التنمر بقلم:شيرين محمود عبد العزيز خلف

التنمر

بقلم:شيرين محمود عبد العزيز خلف

ظهر مصطلح التنمر في السنوات القليلة الماضية وازداد بكثرة في المدارس والشوارع والنوادي وأماكن العمل وفي معظم الأماكن للأسف الشديد .و لقد تم ذكره في القرآن الكريم منذ أكثر من 1400عام وهو السخرية والإستهزاء فكانت قصة نوح عليه السلام أكبر دليل علي ذلك فقد ضرب قوم نوح قمة المثل في التنمر
( وَيَصْنَعُ الْفُلْكَ وَكُلَّمَا مَرَّ عَلَيْهِ مَلَأٌ مِّن قَوْمِهِ سَخِرُوا مِنْهُ ۚ قَالَ إِن تَسْخَرُوا مِنَّا فَإِنَّا نَسْخَرُ مِنكُمْ كَمَا تَسْخَرُونَ )(هود ٣٨) كما بلغ الحد بهم أنهم أصموا آذآنهم عن الاستماع إلى كلامه ( وَإِنِّي كُلَّمَا دَعَوْتُهُمْ لِتَغْفِرَ لَهُمْ جَعَلُوا أَصَابِعَهُمْ فِي آذَانِهِمْ وَاسْتَغْشَوْا ثِيَابَهُمْ وَأَصَرُّوا وَاسْتَكْبَرُوا اسْتِكْبَارًا )(نوح ٧ ) فكانت عاقبة سخريتهم واستهزائِهِم به هو الإغراق( مِّمَّا خَطِيئَاتِهِمْ أُغْرِقُوا فَأُدْخِلُوا نَارًا فَلَمْ يَجِدُوا لَهُم مِّن دُونِ اللَّهِ أَنصَارًا )(نوح ٢٥)
وتعالت صيحات ونداءات أطباء علم النفس ومديري المدارس بنبذ التنمر لما له من آثار ضارة علي الصحة النفسية وخاصة الأطفال لأنهم أكثر من يتأثرون بالتنمر سواء لفظيا أو جسديا .كما يتأثر به أيضا الكبار ممن يفقدون الثقة بالنفس وذو الحساسية الشديدة فهو غير مقتصر علي الأطفال .ويبلغ الحد ببعض الناس بالتنمر علي أصحاب الهمم وذوي الإحتياجات الخاصة بدون أدني مراعاة لمشاعرهم ومشاعر ذويهم .
فلماذا ننبهر بهذه الدعوات لنبذ التنمر ونترك ما حثنا عليه ديننا الحنيف من تقويم النفس وتهذيبها وحثها علي مكارم الأخلاق ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا يَسْخَرْ قَوْمٌ مِّن قَوْمٍ عَسَىٰ أَن يَكُونُوا خَيْرًا مِّنْهُمْ وَلَا نِسَاءٌ مِّن نِّسَاءٍ عَسَىٰ أَن يَكُنَّ خَيْرًا مِّنْهُنَّ ۖ وَلَا تَلْمِزُوا أَنفُسَكُمْ وَلَا تَنَابَزُوا بِالْأَلْقَابِ ۖ بِئْسَ الِاسْمُ الْفُسُوقُ بَعْدَ الْإِيمَانِ ۚ وَمَن لَّمْ يَتُبْ فَأُولَٰئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ) (الحجرات ١١) فحتنا الإسلام علي عدم السخرية واللمز والتنابز ووصفهم بالفسق ووصف فاعلهم بالظلم .
كما توعد الله تعالي بالويل والعذاب لكل هماز (وَيْلٌ لِّكُلِّ هُمَزَةٍ لُّمَزَةٍ )(الهمزة ١ )قال السعدي في تفسيره: { {وَيْلٌ } } أي: وعيد، ووبال، وشدة عذاب { {لِكُلِّ هُمَزَةٍ لُمَزَةٍ} } الذي يهمز الناس بفعله، ويلمزهم بقوله، فالهماز: الذي يعيب الناس، ويطعن عليهم بالإشارة والفعل، واللماز: الذي يعيبهم بقوله.
رابط المادة: http://iswy.co/e2agac
كما توعد الله بالعذاب لأبا لهب وزوجته لإيذائهم لرسول الله صلي الله عليه وسلم
تَبَّتۡ یَدَاۤ أَبِی لَهَبࣲ وَتَبَّ ۝١ مَاۤ أَغۡنَىٰ عَنۡهُ مَالُهُۥ وَمَا كَسَبَ ۝٢ سَیَصۡلَىٰ نَارࣰا ذَاتَ لَهَبࣲ ۝٣ وَٱمۡرَأَتُهُۥ حَمَّالَةَ ٱلۡحَطَبِ ۝٤ فِی جِیدِهَا حَبۡلࣱ مِّن مَّسَدِۭ ۝٥﴾ (المسد )فكان إيذاء أبي لهب هو التهكم بالكلام أما زوجته فكانت بالفعل لما روي عن ابن عباس، في قوله: ﴿وَامْرَأَتُهُ حَمَّالَةَ الْحَطَبِ﴾ قال: كانت تحمل الشوك، فتطرحه على طريق النبي ﷺ، ليعقره وأصحابه، ويقال: ﴿حَمَّالَةَ الْحَطَبِ﴾ : نقالة للحديث.
وكلاهما مذموم فقد أمرنا الله بأن نحسن أقوالنا وأفعالنا (وَقُولُواْ لِلنَّاسِ حُسۡنٗا)البقرة( ٨٣)
كما يجب الأ ننحدر إلى مستوي أخلاقي متدني للرد أو أخذ الحق ﴿ وَعِبَادُ الرَّحْمَٰنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْنًا وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلَامًا﴾[ الفرقان: ٦٣]
وليس معني هذا السلبية المطلقة فالإنسان له أن يعفو أو ينتصر لظلمه فقال تعالي( وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُهَا فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ ۝ وَلَمَنِ انْتَصَرَ بَعْدَ ظُلْمِهِ فَأُولَئِكَ مَا عَلَيْهِمْ مِنْ سَبِيلٍ ۝ إِنَّمَا السَّبِيلُ عَلَى الَّذِينَ يَظْلِمُونَ النَّاسَ وَيَبْغُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ أُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ ۝ وَلَمَنْ صَبَرَ وَغَفَرَ إِنَّ ذَلِكَ لَمِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ ) (الشورى:٤٠ ٤٣)
وعلينا بمكارم الأخلاق فليس شيء أثقل في الميزان من حسن الخلق عن أَبي الدَّرداءِ : أَن النبيَّ ﷺ قالَ: مَا مِنْ شَيءٍ أَثْقَلُ في ميزَانِ المُؤمِنِ يَومَ القِيامة مِنْ حُسْنِ الخُلُقِ، وإِنَّ اللَّه يُبْغِضُ الفَاحِشَ البَذِيَّ رواه الترمذي
عن أبي هريرةرضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ” إنما بعثت لأتمم صالح الأخلاق ” مسند أحمد
وليكن لنا في رسول الله صلي الله عليه وسلم الاسوة الحسنة (قَدْ كَانَ لَكُمْ فِى رَسُولِ ٱللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِّمَن كَانَ يَرْجُواْ ٱللَّهَ وَٱلْيَوْمَ ٱلْءَاخِرَ وَذَكَرَ ٱللَّهَ كَثِيرًا)(الآحزاب٢١)
شيرين محمود عبد العزيز خلف
معلم خبير الأزهر الشريف

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *