الدكرورى يكتب عن إتساع أبواب الخير ” الجزء الثالث “

إعداد / محمـــد الدكـــرورى

ونكمل الجزء الثالث مع إتساع أبواب الخير، وقد توقفنا عند قول رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال ” اغتنم خمسا قبل خمس، شبابك قبل هرمك، وصحتك قبل سقمك، وغناك قبل فقرك، وفراغك قبل شغلك، وحياتك قبل موتك” رواه الحاكم، وإن المسارعة والمسابقة فى السير إلى الله تعالى، لا مجال فيها للروية والتؤدة والأناة، فيقول النبي صلى الله عليه وسلم فى الحديث الذى رواه أبو داود ” التؤدة فى كل شئ إلا فى عمل الآخرة” وقال وهيب بن الورد إن استطعت أن لا يسبقك إلى الله أحد فافعل، وقال عمر بن عبد العزيز في حجة حجها عند دفع الناس من عرفة “ليس السابق اليوم من سبق به بعيره، إنما السابق من غُفر له” وإن المسارعة والمسابقة في الخير صفة من صفات المؤمنين الموحدين، وإن التفاضل في الجنة بحسب السبق والمسارعة، ولنا في سلفنا الصالح أسوة حسنة ، وقدوة طيبة ،هؤلاء الذين قدموا لنا صورا رائعة من المسارعة والمسابقة في فعل الخيرات ، فإن الصالحين ممن قبلنا يفقهون عن الله تعالى مراده.

في كتابه عندما حث على المسارعة في الخيرات، ففهموا أنها مسابقة حقيقية تحتاج إلى تحفز وتشمير، كما يفعل المتسابق في الطريق، فإنها المسارعة في السير إلى الله تعالى، والتي تكون عاقبتها الرضا من الله تعالى، كما قال نبى الله موسى عليه السلام كما جاء فى سورة طه ” وعجلت إليك ربى لترضى” ولقد كانت روح المنافسة فى الخيرات بين المسلمين الأوائل، ولقد كان صلى الله عليه وسلم مثالا أعلى في المسارعة إلى الخير، لذلك كانت النتيجة لهذه المسارعة أن قال النبى صلى الله عليه وسلم “كم من عذق رداح” أى مثمر وممتلئ، في الجنة لأبي الدحداح” فكانت لأبى الدحداح صورة مشرقة، ولوحة رائعة يزيّنها مثل مسارعة الصحابة، ومبادرتهم إلى فعل الخيرات، يوم أن عظم الخطب واشتد الأمر علي رسول الله صلي الله عليه وسلم في يوم تبوك الذى سماه الله تعالى يوم العسرة وقد فتح الرسول صلى الله عليه وسلم باب التبرع علانية حتى يحفز المسلمين، وكان أول القائمين عثمان بن عفان رضي الله عنه.

وهذا أبو مسلم الخولاني عندما كان يقوم الليل فإذا تعبت قدماه ضربها بيديه قائلا ﻗﻮﻣى ﻓﻮ ﺍﻟﻠﻪ ﻷ‌ﺯﺣﻔﻦ ﺑﻚ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﻠﻪ ﺯﺣﻔﺎ ﺣﺘﻰ ﻳﻜﻮﻥ ﺍﻟﻜﻠﻞ ﻣﻨﻚ ﻻ‌ ﻣﻨﻲ” ﺃﻳﻈﻦ ﺃﺻﺤﺎﺏ ﻣﺤﻤﺪ صلى الله عليه وسلم ﺃﻥ ﻳﺴﺘﺄﺛﺮﻭﺍ ﺑﻪ ﺩﻭﻧﻨﺎ، ﻭﺍﻟﻠﻪ ﻟﻨﺰﺍﺣﻤﻨﻬﻢ ﺇﻟﻴﻪ ﺯﺣﺎﻣﺎ ﺣﺘﻰ ﻳﻌﻠﻤﻮﺍ ﺃﻧﻬﻢ ﺧﻠﻔﻮﺍ ﻭﺭﺍﺀﻫﻢ ﺭﺟﺎﻻ‌، فهو يريد المنافسة ويريد أن يزاحم صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم في الدار الآخرة، وهنيئا له بهذه المنافسة الشريفة، وكان للتنافس فيما بينهم في فعل الخيرات أثر كبير في حياتهم، فكان التنافس سببا لرفع الهمة، وإثارة الحماس، فبادروا في اغتنام حياتكم قبل فنائها، وأعماركم قبل انقضائها بفعل الخيرات والاكثار من الطاعات، فإن الفرص لا تدوم، والعوارض التي تحول بين الانسان وبين العمل كثيرة وغير مأمونة، وقد روى البخارى عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال “الخيل لثلاثة لرجل أجر، ولرجل ستر، وعلى رجل وزر، فأما الذى له أجر، فرجل ربطها في سبيل الله فأطال طيلها في مرج أو روضة.

فما أصابت في طيلها ذلك في المرج والروضة كان له حسنات، ولو أنها قطعت طيلها فاستنت شرفا أوشرفين، كانت آثارها وأرواثها حسنات له، ولو أنها مرت بنهر فشربت منه ولم يرد أن يسقى به كان ذلك حسنات له، وهى لذلك الرجل أجر، ورجل ربطها تغنيا وتعففا، ولم ينس حق الله في رقابها ولا ظهورها، فهي له ستر، ورجل ربطها فخرا ورئاء ونواء، فهي على ذلك وزر” ورُوى عن السيدة عائشة رضى الله عنها أنها تصدقت بعنبة، وقالت “كم فيها من مثقال ذرة؟” وكان المسلمون يرون أنهم لا يؤجرون على الشيء القليل الذى أعطوه، فيجيء المسكين إلى أبوابهم فيستقلون أن يعطوه التمرة والكسرة والجوزة ونحو ذلك، فيردونه ويقولون ما هذا بشيء إنما نؤجر على ما نعطي ونحن نحبه، وكان آخرون يرون أنهم لا يلامون على الذنب اليسير الكذبة والنظرة والغيبة وأشباه ذلك، يقولون إنما وعَد الله النار على الكبائر، فرغبهم في القليل من الخير أن يعملوه، فإنه يوشك أن يكثر، وحذرهم اليسير من الشر، فإنه يوشك أن يكثر.

فنزلت الآية ” فمن يعمل مثقال ذرة” يعنى وزن أصغر النمل ” خيرا يره” يعنى في كتابه، ويسرّه ذلك” فإن فعل الخيرات مردود على فاعله، فهنيئا له، تذكر دائما أنك إن فعلت الخير فإنما هو في ميزان أعمالك أنت لا أحد غيرك، فقال تعالى” من عمل صالحا فلنفسه” بمعنى لنفسه، أى أنت الكاسب الوحيد، لنفسك، وهل هناك من هو أعز عندك وعليك من نفسك؟ وسوف ترى ذلك، وسوف تشاهد هذه الخيرات التي عملتها في دنياك، نعم، سوف تشاهدها هناك في الآخرة مكتوبة، ومكتوب لك أجرها، فقال تعالى فى كتابه ” ليروا أعمالهم ” وسوف تشهد لك هذه الأرض، سوف تشهد لك الطرقات والمساجد والأمكنة والبيوت والأسواق بأنك عملت ذلك الخير وهذه الخيرات، فقال تعالى ” يومئذ تحدث أخبارها” أى تحدث بما عمل العاملون على ظهرها، وعن أبى هريرة رضى الله عنه قال قرأ رسول الله -صلى الله عليه وسلم هذه الآية” يومئذ تحدث أخبارها” قال “أتدرون ما أخبارها؟” قالوا الله ورسوله أعلم، قال “فإن أخبارها؟

“أن تشهد على كل عبد وأمة بما عمل على ظهرها، أن تقول عمل كذا وكذا، يوم كذا وكذا، فهذه أخبارها” رواه احمد والترمذى، فيا الله ما أعظمه من كرم إلهي وما أرحمه من هدي نبوي حينما تقف عاجزا عن فعل الخير فتظن الأجر فُقد من دربك، فإذا برسولك صلى الله عليه وسلم يبشرك ويدلك ويجعل الأمل بين يديك، فيقول لك كف شرك عن الناس فقط، أبعد أذاك عنهم لا غير، يكن ذلك من فعل الخير، يكن ذلك صدقة، يكن ذلك أجرا، يكن ذلك حسنات تكتب لك، لنفسك، فادفع الدّين الذى عليك، لا بالمال وحده بل بفعل الخيرات، فمَن يستطيع أن يدفع كل يوم مقابل نعمة مفاصل جسمه صدقات مالية بعددها البالغ ثلاثمائة وستين مفصلا؟ ولكن رحمات الله وبركاته وكرمه على عباده جعلت فعل الخيرات هو من الصدقات، وجعل صلاة ركعتي الضحى تعدل هذا المطلوب الكبير من الصدقات، وسدادا للدين الواقع عليك في صبيحة كل يوم، وما سداد هذا الدين إلا من فعل الخيرات الذي تؤجر عليه، فافعلوا الخير مهما دق في أعينكم.

ومهما قل أو صغر عندكم، فإنه عند الكريم سبحانه وتعالى مضاعف كبير، يجزيك ربك بأحسن منه، وإياك ثم إياك أن يُلبّس عليك الشيطان، أن تلبس عليك نفسك الأمارة بأن هذا العمل صغير، وهذا الخير قليل لا داعي لعمله لأنه لا أجر كبيرا عليه، بل افعل الخير مهما قَلّ، كما ينصحك بذلك نبيك صلى الله عليه وسلم، واترك كتابة الأجر وتقدير الفضل لربك الكريم سبحانه، فقد قال صلى الله عليه وسلم كما في الصحيح “من تصدق بعدل تمرة من كسب طيب، ولا يقبل الله إلا الطيب، فإن الله يقبلها بيمينه ثم يربيها لصاحبها كما يربي أحدكم فَلوّه حتى تكون مثل الجبل” ومن فعل الخيرات أيضا، هو ذهابك الى المسجد، ومن فعل الخيرات، الإحسان إلى الإنسان، والإحسان حتى إلى الحيوان، فإن الله لا يضع أجر من أحسن عملا، فقد تقدم خيرا وإحسانا إلى إنسان أو حيوان فيكون سببا في أن يحلّ عليك رضوان الله، وقد يعمل المؤمن خيرا يسيرا سهلا لا يظن أنه سيبلغ به المنازل العليا، ولكنه يبلغ به بفضل الله وكرمه.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *