” شيرين العدي ” تكتب .. المفتاح
المفتاح من أهم الأشياء التي تشعرك بالراحة؛ فبقدرما تحمل من مفاتيح بقدر ما تشعر بالأمان. وتتفاوت المفاتيح ما بين معنوية تفتح القلوب والعقول ومادية. وقد عظم الله سبحانه قدرها فجعل استغلاق الفهم وظلم النفس كالقفل الذي يئن القلب تحته فلا يجد من مفتاح يفتحه فقال: ” أم على قلوب أقفالها”. أما المفاتيح المادية فكثيرة : كمفتاح بيتك ومفتاح سيارتك ومفتاح مكتبك و مفتاح آلتك التي تعمل عليها في مصنعك أوحتى مفاتيحك الرقمية: كمفتاح موبايلك أو حاسوبك.
وبقدر ما تفتح هذه المفاتيح بقدر ما تشعر بالأمان من غوائل الحياة. وهب أنك يوما فقدت سلسلة مفاتيحك أو كلمات السر لحساباتك الرقمية. ماذا سيكون شعورك؟! بالتأكيد ستشعر بالضياع وسينتاب قلبك بل جميع أوصالك غصة ومرارة وستسعى لتستردها.
وهب أن بيتك الذي تملكه وتحمل مفاتيحه لسنوات تعرض لتسرب مائي فاستعنت بعامل ليصلحه؛ فأوهمك أن الأمر يستدعي أن يدخل غرفة نومك ليتتبع العطل، فقمت بنقل غرفة نومك لغرفة معيشتك، ثم عاد فأكد لك أن العطل يستدعي العمل في غرفة معيشتك أيضا لتنتقل بحاجاتك الضرورية إلى المطبخ، ثم إلى السلم ثم إلى الشارع ، وإشفاقا منه عليك سلفك خيمة من مالك لينصبها لك هناك بجانب منزلك لتتابع الإصلاح عن كثب. واعتدت مع طول المدة أن تترك أسرتك وتذهب للعمل، وفي إحدى المرات عدت لتجد جثة ابنك الكبير أمام خيمتك لأنه في غيابك تجرأ وقام بمشادة كلامية مع العامل بعدما عبرالمتاريس التي وضعها لكم بين الخيمة والمنزل.
فاتهمه ابنك بسرقة المنزل فقتله؛ فما كان من زوجتك أن دافعت عن أولادك فبقر بطنها وتركها معلقة على المتاريس، أما الصغير الذي لم يتعد الستة أشهر فقد ابتسم في عين القاتل ظنا أنه يداعب أخاه وأمه؛ فحلا في عينه فسرقه بعدما فتح مفتاح ابتسامته قفل عقل السارق القاتل فظن أنه يباركه ويحبه، وقررأن يربيه ويعلمه كيف يقيم السلام بين الخيمة والبيت المنهوب؟.
وعندما ضاع كل شيء علا صوتك فصرخت ولطمت الخد ورفعت شالك ومفتاح بيتك لإثبات حقك. فأقلقت تصرفاتك العامل جدا وقرر أن ينقل خيمتك لدولة أخرى، ويهدم بيتك، ويقطع أشجار زيتونك المغروسة أمام بيتك؛ كي لا تعود يوما ما و تطالبه بزيتها وثمرها، بل قرر أن يبنى بيتا جديدا مكان بيتك ليصلح العطل بلا إزعاج. فلماذا لم تفهم كيف تعيش في سلام مع من اغتصبك وجردك؟! ورغم ذلك لم تفقد الأمان ومازلت تتحسس مفتاح بيتك القابع في جيبك وعقد الملكية وخريطة الموقع التى تحمل وجعا كبيرا على صدرها.
مرهذا السيناريو بحذافيره في ذاكرتي لحظة مقابلتي لفتاة فلسطينية صاحبة عيون متحدية وشعر كستنائي منسدل على ظهرها جاءت لتتزوج من طبيب مصري صديق بعدما أكملت دراسة الهندسة في أمريكا،وقد عاشت مهجرة في الأردن منذ طفولتها.
فأثناء مباركتي لهما على مقهى في السيدة زينب بجانب شقتهما التي قررا أن يتخذاها منزلا للزوجية؛ فتحت حقيبتها وأخرجت مفتاحا لبيتها في فلسطين ووثيقة له وخريطة وعقد ملكية لعدد من أشجار الزيتون التى يمتلكها جدها وقالت: سنحيا هنا إلي أن نعود يوما لمنزلناهناك وأشارت لقلبها. فتذكرت قول الشاعر خليل حاوي: “صدئت في خيم المنفى المفاتيح بأيدي العائدين”.ستفتح هذه المفاتيح الصدئة نهارا جديدا لأرض فلسطين يوما ما، ولن يصدأ الحق مهما ران الظلم.