات الله سبحانه وتعالى .. وهنا نجد سؤالا يفرض نفسه : هل عدل الله في الحياة الدنيا أم في الآخرة ؟ عندما يقول الله ويصف نفسه سبحانه وتعالى بأنه الحكم العدل . هل صفة العدل شاملة جامعة في الدنيا التي نعيشها ، أم في الآخرة ويوم الحساب ؟ مع أننا نرى مظالم كثيرة أمامنا في الحياة الدنيا ولكنها من ظلم البشر و أفعالهم ، لأن الله خلقنا على منهج الاختلاف والتفاوت ..
ولهذا فإن الحياة الدنيا خلقها الله اختبارا وتركنا لمنهج الاختيار فيها قال تعالى : (قل كل يعمل على شاكلته فربكم أعلم بمن هو أهدى سبيلا) . فنجد المؤمن ونجد الكافر ، ونجد الصادق ونجد الكاذب ، ونجد الأمين ونجد السارق .. هنا لاعلاقة للعدل الإلهي بمختلف الرغبات الدنيوية للبشر ، فكل منا يعمل على شاكلته .
قال تعالى : (.. وممن خلقنا أمة يهدون بالحق وبه يعدلون) . نفهم من هذه الآية أن عدل الله في الأرض إنما هو تكليف لمن خصهم الله للقيام بهذا الأمر من البشر . أخرج من هذا أن الله سبحانه وتعالى علق صفة عدله ليوم القيامة وسماه الله يوم الفصل ، أي يوم الحساب الإلهي العادل فقال ( لاتزر وازرة وزر أخرى) (جمعناكم ليوم الفصل) (فمن يعمل مثقال ذرة خيرا يره ، ومن يعمل مثقال ذرة شرا يره) هذا هو العدل وموعده يوم الحساب .
من لا يفهم مقصدي هذا قد يصاب بصدمة نتيجة عدم البحث والتفكير ، وقد يتهمني فيها بما يستوعبه مقدار عقله وفهمه الضئيل . ولكن هذه هي الحقيقة أن صفة العدل الإلهي خصها الله ليوم القيامة ، أما الحياة الدنيا وضعنا الله فيها موضع الاختبار والاختلاف والاختيار والتكليف بتطبيق العدل ، حتى يحاسبنا بعدله يوم القيامة . (وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ اتَّبِعُوا مَا أَنزَلَ اللَّهُ قَالُوا بَلْ نَتَّبِعُ مَا أَلْفَيْنَا عَلَيْهِ آبَاءَنَا ۗ أَوَلَوْ كَانَ آبَاؤُهُمْ لَا يَعْقِلُونَ شَيْئًا وَلَا يَهْتَدُونَ) . صدق الله العظيم .