نسائم الإيمان ومع مقتل الإمام على ( الجزء الثانى )

إعداد / محمــــد الدكـــــرورى

نكمل مع الصحابى علي بن أبي طالب بن عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف بن قصي بن كِلاب بن لؤي بن غالب بن فهر بن مالك بن النضر بن كنانة بن خزيمة بن مدركة بن إلياس بن مضر بن نزار بن معد بن عدنان، ابن عمّ النبي الكريم محمد صلى الله عليه وسلم، وقد النبى الكريم محمد صلى الله عليه وسلم، أن موت عمر وعثمان وعلي وطلحة والزبير رضي الله عنهم أجمعين لن يكون موتا عاديا، بل سيكون شهادة في سبيل الله، فكان علي بن أبي طالب رضي الله عنه.

هو ثالث المبشرين بالشهادة في قوله صلى الله عليه وسلم لجبل حراء: ” اسكن حراء، فما عليك إلا نبيّ أو صديق أو شهيد” وهو علي رضي الله عنه، وقد أنبأه النبي الكريم محمد صلى الله عليه وسلم، في موقف وحديث آخر بأنه سيُقتل بضربة في صِدغَيه، ولعلم ويقين علي رضي الله عنه بما أخبره به النبي صلى الله عليه وسلم بأنه سيقتل ويموت شهيداً، فإنه ما كان يخاف على نفسه الهلكة من أي مرض يصيبه، فعن أبي سنان الدؤلي أنه عاد أى زار، عليّا رضي الله عنه في شكوى له شكاها.

قال: فقلت له: لقد تخوّفنا عليك يا أمير المؤمنين في شكواك هذه، فقال: لكني والله ما تخوّفت على نفسي منه، لأني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم الصادق المصدوق يقول: “إنك ستُضرب ضربة ههنا، ويكون صاحبها أشقاها، كما كان عاقرُ الناقة أشقى ثمود” رواه الحاكم، وعندما تكلم المسلمين من الطرفين بكلام الله عز وجل وذكروا بعضهم بآيات من كتاب الله وحثهم على الجهاد، فكانت هذه الأحاديث بشارات بالجنة، وبالثواب الجزيل لمن يقتل هؤلاء.

وخطب علي بن أبي طالب رضي الله عنه في جيشه يحفزّهم على القتال، وبدأ القتال بين الفريقين، وثبتوا ثباتًا عجيبًا حتى قُتل منهم ستمائة، وجُرح أربعمائة، وقال أبو أيوب الأنصاري: طعنت رجلًا من الخوارج بالرمح فأنفذته في ظهره، فأيقن أنه ميت، فقلت: أبشر يا عدو الله بالنار، فقال: ستعلم أينا أولى بها صليًا، فهو إلى آخر لحظة في حياته مُصرّ على ما هو عليه، وبعد انتهاء المعركة سريعا، سلّم علي بن أبي طالب رضي الله عنه الأربعمائة إلى ذويهم ليداووهم.

وردّ أسلابهم، وأعطاهم فرصة أخرى للتوبة، وسميت هذه المعركة معركة النهروان، ولكن يبقى الدليل الذي أخبر به النبي الكريم محمد صلى الله عليه وسلم، أنه علامة هؤلاء القوم، وهو الرجل ذو الثدية، فأرسل علي بن أبي طالب رضي الله عنه أناس من جيشه ليبحثوا عنه، فلم يجدوه، فرجعوا إليه، وأخبروه بذلك، فقال رضي الله عنه في منتهى الثقة: والله ما كَذبتُ وما كُذبتُ، لئن أخرّ من السماء أحب إلي من أن أكذب على رسول الله صلى الله عليه وسلم، عودوا إليهم فستجدوه.

فعادوا، فلم يجدوه، فأخبروه رضي الله عنه، فأعاد عليهم ما قاله لهم قبل ذلك فعادوا للمرة الثالثة، فوجدوه تحت مجموعة من القتلى على ضفاف النهر، فأخرجوه وكان أسودًا شديد السواد، منتن الريح، ووجدوا فيه العلامة، فلما أُخبر علي بن أبي طالب رضي الله عنه بذلك سجد لله شكرا، وسجد معه القوم سجدة طويلة يشكرون الله تعالى على أن وفقهم لهذا الخير من قتل هؤلاء الخوارج، وكان قتال هؤلاء الخوارج أواخر سنة سبعه وثلاثين من الهجره، أو أوائل سنة ثمانيه وثلاثين من الهجره، وهو الأصح.

أما الخوارج الذين رجعوا عن قتال جيش علي بن أبي طالب رضي الله عنه، وذهبوا إلى راية الأمان عند أبي أيوب الأنصاري رضي الله عنه، أو ذهبوا إلى البلاد القريبة، فلم يرجعوا عن اقتناع منهم بأنهم على الباطل، وإنما كان رجوعهم إما خوفًا، وإما تَقيَّة، وإما استعدادا وترتيبا لقتال آخر في وقت لاحق، وظلّوا طوال هذا العام يخرجون على عليٍّ رضي الله عنه واحدًا تلو الآخر، فبعد موقعة النهروان التي قُتل فيها ستمائة وجُرح أربعمائة خرج عليه رضي الله عنه رجل يُسمّى الحارث بن راشد الناجي مع مجموعة من قومه.

وردد نفس المقولة: لا حكم إلا لله، وقاتلهم علي رضي الله عنه، وقتل منهم الكثير، كما خرج عليه أيضًا الأشهب بن بشر البجلي، وغيره كثير، وقاتلهم علي بن أبي طالب رضي الله عنه جميعا، فكان أمر الخوارج هذا يقلّب الأمور على علي بن أبي طالب رضي الله عنه في الكوفة، ولم يكن جيش علي بن أبي طالب رضي الله عنه لينًا سهلًا في يده يسمع له ويطيع كما ينبغي، فكان دائم الانقلاب عليه، وكثير الاعتراض على كثير من الأمور التي يراها عليّ رضي الله عنه مع أنه خير أهل الأرض في ذلك الوقت.

أما الموقف في الشام فكان جيش معاوية رضي الله عنه يطيعه تماما، ولم يكن هناك أي حالة خروج عليه رضي الله عنه، فكان هذا ابتلاء من الله تعالى، لعلي بن أبي طالب رضي الله عنه، وكانت مصر بعيدة عن ساحات القتال، وكان يتولّى أمر مصر في هذا الوقت محمد بن أبي بكر الصديق رضي الله عنه وأرضاه من قِبل علي بن أبي طالب رضي الله عنه، ولكن محمد بن أبي بكر رضي الله عنه لم يستطع السيطرة على الأمور بشكل كامل في مصر، وخاصة بعد وقعة صفين.

وبعد خروج الخوارج على علي رضي الله عنه، وبدأت تقوى شوكة مَن هم على رأي معاوية، وعمرو بن العاص رضي الله عنهما من وجوب أخذ الثأر من قتلة عثمان رضي الله عنه قبل مبايعة علي بن أبي طالب رضي الله عنه، وهذا لأن محمد بن أبي بكر الصديق رضي الله عنه كان صغير السن، فلم يكن عمره يتجاوز سته وعشرين سنة عندما تولّى الأمور في مصر، وأن تولية محمد بن أبي بكر رضي الله عنهما لأمر مصر أثار حفيظة هؤلاء الذين يرون وجوب قتل من قتل عثمان رضي الله عنه أولًا قبل المبايعة.

وذلك لأن محمد بن أي بكر رضي الله عنهما كان ممن شارك في حصار عثمان بن عفان رضي الله عنه، وكان من أهل الفتنة ابتداءً، وهو الصحابي الوحيد الذي شارك في هذا الأمر، ولكنه رجع عن هذا الأمر، وتاب بين يدي عثمان رضي الله عنه لمّا ذكّره بأبيه أبي بكر رضي الله عنه، فبكى، وندم، وأخذ يدافع عنه، ويرد عنه أهل الفتنة، ولكن القوم غلبوه، ودخلوا على عثمان رضي الله عنه، وقتلوه، وشهدت بذلك السيدة نائلة بنت الفرافصة زوجة عثمان بن عفان رضي الله عنه.

وبدأ القوم يفكرون في القيام بثورة على محمد بن أبي بكر، وازدادت شوكتهم، وبدأت يد محمد بن أبي بكر رضي الله عنه تضعف على مصر، فلما علم بذلك معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنه، وكانت مصر أقرب إليه منها لعلي بن أبي طالب رضي الله عنه، وكان يتزعم العثمانيين كما سموا أنفسهم في مصر معاوية بن حديج السكوني، والذي كان على مقدمة الجيش الذي كان قادما لنصرة عثمان بن عفان رضي الله عنه قبل مقتله، ثم عاد مرة أخرى لما علموا بمقتله رضي الله عنه.

وأرسل معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنه جيشا قوامه ستة آلاف للسيطرة على الأمور في مصر بقيادة عمرو بن العاص رضي الله عنه، وكان رضي الله عنه خبيرًا بمصر قبل ذلك، فقد كان هو أول من فتحها، وتولّى إمارتها فترة طويلة في عهد عمر وعثمان بن عفان رضي الله عنهما، حتى تولّى الأمور عبد الله بن سعد بن أبي سرح، وانضم الستة الآف الذين معه إلى عشرة الآف أخرى كانت مع معاوية بن حديج في مصر، فصاروا ستة عشر ألفًا، وتعاونا معا، واستنفر محمد بن أبي بكر رضي الله عنه أهل مصر للخروج معه.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *