وما تدري نفس بأي أرض تموت..

وما تدري نفس بأي أرض تموت..

لا أحد منا يدرك متى يموت وكيف يموت وبأي ارض يموت، ليست هناك علامات معينة يتعرف بها الإنسان على قرب أجله وانقضاء عمره، وهذا من رحمة الله بعباده، فإن الإنسان إذا علم متى يكون أجله، وعلم أن التوبة تكفر ما قبلها من الخطايا، ربما انغمس في الذنوب، ومنى نفسه أنه قبل موته بساعة من نهار سيتوب ويقلع، ومثل هذا لا يصلح أن يكون عبدا لله، بل هو عابد لهواه.
فالواقع خلاف ذلك، الذي لا يدري معه الإنسان متى يموت، والعاقل من يتدارك ما فاته سريعا ويبادر بالتوبة والعمل الصالح، فإنه لا يدري متى يكون انقضاء أجله، ولا يزال على ذلك حتى يتوفاه الله، ومثل هذا حري أن يكون عبدا صالحا محبا لطاعة الله نافرا من معصية الله.
إلا أن هناك بعض العلامات التي قد تدل على دنو أجل العبد، كإصابته بمرض خطير لا يكاد يسلم منه الناس عادة، حيث يحس بأن هذا في الغالب سوف يقضي عليه وسوف يحصل بعده الموت، وكذا بلوغه أرذل العمر، وتعرضه لحادث مهلك ونحو ذلك من الأمور القدرية، أيضاً فقد يظن الموت ولا يحصل، حيث يبرئه الله ويعافيه فالأمر بيده تعالى، فقد يكون المرض خطيرًا، والجرح خطيرًا، ويكون الظن أنه يموت فيه الإنسان، وقد يبطل الظن، ولا يموت الإنسان بذلك.
فلا يعلم أحد من الناس على وجه التحديد متى يموت ولا بأي أرض يموت، قال تعالى: ( إِنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ وَيُنَزِّلُ الْغَيْثَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْأَرْحَامِ وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ مَاذَا تَكْسِبُ غَدًا وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ ) سورة لقمان: 34.
فإذا كان الإنسان لا يدري بأي أرض يموت، ولا يعلم متى يموت، فعليه أن يقصر الأمل، اي لا يمد الأمل طويلًا، فلا يقل أنا شاب وسوف أبقى زمانًا طويلًا، فكم من شاب مات في شبابه، وكم من شيخ عمر، ولا يقل إني صحيح البدن والموت بعيد، فكم من إنسان مرض بمرض يهلكه بسرعة، وكم من إنسان حصل عليه حادث، وكم من إنسان مات بغتة، لذلك لا ينبغي للإنسان أن يطيل الأمل، بل عليه أن يعمل، وللدنيا عملها، وللآخرة عملها، فيسعى للآخرة سعيها بإيمان بالله عز وجلَّ واتكال عليه.
وقد قال تعالى: ( فَإِذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ لَا يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلَا يَسْتَقْدِمُونَ ) سورة الأعراف: 34، إذا جاء أجل الإنسان لا يمكن أن يتأخَّر ولا دقيقة واحدة، ولا يمكن أن يتقدم، بل هو بأجل معدود محدود، لا يتقدم عليه ولا يتأخر.
ومتى أحس الإنسان بدنو الاجل لمرضه الشديد ونحو ذلك، فالواجب عليه أن يسارع بالتوبة إلى الله ورد المظالم إلى أهلها، والتحلل منهم حتى يلقى الله وتعالى وهو مطمئن، فالظلم عواقبه وخيمة، كذلك المسارعة في العمل الصالح، مع لزوم حسن الظن به عز وجل، والثقة في عظيم كرمه وواسع رحمته، وأنه لا يخيب ظن عبد ظن به خيرا.
وقد روى مسلم عن جابر، قَالَ: ( سَمِعْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَبْلَ وَفَاتِهِ بِثَلَاثٍ، يَقُولُ: ( لَا يَمُوتَنَّ أَحَدُكُمْ إِلَّا وَهُوَ يُحْسِنُ بِاللهِ الظَّنَّ ).
فاطمة عبد العزيز محمد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *