الحرب النفسية والتهجير.. تكتيك الضغط الإسرائيلي وأبعاد الموقف المصري
الحرب النفسية والتهجير.. تكتيك الضغط الإسرائيلي وأبعاد الموقف المصري
كتب : حسام النوام
تعيش المنطقة مرحلة شديدة التعقيد من الحرب النفسية، حيث تحاول إسرائيل إعادة صياغة المشهد السياسي عبر التلاعب بسقف المطالب والتصريحات المتناقضة حول قضية تهجير الفلسطينيين من غزة. فبعد موجة تهديدات علنية، تضمنت الحديث عن عمليات عسكرية ضد مصر وتهديدات باستخدام السلاح النووي، شهدت الأيام الأخيرة تغيرًا ملحوظًا في لهجة التصريحات الإسرائيلية، إذ بدأت رسائل التهدئة تتدفق، مشيرة إلى أن التهجير ليس خيارًا آنيًا، وأنه قد يكون طوعيًا لمن يريد المغادرة.
استراتيجية التصعيد والتراجع
ما نشهده ليس تغييرًا مفاجئًا في الموقف الإسرائيلي، بل هو جزء من إستراتيجية تفاوضية تعتمد على التصعيد ثم التراجع، في محاولة لتغيير أولويات التفاوض. فبدلًا من الحديث عن حل الدولتين على حدود 1967، يصبح أقصى طموح الفلسطينيين هو البقاء فيما تبقى لهم من أراضٍ، ويصبح التفاوض حول منع التهجير، وليس إنهاء الاحتلال.
إسرائيل تدرك أن الضغط النفسي والاستراتيجي يؤدي إلى إعادة ترتيب مواقف الأطراف المختلفة، بحيث يتم اختبار مدى صمود الدول المؤثرة، وعلى رأسها مصر. ولذلك، تأتي هذه التهديدات المتطرفة لقياس ردود الفعل، ومعرفة من يمكنه المواجهة ومن يمكنه تقديم تنازلات.
الموقف المصري.. ثبات في وجه العاصفة
الهدف الرئيسي للحرب النفسية كان مصر، باعتبارها الطرف القادر – بعون الله – على إفشال المخططات الإسرائيلية. ورغم التهديدات، فإن الموقف الرسمي والشعبي المصري جاء حاسمًا، حيث خرجت تصريحات رسمية شديدة اللهجة من وزارة الخارجية المصرية، في موقف غير مسبوق، رفضت فيه مصر أي تهديد لأمنها القومي، مؤكدة أن أي محاولة للمساس بسيادتها ستواجه برد لا يمكن التنبؤ بعواقبه.
أما على المستوى الشعبي، فقد كانت الرسالة أوضح، حيث شهدت منطقة رفح المصرية مظاهرات رافضة للتهجير، فضلًا عن موجة غضب عارمة على مواقع التواصل الاجتماعي. هذه الرسائل كشفت عن وعي الشعب المصري بمخاطر المخطط، وأثبتت أن الجيش ليس وحده في معركة الحفاظ على الأمن القومي، بل إن الأمر تحول إلى عقيدة شعبية لا تقبل المساس بها.
إسرائيل بين قيود الداخل وضغوط الخارج
لم تحقق إسرائيل من هذه التهديدات ما كانت تأمله من دعم شعبي أو توافق داخلي، بل على العكس، ظهرت انقسامات واضحة، حيث أبدى الجيش الإسرائيلي تحفظاته على خطط التهجير، معتبرًا أنها ستكون عبئًا استراتيجيًا أكثر منها مكسبًا. وفي المقابل، لم يلقَ التهديد الإسرائيلي بالتصعيد العسكري أي تأييد دولي، بل على العكس، زادت الضغوط على تل أبيب لكبح جماح التصريحات العدوانية، خصوصًا بعد تحذيرات من أن أي تصعيد في المنطقة قد يؤدي إلى تفجير أزمات اقتصادية عالمية.
المؤشرات الاقتصادية.. استقرار رغم التهديدات
الأسواق المالية، التي تُعد مقياسًا دقيقًا لحالة القلق العالمي، لم تتأثر في مصر بشكل كبير، رغم التصريحات التصعيدية. فبينما شهدت أسعار الذهب عالميًا قفزات كبيرة، وارتفع سعر الدولار في عدة دول، بقيت المؤشرات الاقتصادية في مصر متماسكة، ما يعكس حالة من الاستقرار رغم الضغوط الخارجية.
المرحلة القادمة.. صمود فلسطيني وحراك عربي مطلوب
يبقى العامل الحاسم في إفشال المخطط الإسرائيلي هو صمود الفلسطينيين على أرضهم، ورفض أي محاولات لإجبارهم على المغادرة. كما أن الدول العربية بحاجة إلى إعادة ترتيب أولوياتها، والتوقف عن دفع الأموال في صفقات سياسية أو اقتصادية غير مجدية، وتوجيهها بدلاً من ذلك نحو بناء اقتصاد قوي وجيش قادر على فرض توازن استراتيجي حقيقي.
في النهاية، ورغم التهديدات المتكررة، أثبتت الأحداث أن مصر ليست في موقف ضعف، وأن المنطقة ليست أرضًا مفتوحة لمشاريع التهجير والتغيير الديمغرافي، وأن الصراع ليس مجرد مواجهة عسكرية، بل هو معركة وعي وصمود سياسي واقتصادي، ستحدد نتائجها مستقبل المنطقة لعقود قادمة.