فى طريق النبوه ومع الأسباط
بقلم محمـــد الدكـــرورى
الأسباط ، ومُفردها في اللغة العربيّة هو سبط ومعنى السبط في اللغة العربيّة ولد الابنة حيث إنّ ولد الابن يسمى بالحفيد ، ولقد تكرَّر ذكر كلمة الأسباط في القرآن ملحقةً بذكر يعقوب، واختلف المفسّرون في معنى الكلمة، ومضمونها اللّغويّ، ومصداقها الخارجيّ، وموقع أشخاصها من حيث القداسة الرّساليَّة .
وربما يكون سبب ذكر هؤلاء بعد ذكر يعقوب وآبائه، أنَّ لهم صلة انتساب وقرابة له، كما أنَّ ذكرهم مع الأنبياء قد يدفع إلى اعتبارهم أنبياء، ولكن هناك من نفى أن يكونوا أولاد يعقوب ، والسِّبط في بني إسرائيل كالقبيلة في العرب ، وقالوا والسّبط هو الحافد أى الحفيد ، و وكان الحسن والحسين سبطي رسول الله، والأسباط حفدة يعقوب وذراري أبنائه الإثني عشر .
ويدلّ ذلك على أنَّ المقصود بكلمة الأسباط هو الامتداد النّسبيّ لأولاد يعقوب، الَّذين يمثِّلون مجتمعاً متعدِّداً بتعدّد الآباء، ولكنّ ذلك لا ينطبق على يعقوب الّذي هو الأب لهم وليس فرعاً ، وقيل أنَّ الأسباط جمع سبط، كأحمال وحمل، وهم أولاد إسرائيل ، وهو اسم يعقوب عليه السلام ، وقيل هم في أولاد إسحاق كالقبائل في أولاد إسماعيل، مأخوذ من السّبط، وهو شجرة كثيرة الأغصان، فكأنهم سُمّوا بذلك لكثرتهم ، والسّبط ولد الولد، كأنّه امتدادٌ لفروع، قال: ويعقوب والأسباط، أي قبائل كلّ قبيلة من نسل رجلٍ أسباطاً أمماً .
القرآن الكريم في العهد المدني حيث يخاطب أهل الكتاب، من اليهود والنصارى، ويحيلهم إلى العهد القديم المشتمل على التوراة وغيرها من الكتب، وما فيه من ذِكرٍ لأنبياء ، وشخصيات عهدوها وارتبطوا بها في تاريخهم الممتد لقرون ، وبالتالي حين يذكر الأسباط ضمن حديثِه عن إبراهيم وإسماعيل وإسحاق ويعقوب وموسى وداود وغيرهم من الأنبياء عليهم جميعا وعلى نبينا الصلاة والسلام ، لابد وأنه يقصد مجموعة معينة لها ارتباط خاص فيما بينها، وليس المراد بعض أنبياء بني إسرائيل بشكل مبعثر، ولا المراد أولاد يعقوب، لأنهم ما عدا يوسف عليه السلام ليسوا بهذا المستوى الذي يُجعلون فيه مع تلك الأسماء، لاسيما مع ما حكاه القرآن عنهم.
وفعلاً، عندما نرجع إلى العهد القديم، سنجد بعد (سِفر يشوع) مباشرة (سِفر القضاة)، وبمراجعة كتاب (التفسير التطبيقي للكتاب المقدس) وجدت جدولاً يشتمل على عدد وأسماء
هؤلاء القضاة، فإذا هم اثنا عشر، أحد عشر رجلاً ومعهم امرأة ، أي لو رجعنا إلى التاريخ بالترتيب، سنجد النبي موسى عليه السلام ، فوصيه يوشع بن نون، فأحد عشر قاضياً ومعهم قاضية ، تماماً كما هو الحال مع نبينا فعلي والزهراء وأحد عشر إمام ، ولكن هل كلمة (قضاة) هو التعبير الدقيق لما ورد في النص الأصلي؟ وماذا كان دورهم؟
فقبل أن يتوفى موسى عليه السلام ، استدعى جميع بني إسرائيل وأوصاهم من جديد بالتمسك بتوحيد الله وبطاعته، والعمل بالمواثيق التي أخذها عليهم، ثم قال لهم كما في (سفر التثنية) من التوراة: (أنا اليوم قد بلَغت من العمر مائة وعشرين سنة، وصرتُ عاجزاً عن قيادتكم ، وسيكون يشوع قائدُكم كما وعَد الرب ، وكان الرب قد قال لموسى: ها أنت قد أوشكتَ على الموت، وأيامُ حياتِك باتت معدودة، فادعُ يَشوع، وقِفا كلاكما عند خيمة الاجتماع لكي أوصيه ، وقال الرب لموسى: ما إن تموت وتلحق بآبائك حتى يُسرعَ هذا الشعب ويفجُر وراءَ آلهة الغُرباء).
وقاد يوشع بني إسرائيل، ووقَعت مسؤولية الحفاظ على الرسالة من بعده على الأسباط (القضاة) الواحد تلو الآخر، فواجهوا الانحراف عن التوحيد، وعن طاعة الله فيما أمر ونهى، حتى عُبِّر عنهم بالأبطال، لأنهم كانوا أبطال دعوة التوحيد والحفاظ على رسالة السماء وشريعة الله ، ولربما تكون لنا وقفة أخرى تفصيلية مع ما جاء عن دور الأسباط في حماية رسالة السماء، تماماً كما قال النبي الكريم محمد صلى الله عليه وسلم عن سنته ( تركت فيكم ما إن تمسكتم بهما لن تضلوا بعدي أبداً ).
ولقد كان الأسباطُ الذين ذُكروا في العهد القديم بعنوان (القضاة) كانوا أولياءَ بني إسرائيل مِن بعد موسى ووصيِّه يوشع بن نون، والهداةَ لهم وحملةَ الرسالة وحفظةَ الدين ، ومنهم امرأة وأحد عشر رجلاً، ليكون مجموعهم مع موسى ويوشع أربعة عشر ، وبالأسباط ربط النبي الأكرم محمد صلى الله عليه وسلم ، الحسن والحسين حيث قال:
” الحسن والحسين سبطان من الأسباط ” ليقول للمسلمين: إن الحسن والحسين في الولايةِ والهدايةِ وحملِ الرسالةِ والحفاظِ على الدين بمثابة أولئك الأسباط في بني إسرائيل ، فهما من الأربعة عشر أنوار الولاية والهداية، رسول الله محمد صلى الله عليه وسلم ، فعلي فالزهراء فالحسن والحسين فالأئمة من ذرية الحسين صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين.
واختلف الناس في الأسباط أولاد يعقوب ، هل كانوا كلّهم أنبياء أم لا؟ والّذي صحَّ وهو المرويّ عن جعفر الصَّادق ، وهو أنه ما وقع منهم مع يوسف عليه السلام ينافي النبوَّة قطعاً، وكونه قبل البلوغ غير مسلّم، لأنَّ فيه أفعالاً لا يقدر عليها إلا البالغون، وعلى تقدير التَّسليم، لا يجدي نفعاً على ما هو القول الصَّحيح في شأن الأنبياء، وكم كبيرة تضمَّن ذلك الفعل، وليس في القرآن ما يدلُّ على نبوَّتهم .
وقيل ، هم يوسف وأخوته بنو يعقوب، ولد كلّ واحدٍ منهم أمّةً من النّاس، فسُمّوا الأسباط، وذكروا أسماء الإثني عشر: يوسف وبنيامين وزبالون وروبيل ويهوذا وشمعون ولاوي ودان وقهاب ويشجر ونفتالي وجاد، وأشرفهم ولد يعقوب لا خلاف بين المفسّرين فيه ، وقال كثير من المفسّرين إنهم كانوا أنبياء ، والَّذي يقتضيه مذهبنا، أنهم لم يكونوا أنبياء بأجمعهم .
لأنَّ ما وقع منهم من المعصية فيما فعلوه بيوسف لا خفاء به، والنّبيّ عندنا معصوم من القبائح، صغيرها وكبيرها، وليس في ظاهر القرآن ما يدلّ على أنهم كانوا أنبياء، وقوله: ( وَمَا أُنزِلَ إِلَيهِم )، لا يدلّ على أنهم كانوا أنبياء، لأنَّ الإنزال يجوز أنّه كان على بعضهم ممن كان نبيّاً، ولم يقع منه ما ذكرناه من الأفعال القبيحة.
وقيل أن الأسباط في بني إسرائيل كالقبائل في بني إسماعيل، والسّبط كالقبيلة، الجماعة يجتمعون على أبٍ واحد، وقد كانوا اثنتي عشرة أسباطاً أمماً، وكلّ واحدة منهم تنتمي إلى واحدٍ من أولاد يعقوب، وكانوا اثني عشر، فخلف كلّ واحدٍ منهم أمّةً من النّاس، فإن كان المراد بالأسباط الأمم والأقوام، فنسبة الإنزال إليهم لاشتمالهم على أنبياء من سبطهم، وإن كان المراد بالأسباط الأشخاص، كانوا أنبياء أنزل إليهم، وليسوا بأخوة يوسف لعدم كونهم أنبياء.
ونظير الآية قوله تعالى: ( وَأَوْحَيْنَا إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالأَسْبَاطِ وَعِيسَى ) والظَّاهر أنَّ الوحي كان لإبراهيم، فهو الّذي خاطبه الله برسالته، وفرض عليه الملَّة الحنيفيَّة من خلال العنوان الإسلاميّ الشَّامل لكلِّ مفردات الرِّسالة وكلّ إيحاءاتها، ثم اتّبعه أبناؤه وأحفاده في الالتزام بهذا الوحي الإلهي، كما لو كانوا ممّن أوحي إليهم به .
وهكذا، كان ذكر الأسباط امتداداً للذّريَّة الطيِّبة من نسل إبراهيم في حركة الزَّمن، بحيث تتابع فيها الأنبياء والصَّالحون والملتزمون بالإسلام، الَّذي كان وصيَّة إبراهيم لولده بالسَّير في خطّه الأصيل، ووصيّة يعقوب لبنيه عند وفاته، بأن تنتهي حياتهم بالإسلام، وأن تكون عقولهم وقلوبهم وحياتهم في خطِّ التَّوحيد.
وفى النهايه نقول أن الأسباط هم أولاد يعقوب عليه السلام، وليسوا جميعاً أنبياء على القول الراجح، فقال الألوسي في روح المعاني: واختلف الناس في الأسباط أولاد يعقوب هل كانوا كلهم أنبياء أم لا، والذي صح وهو المروي عن جعفر الصادق رضي الله تعالى عنه وإليه ذهب الإمام السيوطي وألف فيه ، لأن ما وقع منهم مع يوسف عليه الصلاة والسلام ينافي النبوة قطعاً وكونه قبل البلوغ غير مسلم لأن فيه أفعالاً لا يقدر عليها إلا البالغون، وعلى تقدير التسليم لا يجدي نفعاً على ما هو القول الصحيح في شأن الأنبياء وكم كبيرة تضمن ذلك الفعل، وليس في القرآن ما يدل على نبوتهم.
وفي كتاب البداية والنهاية ، قيل أن يعقوب كان له من البنين اثنا عشر ولداً ذكراً، وإليهم تنسب أسباط بني إسرائيل كلهم، وكان أشرفهم وأجلهم وأعظمهم يوسف عليه السلام ، وقد ذهب طائفة من العلماء إلى أنه لم يكن فيهم نبي غيره، وباقي إخوته لم يوح إليهم، ومن استدل على نبوتهم بقوله: ( قولوا آمنا بالله وما أنزل إلينا وما أنزل إلى إبراهيم وإسماعيل وإسحاق ويعقوب والأسباط ) وزعم أن هؤلاء الأسباط، فليس استدلاله بقوي، لأن المراد بالأسباط شعوب بني إسرائيل، وما كان يوجد فيهم من الأنبياء الذين ينزل عليهم الوحي من السماء.
وقال شيخ الإسلام بن تيمية رحمه الله ، وقد سئل عن إخوة يوسف هل كانوا أنبياء؟: (الذي يدل عليه القرآن واللغة والاعتبار أن إخوة يوسف ليسوا بأنبياء، وليس في القرآن، وليس عن النبي الكريم محمد صلى الله عليه وسلم ، بل ولا عن أصحابه خبر بأن الله سبحانه وتعالى نبأهم، وإنما احتج من قال أنهم نبئوا بقوله في آيتي البقرة والنساء (والأسباط ) وفسر الأسباط بأنهم أولاد يعقوب، والصواب أنه ليس المراد بهم أولاده لصلبه بل ذُرِّيَّتُه، كما يقال فيهم أيضاً (بنو إسرائيل )، وكان في ذريته الأنبياء، فالأسباط من بني إسرائيل كالقبائل من بني إسماعيل. والله أعلم .