الدراما التركية تجذب اهتمام المغاربة وتنعش السياحة العثمانية

الدراما التركية تجذب اهتمام المغاربة وتنعش السياحة العثمانية

ما زالت الإنتاجات الدرامية التركية تتربع على عرش أكثر البرامج مُتابعةً بمُختلف القنوات المغربية؛ إذ تفوقت بشكل كبير على باقي الإنتاجات، وضمنها الإنتاجات المغربية، بحسب الإحصائيات الرسمية.

وتثير هذه الإنتاجات المدبلجة إلى اللهجة المغربية، مجموعة من الانتقادات، في حين يعتبرها البعض ترويجاً للسياحة التركية، وأيضاً مُحفّزاً دفع الكثيرين لتعلُّم اللغة التركية.

حطَّمت الأفلام والمسلسلات التركية أرقاماً قياسية من حيث عدد المشاهدين على كُل من القناتين الأولى والثانية المغربيتين، وذلك بالمُقارنة مع باقي برامج الدراما التي تُبث على هاتين القناتين العموميتين.

وكشفت مؤسسة “ماروك ميتري”، المتخصصة في حساب نسب المتابعة، أن المسلسل التركي المُدبلج “سامحيني” قد تمكن من حصد نحو 5 ملايين مشاهدة، ليتربع على عرش البرامج الدرامية في المغرب خلال شهر أغسطس الماضي، يليه المسلسل التركي المدبلج إلى العامية المغربية “مصير آسية” بنحو 4 ملايين و764 ألف مُشاهد، ثم “زمان الغدر” بنحو 3 ملايين و687 ألف مُشاهد. أما المُسلسل التركي المدبلج “الزمان العاكر”، فقد حصد نحو 3 ملايين مشاهدة. لتكون نسبة مُشاهدة المسلسلات الثلاثة مُجتمعةً تُقارب الـ14 مليون مشاهدة، مع العلم أنها ليست الوحيدة التي تُبث على القناتين العموميتين.

وسجلت المسلسلات التركية هذه الأرقام التي توصف بـ”المهمة” على حساب نظيراتها المغربية؛ إذ إنه بحسب المصدر نفسه، جاءت مجموعة من البرامج والمسلسلات مغربية الإنتاج خلف نظيراتها التركية، وفي هذا الصدد سجَّل الفيلم المغربي “هنا طاح الريال” الذي بثته القناة المغربية الأولى مليوناً و591 ألف مُشاهد، تلاه مسلسل “شوك السدرة” بمليون و73 ألف مُشاهد.

وبحسب مصادر مُطلعة من داخل القناة الثانية المغربية، التي تعيش على وقع أزمة مالية خانقة، فإن هذه المُسلسلات ونسبة المُشاهدات العالية مكَّنتها من مقاومة هذه الأزمة واستقطاب عدد من المُعلنين إلى شاشاتها.

وشدد المصدر ذاته على أن هذه الأفلام الدرامية لا تُثقل عبء القناة بمصاريف، وذلك بالنظر إلى العدد الكبير من حلقاتها التي تتجاوز الألف حلقة في الغالب، مُضيفاً أنه “على الرغم من تكاليف شراء حُقوق البث وتكاليف الدبلجة وإلى ما ذلك، تبقى تكلفة هذه الإنتاجات الدرامية مُنخفضة بالنظر إلى إنتاجات أخرى”، رافضاً الكشف عن الغلاف المالي الحقيقي الذي تُكلفه هذه المُسلسلات.

من جهة ثانية، تُشكل دبلجة الأفلام التركية إلى العامية المغربية تجارةً مُربحةً لمجموعة من شركات الإنتاج العاملة بالمغرب؛ وذلك نظراً إلى الأرباح المعقولة التي تَجنيها مُقابل عملها.

وفي السياق نفسه، كشف مصدر من إحدى شركات الإنتاج المغربية، المُكلَّفة دبلجة مثل هذه الأعمال الدرامية، أن القنوات المغربية تشتري الحلقة الواحدة بما متوسطه 2500 دولار، مُشيراً إلى أن “المبلغ يُمكنه الارتفاع بالنظر إلى شهرة المُمثلين ومدى انتشار مُعجبيهم بالمغرب”.

وأضاف المصدر أن الشركات تشتري الحلقة الواحدة من المُسلسل بأقل من ذلك بكثير، في حين أن تكلفة دبلجة الحلقة الواحدة لا تتجاوز الـ350 دولاراً، خُصوصاً أن الأصوات المُعتمدة في الدبلجة هي أصوات لهُواة أو في غالب الأحيان لطلبة وأشخاص يبحثون عن دخل إضافي.

وليست القنوات التلفزية وشركات الإنتاج وحدها الرابحة من ولع نسبة كبيرة من المغاربة بالدراما التركية؛ بل حتى بعض الشركات التجارية الأخرى، وخُصوصاً شركات الاتصالات، التي صارت تعتمد في الترويج لمنتجاتها على أبطال من الدراما التركية؛ ما يزيدها انتشاراً وسط السوق المغربية.

ويُرجع السوسيولوجي عبد الرحيم العطري، المتخصص في علوم الاجتماع، نجاح المسلسلات التركية إلى تقديمها واقعاً مُغايراً لما تعيشه الأُسر المغربية، وبعبارة أخرى: “المُشاهد وجد ضالته في تلك المسلسلات، ووجد الحياة المثالية التي يطمح إليها”، بحسب قول العطري.

وأوضح السوسيولوجي المغربي أن “تقديم هذه المسلسلات نموذج الأسرة المثالية أحياناً، والتردُّد على الأسفار بشكل مُستمر، إضافةً إلى جمالية الأثاث والمحيط والصورة، وأيضاً بعض التصرفات التي لا نشاهدها في مُجتمعنا المغربي، كُل هذا جعل المُشاهد يرتبط وجدانياً بهذه الإنتاجات، التي صارت ملجأً للهروب من الواقع المعيش”

من جهة ثانية، ينتقد جمال بندحمان، الأستاذ الجامعي والباحث في قضايا تحليل الخطاب، هذه المُسلسلات والطريقة التي تُقدَّم بها، مُعتبراً أن فيها مسّاً بالهوية اللغوية للمغاربة من جهة، وأيضاً تُدخل قِيَماً بعيدةً عن المجتمع من جهة أخرى.

وأوضح أن الدبلجة تعمل على تكريس الأمية في المُجتمع المغربي، كما أنها تُحارب اللغة العربية، التي بدأت تتراجع بشكل كبير في المجتمع المغربي، دون الحديث عن تشجيع إنتاجات غريبة عن المجتمع المغربي وثقافته، يضيف المتحدث.

وأكد بندحمان أنه لا مُشكل في تقديم منتجات أجنبية على القنوات العمومية بالمغرب، إلا أن “المشكل، في تقديم منتجات لا تُوافق الهوية المغربية، لا من حيث اللغة ولا من حيث المضمون، الذي يكون أحياناً مُنافياً لما يسود المجتمع المغربي”.

وعاب المتحدث على هذه المسلسلات الطريقةَ التي تُدبلَج بها؛ إذ قال في هذا الصدد: “قد نقبل جدلاً بإنتاجات درامية مدبلجة للهجتنا العامية، بهدف تقريبها من المواطن البسيط والانفتاح على ثقافات أخرى، لكن المشكل يكمن في هذه الدبلجة التي تتم بطريقة رديئة تسيء إلى الدارجة المغربية بشكل كبير، خُصوصاً إذا نظرنا إلى الكثير من التحريفات التي دخلتها وأيضاً مجموعة المصطلحات الدخيلة عليها”.

وتدفع هذه المسلسلات الكثير من المغاربة إلى محاولة تجربة “الحياة التركية”، والتعرُّف من قرب على أهم معالم هذه الحضارة ونمط عيش الأتراك، وهو الشيء الذي يُؤكده عدد من مُسيّري وكالات الأسفار بالمغرب.

وفي هذا الصدد، أوضح عبد الصمد الجرجيني، مدير وكالة “أجي ترافل” السياحية، أن عدداً مهماً ممن يُسافرون رفقة الوكالة في برامج السياحة نحو تركيا يربطون اقتناعهم بالسفر نحو بلاد العثمانيين بما شاهدوه في مُسلسل معين.

وقال الجرجيني  إن وكالته تنظم على الأقل رحلةً كُل شهر نحو تركيا، وفي بعض الأحيان يتم تنظيم أربع رحلات شهرياً”، مُشيراً إلى أن “الأمر نفسه يحدث مع باقي وكالات الأسفار التي تُسجل تزايداً كبيراً في السنوات الأخيرة على مستوى الرحلات السياحية نحو تركيا”.

وعدَّد المتحدث مجموعةً من الأسباب، التي قال إنها تدفع المغاربة لزيارة تركيا، على رأسها الحضارة العثمانية الغنية من جهة، وارتباطها بمجموعة من الأحداث السياسية التي شغلت الرأي العام من جهة أخرى، لكن يبقى أبرز الأسباب، يقول الجرجيني، وهي المسلسلات التركية التي بثتها القنوات المغربية.

وأردف المتحدث: “جُل المشاركين معنا في الرحلات إلى هناك، عندما تسألهم عما يعرفونه عن إسطنبول وتركيا فيكون الجواب في الغالب، هو اسم بطل أو شخصية مسلسل من المسلسلات المعروضة”.

من جهة أخرى، يُقبل الكثيرون على تعلُّم اللغة التركية، الشيء الذي دفع مجموعة من مدارس تعليم اللغات إلى إنشاء أقسام خاصة بتدريس هذه اللغة. وفي هذا الصدد، يكشف محمد داونير، وهو مدير مدرسة لتعلُّم اللغات بمدينة الرباط، أنه قبل سنتين من اليوم قررت إدارة المدرسة افتتاح قسم خاص بتعليم اللغة التركية، الشيء الذي شهد تجاوباً ملحوظاً من طرف عملاء المركز، وخُصوصاً الفتيات، مُضيفاً أنه “اليوم يبلغ عدد طلاب اللغة التركية ستين طالباً، أي أربعة فصول”.

وعن الأسباب التي تدفع المغاربة إلى تعلُّم هذه اللغة، يقول داونير إن أغلب رواد هذه الفصول يُبدون إعجابهم بشخصيات تركية، أو بنمط العيش الذي يُشاهدونه في المسلسلات التركية المُدبلجة، وهو الشيء الذي دفعهم إلى تعلُّم هذه اللغة؛ إما حباً فيها وإما بِنيَّة السفر نحو بلاد العثمانيين، إما للسياحة وإما للبحث عن فرصة عمل والاستقرار هناك

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *