نبئني إن كان ذلك صدقا

بقلم د/ شيرين العدوي

عنوان المقال جزء من بيت شعر لطاغور، فإذا ما ذكرت الهند تاقت نفسي للحكمة وامتلأت روحي بتعاليم غاندي وأبيات طاغور وسناجبه وعصافيره التي كانت تجلس بين يديه من فرط سماحته، ووجدتني أتجرد من متع الدنيا وأقف أمام الله روحا تتوق إلى اللقاء.

فالهندهذا البلد الساحر ظلم كثيرا ممن كتب التاريخ؛فنبئونا إن كان ما وصلنا من تاريخ عنها صدقا أم كذبا؟! “فول ديورنت” بعد سنوات عديدة يأتي ليكتب لنا أن أوروبا عندما كتبت التاريخ نسبته لليونان وأنها هي من حركت الأحداث وصورت الهند أنها مكان واسع تسكنه الوحشة (مباءة) حتى هاجر إليها الآرييون أبناء أعمام الأوربيين حاملين معهم الفنون والعلوم ليغيروا معالمها ويحولوها إلي بلد يمتلئ بالحضارة والتنويرثم مايلبث أن ينوه بأن هذه الصورة الزاهية للأوربيين عن أنفسهم قد فسدت عندما ظهرت الأبحاث الحديثة، فأثبتت وجود حضارة دفينة،وأن فؤوس الأثريين لاتستطيع أن تستخرجها جميعا فهي تتنفس صامتة كراهب يمارس اليوجا منذ آلاف السنين،
وأن بقايا العصر الحجري القديم تملأ متاحف “كلكتا”و”بمباي”.ففي سنة 1924 ارتجت الدنيا باكتشاف “جون مارشال”،و”ر.د بانرجي” مدينة “موهنجو- دارو” على الضفة الغربية من السند الأدنى، وقد أكدا أنها أقدم من أقدم مدينة عرفها التاريخ، كما أسفر البحث عن أربع أو خمس مدن أخرى بها مئات المنازل والدكاكين بنيت بالآجر بناء متينا، واصطفت على امتداد طرق واسعة حينا، وحارات ضيقة حينا آخر وهو ما يؤكد قيام حضارة بالغة الرقي خلال الألف الرابعة والثالثة قبل الميلاد وأنها مساوية للحضارة المصرية والبابلية الآشورية.
كل هذا دار برأسي وأنا أتلقى دعوة المشاركة في مهرجان الشعر العربي الأول بالهند عبر منصة زوم من الدكتور صابر نواس مديرأكاديمية التميزبالهندالتي نظمت الفاعلية بالتعاون مع المركز الثقافي الهندي بالجامعة الملية الإسلامية “بنيو دلهي” وقسم اللغة العربية بجامعة مولانا آزاد الأردية الوطنية “بحيدراباد” ودار النابغة للنشر بمصر. لقد كان المهرجان على مدار ثلاثة أيام شارك فيه: الشاعر حميد القاسم من العراق،وعادل خزام من الإمارات، وكاتبة هذا المقال، وشارك بالتقديم وإلقاء قراءات نقدية حول تجارب الشعراء النقاد والشعراء الكبار.د/ محمد بن جرش، ا/ شاكر نوري،د/ مريم الهاشمي، واد/صابرعبد الدايم اد/ شريف الجيار.لقد كانت سعادتي بالغة بالتحام كل تلك الثقافات العريقة والأقلام على أرض الديانة الأولى “الإبراهيمية”.ولم لاوالهند لؤلؤة المعارف وتاج الحكمة وسماحة التعايش عكس ما يظهره لنا الغرب؟!
لقد جمعنا الشعر لنكمل صورة اللغة العربية الجميلة بين ربوع الشرق الأقصى، فجزء من تعلم اللغة الالتحام بمنتجها،وليس أجمل من الشعرليحمل هذا.وكانت سعادتي بالغة وأنا أقرأ أثر لقائي من أقلام الحاضرين من الأساتذة وطلاب العلم وخصوصا د/ مجيب الرحمن الذي كتب مقالا قال فيه:” أحسست كأننا نبحر في فضاء أميرة القوافي فنقف منبهرين، ولأول مرة وأنا الهندي القح في تذوقه الثقافي أدرك قوة الشعر العربي ومدى تأثيره”. هذا ما يفعله الشعر يربط الثقافات ويقيم عرى المحبة ويدافع عن القضايا الكبرى؛فقد أبيت إلا أن أنهى أمسيتي بقصيدة “قمع الحرير” التى تظهر مدى عمق ثقافة أبناء النيل وأحقيتهم فيه. فلينبئني الآن ول ديورنت هل انتشرالإسلام والعربية في الهند بحد السيف كما يدعي؟!

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *