نسائم الإيمان ومع معركة اليمامه ( الجزء الثانى )

إعداد وتقديم / محمـــــد الدكــــرورى

لقد أجمع المسلمون وجمهور العلماء من المذاهب الأربعة وغيرهم على أن عقوبة المرتد هي القتل، ومن يحكم بذلك هو القضاء الشرعي، بعد أن تتوافر في المرتد شروط الردة، ولا ينفذ الحكم إلا ولي الأمر، ويستتاب المرتد ثلاثة أيام قبل تنفيذ الحكم، ويجب على ولي الأمر أن يحاول إقناعه وجداله بالتي هي أحسن، عسى أن يعود إلى الإسلام، وقد تؤجل عقوبة المرتد رجاء توبته، وكانت اليمامة أحد مسارح الردة، فظهر فيها مُسيلمة الكذاب الذي ادعى النبوة، حيث ادعى أن الله تعالى أشركه بالنبوة مع الرسول الكريم محمد صلى الله عليه وسلم.

وكان بنو حنيفة عند رسول الله صلى الله عليه وسلم، يطلبون البيعة، غير أن مُسيلمة الكذاب لم يُبايع، وقال بأنه يُريد للرسول بأن يُشركه معه في النبوة كما أشرك موسى أخاه هارون، وعند سماع الرسول الكريم محمد صلى الله عليه وسلم، لذلك لم يقبله، فعاد مُسيلمة إلى قومه، وادعى بموافقة الرسول الكريم محمد صلى الله عليه وسلم، على طلبه، ثم أرسل رسالة إلى الرسول يقول بها: من مسيلمة رسول الله إلى محمد رسول الله: ألا إني أوتيت الأمر معك فلك نصف الأرض ولي نصفها ولكن قريشا قومُ يظلمون” .

فرد النبي الكريم محمد صلى الله عليه وسلم: ” من محمد رسول الله إلى مسيلمة الكذاب، السلام على من اتبع الهدى، أما بعد، ( إن الأرض لله يورثها من يشاء من عباده والعاقبة للمتقين ) وبعد ذلك أرسل رسول الله صلى الله عليه وسلم، إلى مُسيلمة رجل لقتله، وهو الرجال بن عنفوة، ولكن وصل خبر وفاة الرسول إليهم، وشهد بن عنفوة مع مُسيلمة بإشراك الرسول له في الأمر، فكان ذلك سببا من أسباب تقويته.

وتقع منطقة اليمامة في شمال المدينة مباشرة على بُعد أميال قليلة من المدينة، وهى قبائل عبس، وذبيان، وهذه القبائل بمجرد خروج جيش أسامة بن زيد إلى منطقة الشمال، ولقربها من المدينة، عرفت أنها بدون جيش يحميها، وأن هذا الجيش هو كل طاقة المدينة، فخرجت جيوش عبس وذبيان تترصد للمدينة، وهجموا بالفعل على المدينة، وعلم أبو بكر الصديق رضي الله عنه وأرضاه أن الجيوش تترصد المدينة لتهجم عليها، فما كان من الصديق رضي الله عنه وأرضاه، إلا أن جهز بقية الصحابة الموجودين بالمدينة، ليحاربوا هؤلاء القوم، ولا ينتظرهم حتى يدخلوا عليهم المدينة.

وجعل نفسه رئيسا للجيوش، وهذه أول معركة يقودها بنفسه، فقاد المعركة بنفسه رضي الله عنه وأرضاه، فخرج على رأس الجيش، وأشار عليه بعض الصحابة أن يبقى بالمدينة، حتى إذا قتل لا ينفك أمر المسلمين، إلا أنه أصر على الخروج، وجعل على ميمنته النعمان بن مقرن، وعلى الميسرة عبد الله بن مقرن، وعلى المؤخرة سويد بن المقرن، وخرج الجيش في آخر الليل، وعسكر الجيش قرب جيوش عبس وذبيان، ولم تعرف عبس وذبيان أن أبا بكر وصل إلى هذا المكان، حتى إذا صلى المسلمون صلاة الفجر، هجموا على جيوش عبس وذبيان، وانتصروا عليهم انتصارا عظيما،

ولم يكتفوا بالانتصار فقط، بل طاردهم أبو بكر حتى منطقة تسمى ذا القصة على بعد أميال، وتتبع الفارين منهم، وأهلك منهم الكثير، وعاد بجيشه إلى المدينة المنورة، فكان لهذا الأمر الأثر الكبير على الجزيرة العربية، فلم يجرؤ أحد أن يهاجم المدينة مرة أخرى، وأرسل أبو بكر الصديق رضى الله عنه، عكرمة بن أبي جهل لقتال مُسيلمة الكذاب، وعندما فشل عكرمة، ولم يقدر على الصمود أمام جيش مُسيلمة تراجع عن ذلك، وحينما بلغت أنباء هزيمة عكرمة لشرحبيل بن حسنة انتظر إلى أن يصله مدد من الخليفة، وبقي مكانه إلى أن جاء خالد بن الوليد في جيش جمع كبار الصحابة والقراء.

وعند سماع مُسيلمة باقتراب خالد ضرب عسكره بعقرباء، واستنفر الناس، فبدؤوا بالخروج إليه إلى أن وصلوا أربعين ألف رجل أغلبهم اتبعوه بدافع العصبية القبلية، فقد قيل بأن بعضهم كان يشهد بكذب مُسيلمة، وبنبوة محمد صلى الله عليه وسلم، لكنهم يقولون: كذاب ربيعة أحب إلينا من صادق مُضر، وأثناء الذهاب إلى اليمامة التقى خالد بن الوليد بفرقة من جيش اليمامة التابع لمسيلمة خرجت لتثأر لبني عامر، وعندما عثر المسلمون عليهم كانوا نائمين في ثنية اليمامة، فسألوه عن مُسيلمة، وأجابوا بقولهم: منكم نبي، ومنا نبي، حينها أمر خالد بن الوليد، بقتلهم جميعا باستثناء مجاعة بن مرارة كي يستفيد من خبرته ومكانته في قومه.

وكانت راية المهاجرين مع سالم مولى أبي حذيفة، وراية الأنصار مع ثابت بن قيس بن شماس، أما العرب فعلى راياتها، وفي الوقت الذي انهزم فيه جيش عكرمة، وجيش شرحبيل، كان خالد بن الوليد قد انتصر انتصاراته العظيمة في أسد، وفي تميم، وانتهت مهمته، وعاد إلى المدينة، ليحقق معه أبو بكر الصديق في حادث قتل مالك بن نويرة، ثم يقبل منه أبو بكر الصديق، ويدعو له بالخير، ثم يُأَمّره على جيش آخر، ليذهب هذا الجيش مع جيش شرحبيل بن حسنة بقيادة خالد بن الوليد لقتال مسيلمة الكذاب في بني حنيفة، ويصبح خالد بن الوليد هو المكلف الآن بقتال بني حنيفة.

فيجمع خالد بن الوليد جيشه، وبعض الصحابة من المدينة، إلى جيش شرحبيل بن حسنة، ويتوجه الجميع إلى قبيلة بني حنيفة، وبعد خروج جيش خالد من المدينة، يرسل أبو بكر الصديق مددا آخر إلى خالد بن الوليد، على رأسه سليط بن قيس أحد صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم، فيلحق هذا المدد بخالد بن الوليد، فتصل هذه الجيوش، والمدد إلى اثني عشر ألف في أكثر تقدير، وتذكر بعض الروايات أنهم عشرة آلاف.

وفي الوقت الذي توجه فيه خالد من المدينة لمحاربة مسيلمة الكذاب كان هناك جيش آخر متجه من الشمال إلى بني حنيفة لقتالهم أيضا، وعلى رأس هذا الجيش سجاح التي ادعت النبوة، فهو ليس جيشا مسلما، بل إنه جيش مرتد، وهذا الجيش على أغلب التقديرات تعداده يصل إلى مائة ألف، فلم تكن قوة المرتدين قوة واحدة، بل كان هدف كل قوة السيطرة على الجزيرة العربية بمفردها.

ثم تقدمت الجيوش الإسلامية ناحية بني حنيفة، وقسم جيشه، ورتب قواته، فجعل شرحبيل بن حسنة على المقدمة، وهذا أيضًا نظر حربي ثاقب من خالد بن الوليد يجعله على مقدمة الجيوش، رغم فراره، وعدم مواجهته لمسيلمة في بادئ أمره، إلا أن خالد يثق في قوته، وحنكته في الحرب، ثم يجعل على ميمنته زيد بن الخطاب، وعلى الميسرة أبا حذيفة، وكان أبو بكر الصديق قد عرض الإمارة على زيد بن الخطاب، وأبو حذيفة من قبل ورفضاها، فيحفظ لهما مكانتهما، ويضع زيد على إمارة الميمنة، ويضع أبا حذيفة على إمارة الميسرة، ثم فَرّق بين المهاجرين والأنصار، حتى يعلم المسلمون من أين يُؤتون، وليحفز المسلمين على القتال.

وجعل على راية الأنصار ثابت بن قيس، وعلى راية المهاجرين سالم مولى أبي حذيفة، ويبقى خالد بن الوليد في منتصف الجيوش حتى يدير هو كل المعركة، وجعل فسطاطه في مؤخرة هذا الجيش، وفي داخل الفسطاط مجاعة الأسير، وزوجته تقوم برعايته، وجعل في مؤخرته سليط بن قيس، وكان من العادة أن هذه المؤخرة لا تقاتل في الحروب، وإنما دورها حماية ظهر الجيش، وقاتل هو بكل الجيش المقدمة والميمنة والميسرة ومنتصف الجيش الذي يوجد فيه بنفسه.

أما مسيلمة بن حبيب الكذاب فكانت عنده مجموعة كبيرة من الحصون، أكبرها يسمونه الحديقة، وله أسوار عالية، وكانت قوة مسيلمة كبيرة جدا لا تستوعبها هذه الحديقة، فخرج بجيشه خارج حديقته، وعسكر خارج اليمامة في منطقه تسمى عقرباء، وجهز جيشه، وجعل على ميمنته محكم بن الطفيل، وهو وزير مسيلمة، اتخذه وزيرا منذ ادعى النبوة، وجعل على الميسرة نهار الرجال الذي ارتد مع مسيلمة، وبقي مسيلمة نفسه في مؤخرة جيشه، ووضع خيمته على باب حصنه، حتى إذا حدثت هزيمة يدخل هو الحصن، وكان هناك بعض الحصون الأخرى، وضعوا فيها النساء والأطفال.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *