هل هذه هي الأم؟!

بقلم د/ شيرين العدوي

 

كثيرة هي حالات الطلاق في مجتمعنا. وقد وصف كثير من المحللين الاجتماعيين هذه الحالات، وانكبوا يشرحون القضية، ويشخصون المرض، ولم ينتبهوا إلى أن أحد الأسباب الرئيسية ربما يرجع لاضطراب شخصية الأم التي ربت الزوج أو الزوجة. هناك أمهات كثيرات يعانين من اضطرابات نفسية تتسبب في تربية خاطئة للأطفال مما يجعلهم عرضة لسلوك غير قويم يؤثر في شخصياتهم ومعاملاتهم دون أن يشعروا. من هذه الحالات إصابة الأم بمرض “اضطراب الشخصية النرجسية” وهو مرض من أخطر الأمراض النفسية التي تتسبب في فقد الأولاد ثقتهم بأنفسهم، واهتزاز شخصياتهم، وعدم القدرة على مواجهة الحياة ومواقفها بسبب الحرمان العاطفي. هذا الحرمان يجعلهم فريسة للذئاب البشرية.

فما السبب وراء إصابة الأم بهذا المرض؟ قبل الإجابة أشير إلى أن الأم من المفترض أن تكون الأمان المطلق لأولادها، ومصدر البيئة السوية التي تنتج أطفالا أصحاء يصبحون عماد المجتمع؛ ولكن ما يحدث أن الأم المصابة بهذا المرض تصبح هي القلق والرعب بالنسبة لأولادها بل معول الهدم لكل صفة جيدة فيهم. ويشرح لنا العالم الجليل “برنت روبرتس” أستاذ علم النفس بجامعة إيلينوي الأمريكية أن السبب في إصابة الشخص – سواء كان ذكرا أو أنثى – باضطراب الشخصية النرجسية هو التنشئة؛ فمن يقع فريسة لهذا المرض إما طفل عانى من الإهمال الشديد في صغره، ولم يلق الرعاية الكافية والاهتمام المتزن، وإما طفل نعم بالاهتمام المفرط وتلبية كل احتياجاته دون مناقشتها حتى يصبح بؤرة اهتمام الأسرة. وكلا السلوكين خطأ فادح في التربية. فمن تربي على هذا أو ذاك يصاب بالنرجسية.

وتعريف اضطراب الشخصية النرجسية طبقا لمستشفى مايو كلينك الأمريكية المتخصصة: هو حالة نفسية يَتَملّكُ فيها المريضَ شعورٌ مبالغٌ فيه بأهميته وأنه أفضل شخص في الكون، كما يري أن من واجب الجميع الاهتمام به والإعجاب بكل ما يفعل أو يقول، وأنه شخص منزه عن كل عيب ونقص، لا يخطئ أبدا، مضطرب العلاقات، لا يتعاطف مع الآخرين ومشاكلهم يسفه من أعمالهم وتفوقهم، وخلف هذا القناع الذي يبدو فيه مُبَالِغًا بثقته بنفسه تكمن نفسٌ هشةٌ جدا تنهار وترفض بعنف أقل قدر من الانتقاد. لا يعترف بخطئه أبدا، ولايعدِّل من سلوكه.

ولذلك أصحاب هذا المرض يعانون من الإحباط الدائم، والاكتئاب المستمر، لا يستمتعون بمن حولهم ممن يحبونهم لأنهم لا يفهمون الحب، فليس لديهم القدرة على العطاء إلا في حالة واحدة فقط هي ظهورهم بمظهر الكرم ليرضوا غرورهم. وقد يسأل سائل وهل الأم المجبولة على العطاء بما خلقه الله فيها يمكن أن تصاب بهذا؟! وأجيب نعم وتكون سببا في خلل مجتمعي لم ينتبه إليه الكثير من الناس والجهات المعنية. فلابد من حماية الأطفال من الأمهات المختلات نفسيا وكذلك الآباء، وعلى الرغم من أن هذه الأمراض خفية فإنها تسبب انهيارا أخلاقيا ومجتمعيا دون أن نشعر. وعن الأثر والعلاج سأكمل في المقالات القادمة.

 

مسك الختام ” الفَتَاةُ التي لمْ تَذقْ صَبَوَاتٍ/ ولَمْ تَتَعشَّقْ سِوَى الأَنْبِياءْ/ شَيَّعَتْ كُلَّ مَنْ جَاءَ يَرْغَبُ تَشيِيعَهَا/ أَوْصَتِ الكُلَّ أَنْ يَتْرُكُوا فِي المَقَابِرِ نَافِذَةً غَيْرَ مُغلَّقَةٍ/ كَي تُرَى زهرةُ البُرْتُقالْ”.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *