الإنسانية: ندرك معناها ونغفل عن تطبيقها

الإنسانية: ندرك معناها ونغفل عن تطبيقها

بقلم / الكاتبة زينب مدكور عبد العزيز
نحن البشر، ندرك بوضوح معنى الإنسانية. نفهم ماذا يعني أن تكون رحيمًا، وكيف يكون شعور العطاء، ونُدرك قيمة أن نُسند من حولنا حين يقعون. بل إننا قد نصل أحيانًا إلى مرحلةٍ من الوعي تجعلنا نُبكي عندما نرى معاناة الآخرين، ونشعر بألمهم كأننا نعيش تلك اللحظة معهم. لكن للأسف، بين الفهم والفعل مسافة شاسعة، فكثيرًا ما نبكي ولا نفعل، نتعاطف ولا نتحرك، ونتحدث كثيرًا عن ضرورة الوقوف إلى جانب بعضنا، لكننا نغفل عن المبادرة حينما يأتي وقت المساعدة.
لماذا نبكي ولا نفعل؟
لماذا نختار الدموع بدلًا من الأفعال؟ ربما لأن التعاطف سهل، بينما الفعل يتطلب جهدًا وتضحية. عندما نبكي أمام مواقف مؤلمة، نحن نُظهر مشاعرنا للآخرين ولأنفسنا، ونبرهن على أن قلوبنا ما زالت تنبض بالحس الإنساني. لكن الفعل يتطلب وقتًا، طاقة، وربما تنازلًا عن بعض ما نملكه. قد يتطلب أن نخرج من دائرة الراحة، ونخاطر من أجل الآخرين. ولهذا، غالبًا ما نُفضِّل الدموع لأنها تريح الضمير دون أن تلزمنا بتحمل المسؤولية.
الفجوة بين المعرفة والتطبيق
كلنا نعرف ما يجب أن نفعله عندما نرى شخصًا يحتاج مساعدة: أن نقف إلى جانبه، أن نمد يد العون، أن نتحدث معه بلطف، أن نُظهر له أنه ليس وحده. لكن لماذا نجد أنفسنا في كثير من الأحيان عاجزين عن تطبيق ما نعرفه؟ السبب يعود إلى الفجوة بين ما نُدركه بعقولنا وما نقوم به بأيدينا. نحن نُعجب بفكرة الإنسانية، ونتغنى بها، لكننا نُحجم عن ممارستها حين تتطلب منا تحركًا فعليًا.
التغافل: هل هو اختيار أم اضطرار؟
في بعض الأحيان، يكون التغافل عن فعل الخير متعمدًا، كأن نُقنع أنفسنا أن شخصًا آخر سيقوم بالمهمة، أو أن المشكلة أكبر من قدراتنا. لكن في أوقات أخرى، يكون هذا التغافل نابعًا من شعورنا بالعجز أو اليأس. نرى الألم حولنا، لكننا نشعر أن ما نستطيع تقديمه لن يُحدث فرقًا كبيرًا، فنستسلم ونكتفي بالتعاطف. هنا، يجب أن نتذكر أن الفعل الصغير يمكن أن يكون له أثرٌ كبير. قد تكون كلمة دعم، أو مساعدة بسيطة، كافية لتغيير حياة شخص آخر، أو على الأقل لجعله يشعر بأن العالم ما زال يحتوي على بعض الخير.
قيمة الفعل
من السهل أن نبكي ونشعر بالأسى، لكن الأهم هو أن نترجم هذه المشاعر إلى أفعال. الفعل هو ما يغير الواقع، هو ما يمد جسور الأمل، وهو ما يحول الإنسانية من مجرد فكرة نبيلة إلى قوة مؤثرة في حياة الناس. فكروا في موقفٍ مر بكم: ربما شاهدتم شخصًا يعاني في الشارع، أو سمعتم عن صديق يمر بمحنة. حينها، تألمتم، وتمنيتم لو أنكم تقدرون على مساعدته، لكن، ماذا فعلتم؟ هل اقتصرتم على التفكير؟ أم بادرتم بالفعل؟
الإنسانية ليست مجرد شعور
قد نكون جميعًا قادرين على البكاء، لكن قليلين منا هم من يتقنون الفعل. إنسانيتنا الحقيقية لا تُقاس بمدى قدرتنا على البكاء أمام آلام الآخرين، بل بمدى استعدادنا لمساعدتهم عندما يحتاجوننا. هل نُقدم لهم الدعم وقت الضيق؟ هل نقف بجانبهم عندما يشعرون بالعجز؟ أم نكتفي بالأسى والندب، ثم نمضي في حياتنا وكأن شيئًا لم يكن؟
لنجعل الفعل ثقافة
علينا أن نُحول مفهوم الإنسانية من مجرد تعاطف إلى ثقافة فعلية. أن نُعلِّم أنفسنا وأبناءنا أن الرحمة ليست في مجرد الإحساس بالآخرين، بل في الوقوف بجانبهم، أن البكاء لا يُغير الواقع، لكن المبادرة والتضامن هما ما يترك الأثر الحقيقي. علينا أن نُدرك أن الإنسان لا يُقاس بعدد المرات التي ذرف فيها الدموع، بل بعدد المرات التي مد فيها يد العون.
وأخيراً
إن البكاء أمام معاناة الآخرين هو دليل على أننا بشر، لكن البكاء وحده لا يكفي. الإنسانية الحقيقية تتطلب أن نكون أكثر من مجرد مشاهدين، أن نتحول إلى فاعلين، أن نُصبح القوة التي تسند من حولها. لذا، في المرة القادمة التي ترى فيها ألمًا أو حزنًا، تذكر: أن نبكي ليس كافيًا، لكن أن نفعل هو ما يجعلنا حقًا بشرًا.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *