الإنسان يختلف عن الحيوان..

الإنسان يختلف عن الحيوان..

لقد استخلف الله الإنسان في الكون ليدير موارده، ويعمره، ويظهر أسرار الله وقدرته في خلقه، وهي مهمة عظيمة أرادت الملائكة أن تختص بها، وأرادها الله للإنسان تكريمًا له، “وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً قَالُوا أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ قَالَ إِنِّي أَعْلَمُ مَا لَا تَعْلَمُونَ” سورة البقرة : 30، “وَهُوَ الَّذِي جَعَلَكُمْ خَلَائِفَ الْأَرْضِ وَرَفَعَ بَعْضَكُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ لِيَبْلُوَكُمْ فِي مَا آتَاكُمْ” سورة الأنعام : 165.
إن الإنسان فى عقيدة القرآن هو الخليفة المسئول بين جميع ما خلق الله، والإنسانية من أسلافها إلى أعقابها أسرة واحدة لها نسب واحد وإله واحد، أفضلها من عمل حسنًا واتقى سيئًا، وصدق النية فيما أحسنه وأتقاه.
وما خلق الله أي شيء من الأشياء في الحياة الدنيا عبثاً، فكل مخلوق وجد لأجل غاية خلقه الله تعالى لها، وكل نوع يقوم بوظيفة معينه ووفق المواصفات التي منحها الله له لخدمته وتنفيذ أوامره دون جدال أو تذمر، فمثلا خلق الحيوانات البرية والحيوانات البحرية والطيور . . . إلخ بغريزة وبدون عقل وكل منها يقوم بدور في الحياة الدنيا، بينما وخلق الله آدم من عقل وغريزة وخلق له زوجه من نفسه ومن ضلعه الأيسر من جهة القلب لتكون سكناً وطمأنينة له وجعل بينهما مودة ورحمة وسن بينهما الزواج للتكاثر، وحتى يكون بنوا آدم خليفة له في الأرض ويعمروها.
ولكن في نفس الوقت أرسل الله تعالى الأنبياء والمرسلين لعباده بشكل متتابع فأرسل لهم الرسالة السماوية اليهودية ومن ثم المسيحية وخاتمها الديانة الإسلامية (وفق ترتيب النزول)، ليوضحوا لبني آدم طريق الخير وطريق الشر، وترك الأمر لبني آدم ليقوموا بالدور الذي سيقومون به وفقاً لتخصصاتهم وقدراتهم المختلفة، وبناءاً على ذلك فإما يقومون بأدوارهم بالخير أو بالشر “وَهَدَيْنَاهُ النَّجْدَيْنِ” سورة البلد : 10.
بالنهاية لكل إنسان خلقه الله دور يقوم به وفق ما رزقه الله من علم، فهناك المعلم والأب والأم والإمام والمفتي والطبيب والصيدلي والمهندس والقاضي والمحامي والنائب والعين في مجلس الأمة ومصنع الفيروسات (فايروس الكورونا-19 مثلاً وغيره) والجراثيم ومصنعي الأسلحة التقليدية والنووية والقنابل بكل أنواعها والحداد والنجار (ذكوراً وإناثاً) . . . إلخ.
وسيتم محاسبة كل إنسان على ما يقوم به من دور أو أدوار (أعمال) في حياته الدنيا وتسجل وتحفظ أعماله من قبل الملكين الرقيب والعتيد “إِذْ يَتَلَقَّى الْمُتَلَقِّيَانِ عَنِ الْيَمِينِ وَعَنِ الشِّمَالِ قَعِيدٌ، مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ” سورة ق : 17 و 18.
فإن كانت أعمالهم خيراً فسيروا خيراً وإن كانت شراً فسيروا شراً أي عقاباً شديداً من الله “فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ، وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ” سورة الزلزلة : 7 و 8، إلا الملائكة فهم خلقوا بعقل فقط ولخدمة لله حتى تقوم الساعة.
والإنسان يقوم بدور مهم في البيئة، حيث إن كل ما فيها مسخر له، وعليه أن يتعامل معها بما لا يجافي سنن الله في خلقه، ولا أحكام الله في شرعه، فيأخذ منها ويعطيها، ويرعى لها حقها لتؤتي له حقه، فالإنسان يسعى دائمًا إلى استغلال موارد بيئته بطريقة أو بأخرى، هدفا منه في إشباع حاجاته الأساسية والثانوية، ويترجم هذا الاستغلال في صوره المختلفة العلاقة المتبادلة بينهما (الإنسان والبيئة)، وإن كان الإنسان هو المستفيد الأكبر.
كذلك أيضاً علينا الا نقلل من مخلوق من مخلوقات الكون، فلكل مخلوق في كون الله مهمة ورسالة، حيث أن كل مخلوق موجود في الكون يكمل بعضه بعضاً سواء عنصر حي ام غير حي، كلا نافع وله دور في الحياة، فليس هناك عضو افضل من عضو، فلا تقل الإنسان افضل مثلا من الحيوان حيث أنه أقل أهمية، بل الإنسان والحيوان وباقي أعضاء الكون مكملين لبعض.
ونجد ان الإنسان والحيوان ينتميان، طبيعيا، إلى مملكة واحدة، ويشكلان، مع النبات، دائرة غذاء، وبالتالي حياة، واحدة. فبعض أنواع الحيوان تتغذى على النبات وبعضها يتغذى على الحيوانات الأصغر والأضعف، ويعتمد الإنسان في غذائه وعيشته على النبات والحيوان، فالإنسان ابن الطبيعة ويظل جزءا منها مهما تطور واكتسب قدرا واسعا من الاستقلال عنها والسيطرة عليها.
ايضا والعلاقة بين الإنسان والحيوان معقدة، فمن جانب فيها اعتماد على الحيوان مدبر من قبل الإنسان في الغذاء والعمل (في النقل والزراعة وبعض) وفي الحروب (استخدام الحصان) وفي الحراسة ومكافحة بعض الحيوانات الضارة بمصالح الإنسان (الاعتماد على الكلاب والقطط)، ومن جانب آخر اعتماد غير مدبر من قبل الحيوان على الإنسان مثل اعتماد الطيور والفئران، جزئيا على الأقل، على ما يزرعه الإنسان من حبوب وأشجار فاكهة أو يخزنه من غذاء، واعتماد الذئاب والثعالب، جزئيا، على الحيوانات التي يربيها الإنسان وقابلة للافتراس من قبلها.
وبغض النظر عن أن بعض الحيوانات قد قدس وعبد، فهناك حيوانات ممدوحة لدى الإنسان، وليكون أيضا عونا له في خلافة الأرض وعمارتها، مثل الغزلان والظباء التي يشبه بها الرجال، شعراء وغير شعراء، قدود حبيباتهم، وحيوانات ترمز إلى الجبن، مثل الأرانب، وحيوانات توصف بشدة الذكاء، كالذئاب والثعالب، وحيوانات ترمز إلى البطء، مثل القنافذ والسلاحف، وحيونات أخرى تمدح حينا وتسب حينا آخر، مثل الكلاب التي تمدح لوفائها وتسب لسلوكها وعدم أهميتها، وحيوانات تسب دائما، مثل الضربان والقرود والفئران والجرذان.
فاطمة عبد العزيز محمد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *