قراءة أدبية فى النفس وجلد الذات بقلم الأديب المصرى د طارق رضوان جمعة

قراءة أدبية فى النفس وجلد الذات
بقلم الأديب المصرى
د طارق رضوان جمعة
يقول الله عز وجل : “قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَىٰ أَنفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِن رَّحْمَةِ اللَّهِ ۚ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا ۚ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ (53) سورة الزمر
اختلف أهل التأويل في الذين عُنُوا بهذه الآية, فقال بعضهم: عني بها قوم من أهل الشرك, قالوا لما دعوا إلى الإيمان بالله: كيف نؤمن وقد أشركنا وزنينا, وقتلنا النفس التي حرّم الله, والله يعد فاعل ذلك النار, فما ينفعنا مع ما قد سلف منا الإيمان, فنـزلت هذه الآية.
يقول الشاعر ربك لما يريد احلامنا هتحقق وكلمنا هيتصدق والغايب هيعود
ربك لما يريد قلبى العاصى يسلم وعيونا هتتكلم ولا شىء يبقى بعيد
ربك لما يريد الصعب بيتهون والحزن بيتلون طول ما الايد فى الايد
ربك لما يريد هلقيك بتقربلى تفتح حضنك قبلى ولا فية بينا حدود
حب للاخر حتة فى قلبك دوب دوب ما تخبيش شوقك ولا حبك دوب دوب
سيب احساسك يخدك ليا اهجر ناسك واسكن فيا
بكرة دة لسة حكاية بعيدة لسة فى علم الغيب
حب كأنك حلم معدى عيش عيش ما تخليش ولا ثانية تعدى عيش عيش
خد من حضنك اروى حنينك واقسم حزنك بينى وبينك
وارضى بكل الى بيتقسم دة المكتوب مكتوب
مكابدتك لنفسك حرب لا نهاية لها. فهل هناك فرق بين النفس النفس المطمئنة والنفس اللوامة والنفس الأمارة؟ وهل للإنسان أنفس متعددة بحسب ما ورد في ذكرها أم أنها نفس واحدة وهذه صفات لها؟
وللإجابة على هذا كان لابد من الاستعانة بما ورد فى كتاب (الروح) لابن القيم وإليك خلاصة ما ذكره عن هذه المسألة: قال: هل النفس واحدة أم ثلاث؟ فقد وقع في كلام كثير من الناس أن لابن آدم ثلاث أنفس: نفس مطمئنة، ونفس لوامة، ونفس أمارة، وأن منهم من تغلب عليه هذه، ومنهم من تغلب عليه الأخرى، ويحتجون على ذلك بقوله تعالى: {يَأَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ} (1)، وبقوله تعالى: {لَا أُقْسِمُ بِيَوْمِ الْقِيَامَةِ * وَلَا أُقْسِمُ بِالنَّفْسِ اللَّوَّامَةِ} (2)، وبقوله تعالى: {إِنَّ النَّفْسَ لَأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ} (3). والتحقيق: أنها نفس واحدة، ولكن لها صفات متعددة، فتسمى باعتبار كل صفة باسم، فتسمى مطمئنة باعتبار طمأنينتها إلى ربها؛ بعبوديته ومحبته والإنابة إليه والتوكل عليه والرضا به، والسكون إليه. فالطمأنينة إلى الله سبحانه حقيقة.
وأما النفس اللوامة، وهي التي أقسم بها سبحانه في قوله: {وَلَا أُقْسِمُ بِالنَّفْسِ اللَّوَّامَةِ} فاختلف فيها، فقالت طائفة: هي التي لا تثبت على حال واحدة؛ أخذوا اللفظة من التلوم، وهو التردد، فهي كثيرة التقلب والتلون، وهي من أعظم آيات الله، فإنها مخلوق من مخلوقاته تتقلب، وتتلون في الساعة الواحدة -فضلاً عن اليوم والشهر والعام والعمر- ألوانًا عديدة. وقالت طائفة: اللفظة مأخوذة من اللوم. قال الحسن البصري: إن المؤمن لا تراه إلا يلوم نفسه دائمًا، يقول: ما أردت بهذا؟ لم فعلت هذا؟
وقال غيره: هي نفس المؤمن توقعه في الذنب، ثم تلومه عليه، فهذا اللوم من الإيمان، بخلاف الشقي، فإنه لا يلوم نفسه على ذنب، بل يلومها وتلومه على فواته. وقالت طائفة: بل هذا اللوم للنوعين، فإن كل واحد يلوم نفسه، بَرًّا كان أو فاجرًا، فالسعيد يلومها على ارتكاب معصية الله وترك طاعته، والشقي لا يلومها إلا على فوات حظها وهواها. وقالت فرقة أخرى: هذا اللوم يوم القيامة، فإن كل واحد يلوم نفسه، إن كان مسيئًا على إساءته، وإن كان محسنًا على تقصيره. وهذه الأقوال كلها حق ولا تنافي بينها، فإن النفس موصوفة بهذا كله، وباعتباره سميت لوامة. لكن النفس نوعان: – لوامة ملومة: وهي النفس الجاهلة الظالمة، التي يلومها الله وملائكته. – ولوامة غير ملومة: وهي التي لا تزال تلوم صاحبها على تقصيره في طاعة الله مع بذله جهده، فهذه غير ملومة.
وأما النفس الأمارة: فهي المذمومة، فإنها التي تأمر بكل سوء، وهذا من طبيعتها، إلا ما وفقها الله وثبتها وأعانها، فما تخلص أحد من شر نفسه إلا بتوفيق الله له، كما قال تعالى حاكيًا عن امرأة العزيز: {وَمَا أُبَرِّئُ نَفْسِي إِنَّ النَّفْسَ َلأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ إِلَّا مَا رَحِمَ رَبِّي إِنَّ رَبِّي غَفُورٌ رَّحِيمٌ} ، وقد امتحن الله سبحانه الإنسان بهاتين النفسين: الأمارة، واللوامة كما أكرمه بالمطمئنة، فهي نفس واحدة تكون أمارة ثم لوامة ثم مطمئنة، وهي غاية كمالها وصلاحها، وأعان المطمئنة بجنود عديدة، فجعل الملك قرينها وصاحبها الذي يليها ويسددها، ويرغبها فيه. والمقصود: أن الملَك قرين النفس المطمئنة، والشيطان قرين الأمارة، وقد روى أبو الأحوص عن عطاء بن السائب عن مرة عن عبد الله قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “إن للشيطان لمة بابن آدم، وللملك لمة، فأما لمة الشيطان فإيعاد بالشر وتكذيب بالحق، وأما لمة الملك فإيعاد بالخير وتصديق بالحق، فمن وجد ذلك فليعلم أنه من الله وليحمد الله، ومن وجد الآخر فليتعوذ بالله من الشيطان الرجيم”، ثم قرأ: {الشَّيْطَانُ يَعِدُكُمُ الْفَقْرَ وَيَأْمُرُكُم بِالْفَحْشَاءِ} (6). وقد رواه عمرو عن عطاء بن السائب. زاد فيه عمرو: قال: سمعنا في هذا الحديث أنه كان يقال: “إذا أحس أحدكم من لمة الملك شيئًا فليحمد الله، وليسأله من فضله، وإذا أحس من لمة الشيطان شيئًا فليستغفر الله، وليتعوذ من الشيطان.”
النفس اللوامة
ولكن ما يحدث لدى البعض يبعد عن النفس اللوامة فهم يلومون أنفسهم ويوبخونها، ومهما كان الخطأ قليل يقفوا لأنفسهم بالمرصاد، يقسوا ويعاقب نفسه وقد تمضي أيام يلوم نفسه فقط ويوبخها، وهذا بعيد كل البعد عن طبيعة الإنسان التي تخطأ وتصيب. المشكلة أن تلك الدائرة تسبب الكثير من الأذي للشخص وتصل به لشعور العار المؤذي.
الطب النفسي بين النفس اللوامة وجلد الذات
ذكر الطبيب النفسي محمد طه في كتابه “الخروج عن النص” أن كلمة الشعور بالذنب من أكثر المعاني التي أُسيئ استخدامها، ويقول أن الشعور بالذنب نوعان نوع صحي ونوع غير صحي (مَرضي(
  • الشعور بالذنب الصحي
هو نوع الشعور المطلوب عند الوقوع في الخطأ، فهو أن تخطأ وتكتشف خطأك فتعود لنفسك وتراجعها وتتعلم من خطأك ولا تكرره وتعتذر أو تتوب لله.
  • الشعور بالذنب المرضي:
هو أن تخطأ وبعدها تقيم لنفسك محاكمة قاسية دون محامي لا يوجد بها أي عدل، فتشعر نفسك أن خطأك مُصيبة وأنه نهاية العالم، فتقوم بتعليق حبل المشنقة لنفسك كل يوم، وتقوم بجلدها وتأنيبها بكل الطرق كل ساعة. الشعور بالذنب المرضي يسلب نفسك حقها الرباني في الخطأ والفشل، وهذا النوع يصل بالشخص للجمود والثبات بعد الخطأ ويصل لليأس حتى الموت، وكذلك المعاناة المرضية اللانهائية.
الدكتور علي الغزو، يبين أن جلد الذات له ضرر نفسي كبير على الفرد، وهذه العادة الذهنية تزيد عند الفئة التي تضع أهدافا وخططا لنفسها في الحياة تسعى لتحقيقها. ويضيف الغزو أن هنالك من يشعر بالخذلان مع فشل شيء تم التخطيط له، ويصاب باليأس ويعتبر أن هذه نهاية المطاف، رغم أن الصواب هو ألا يقسو الإنسان على نفسه وأن يحبها كما هي، مشيرا الى أن جلد الذات يسبب الإجهاد النفسي والأرق واضطرابات في النوم الى جانب التوتر والضغط النفسي والعصبية الزائدة، وقد تقود البعض للدخول في مرحلة الاكتئاب نتيجة الفشل الذي وقع فيه.
ويشدد الغزو على أهمية الأشخاص المحيطين، إذ لهم الدور الأهم في التخفيف عنهم وتقديم النصائح إلى جانب الإرشاد والتوعية، لكي لا يؤذي الشخص نفسه.
ومن الجانب التربوي، يبين الدكتور عايش نوايسة أننا يجب أن نبحث دائما عن نقاط القوة حتى نعززها ونحدد نقاط الضعف لنعالجها، فإن جلد الذات يرتبط بشكل كبير في التوقعات، فما نتوقعه من أنفسنا ومن أبنائنا سينعكس علينا فيما بعد وعلى قراراتنا على صعيد الحياة التي نعيشها ونمارسها”.
قد تكون صورة ‏‏٦‏ أشخاص‏

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *