الدكرورى يكتب عن ماذا بعد رمضان؟ ” الجزء الثامن “

إعداد / محمـــد الدكـــرورى

ونكمل الجزء الثامن مع ماذا بعد رمضان؟ وقد توقفنا مع ما يشعر به من لذة الانتصار على النفس والشيطان، وحلاوة القرب من الرحمن، والشعور بأنه لن يغلب والله نصيره، ولن يخذل والله ظهيره، ولن يشقى والله مسعده ومعينه، ولن يضل والله هاديه ودليله، كما قال تعالى فى كتابه الكريم ” والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا وإن الله لمع المحسنين” وقال تعالى ” ذلك بأن الله مولى الذين آمنوا وأن الكافرين لا مولى لهم” وهذه هي المعية الخاصة، والولاية الخاصة، التي تقتضي النصر والتأييد، والهداية والتسديد، والتوفيق والإعانة، وللمؤمن من هذه الولاية الخاصة، والمعية الخاصة بقدر طاعته لربه، وإحسانه في القيام بحقوق الله تعالى وحقوق خلقه أما المعصية فإن فاعلها قد يجد لذة حين اقترافها، ولكنه ينسى أنها لذة موقوتة، وأن لها شؤما عظيما، وضررا كبيرا، يلحقه في دنياه وآخرته، أما فى الدنيا، فإنه يجد من الآلام والحسرات، ومن ضيق الصدر ونكد العيش، والتنغيص والتكدير، والقلق والاضطراب، وقلة التوفيق.

وتعسير أموره عليه، ومن الذلة والمهانة، وانحطاط القدر وسقوط المنزلة، وظلمة القلب وسواد الوجه، وحرمان العلم والرزق، أضعاف أضعاف ما وجده من تلك اللذة، هذا فضلا عما قد يصيبه في الدنيا من العار والفضيحة، أو الآفات السماوية، أو العقوبة على تلك المعصية بحد أو تعزير، ولله در القائل تفنى اللذاذة ممن نال صفوتها من الحرام، ويبقى الخزى والعار، وتبقى عـواقب سوء فى مغبتها لا خير في لذة، من بعدها النار، ولذا قال الله سبحانه وتعالى محذرا وناصحا عباده ” فليحذر الذين يخالفون عن أمره أن تصيبهم فتنة أو يصيبهم عذاب أليم” أى فليخش أولئك المحادون لله تعالى بالطغيان، والمبارزون له بالعصيان، أن تصيبهم فتنة، أى زيغ في قلوبهم، وضلال عن الحق، وعماية بعد الهداية، لأنهم لم يشكروا نعمة الإيمان، ولم يرعوها حق رعايتها، فلا يأمنوا أن تسلب منهم هذه النعمة، لأن المعاصي عدو الإيمان، وبريد الكفر، وسبب غضب الرب ومقته، فيقول تعالى ” أو يصيبهم عذاب أليم” أى في الدنيا بآفة سماوية.

أو حد أو تعزير، وفى الآخرة بعذاب النار، وبئس القرار، وقال ابن عباس رضي الله عنهما وهو يقارن بين الحسنة والسيئة “إن للحسنة ضياء في الوجه، ونورا في القلب، وقوة في البدن، وسعة في الرزق، ومحبة في قلوب الخلق، وإن للسيئة سوادا في الوجه، وظلمة في القلب، ووهنا في البدن، ونقصا في الرزق، وبغضة في قلوب الخلق” أما في الآخرة فإن هذه السيئة قد كتبت على صاحبها، وسيجد جزاءها وسوء عاقبتها يوم الجزاء والحساب، فيقول الله عز وجل ” يوم تجد كل نفس ما عملت من خيرا محضرا وما عملت من سوء تود لو أن بينها وبينه أمدا بعيدا” ويقول عز وجل ” يوم يبعثهم الله جميعا فينبئهم بما عملوا أحصاه الله ونسوه والله على كل شئ شهيد” ويوم يقول المجرمون وهم خائفون نادمون، كما قال تعالى فى كتابه العزيز ” يا ويلتنا مال هذا الكتاب لا يغادر صغيرة ولا كبيرة إلا أحصاها ووجدوا ما عملوا حاضرا ولا يظلم ربك أحدا” ولقد وجدوا ما عملته أيديهم، واقترفته جوارحهم، ولا يظلم ربك أحدا.

وهذا هو حال العاصي مع ذنوبه إلا إذا أسعفه الله تعالى بتوبة صادقة نصوح، وقد صدق القائل عندما قال إن أهنا عيشة قضَّيتها ذهبت لذتها، والإثم حلّ فالبر لا يبلى، والذنب لا ينسى، والديان لا يموت، وماذا يغني عن الإنسان تلذذه بالمعصية في هذه الدنيا، ثم يكون مآله إلى جهنم في الآخرة، فيقول الله تعالى عن الكفار وأشباههم من عصاة المسلمين ” أفرأيت إن متعناهم سنين” أى مدة حياتهم في هذه الدنيا، ثم جاءهم ما كانوا يوعدون أى الموت وما بعده من حساب وعذاب، ما أغنى عنهم ما كانوا يمتعون وقال تعالى ” ذؤهم يأكلوا ويتمتعوا ويلههم الأمل فسوف يعلمون” سيعلمون مصيرهم الأسود، وسيندمون ولات ساعة مندم، وقال تعالى فى كتابه العزيز ” فأما من طغى وآثر الحياة الدنيا، فإن الجحيم هى المأوى” وروى الإمام مسلم عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال “يؤتى بأنعم أهل الدنيا من أهل النار يوم القيامة، فيصبغ فى النار صبغة” أى يغمس فيها غمسة واحدة، ثم يقال يا ابن آدم، هل رأيت خيرا قط؟ هل مرّ بك نعيم قط؟

فيقول لا والله يا رب، ما رأيت خيرا قط، ولا مر بي نعيم قط، بغمسة واحدة في العذاب نسي كل ما كان يتمتع به في هذه الدنيا من شهوات ولذائذ محرمة، فما حاله يا ترى إذا كان مخلدا في نار جهنم، التى يقال عنها ” لا يقضى عليهم فيموتوا ولا يخفف عنهم من عذابها” ويقول تعالى ” كلما خبت زدناهم سعيرا” ثم يقول النبي صلى الله عليه وسلم ” ويؤتى بأبأس أهل الدنيا من أهل الجنة يوم القيامة، فيصبغ صبغة في الجنة، فيقال له يا ابن آدم هل رأيت بؤسا قط؟ هل مر بك شدة قط؟ فيقول لا والله يارب، ما مرّ بي بؤس قط، ولا رأيت شدة قط” وهذا بصبغة واحدة في النعيم نسي كل ما كان يعانيه في هذه الدنيا من بأس وشدة وبلاء، فانظر أيها المسلم من أي الفريقين أنت؟ واعلم أن الجزاء من جنس العمل، وأنه على قدر عملك في هذه الدار تكون منزلتك في دار القرار، فيقول تعالى ” ولكل درجات مما عملوا وما ربك بغافل عما يعملون” ويقول تعالى ” من عمل صالحا فلنفسه ومن أساء فعليها ةما ربك بظلام للعبيد” فلقد انقضى شهر رمضان.

وتصرمت أيامه، وتم صيامه وقيامه، وطويت صحائفه بما قدمنا فيها من خير أو شر، فيا ليت شعري من الفائز منا فنهنيه؟ ومن المحروم منا فنعزيه؟ فكم هو محروم من حرم خير رمضان؟ وكم هو خاسر من فاته المغفرة والرضوان؟ فغدا توفي النفوس ما كسبت، ويحصد الزارعون ما زرعوا فإن أحسنوا أحسنوا لأنفسهم، وإن أساؤا، فبئس ما صنعوا وقد كان السلف الصالح يجتهدون في إتمام العمل وإتقانه، ثم يهتمون بعد ذلك بقبوله، ويخافون من رده، وهؤلاء هم الذين مدحهم الله بقوله تعالى ” والذين يؤتون ما آتوا وقلوبهم وجلة” وعن السيدة عائشة رضي الله عنها قالت يا رسول الله “والذين يؤتون ما آتوا وقلوبهم وجلة” هو الذى يسرق ويزني ويشرب الخمر، وهو يخاف الله عز وجل؟ قال صلى الله عليه وسلم “لا، يا بنت الصديق، ولكنهم الذين يصلون، ويصومون، ويتصدقون، وهم يخافون ألا يقبل منهم” رواه أحمد والترمذى، وقال علي بن أبي طالب رضي الله عنه “كونوا لقبول العمل أشد اهتماما منكم بالعمل.

ألم تسمعوا الله عز وجل يقول ” إنما يتقبل الله من المتقين” وقال فضالة بن عبيد لأن أكون أعلم أن الله قد تقبل مني مثقال حبة من خردل، أحب إلي من الدنيا وما فيها, لأن الله يقول ” إنما يتقبل الله من المتقين” وإن من أسباب القبول، ودلائل التوفيق هو إتباع الحسنة بالحسنة، والمداومة على فعل الطاعة، والبعد عن المعصية، وقال بعض السلف إن من عقوبة السيئة، هو السيئة بعدها، وإن من ثواب الحسنة، هو الحسنة بعدها، فيا من كان يلح على ربه بالعتق من النار، إياك أن تجر نفسك إليها بفعل السيئات والأوزار، ويا من أكرمه الله بطاعته، إياك والعودة إلى معصيته ومخالفته، ويا من اعتاد حضور المساجد، وعمارة بيوت الله بأنواع الذكر والصلاة، أثبت على الطريق، واستقم على الجادة، وحافظ على الجمع والجماعات، وإياك أن تكون ممن قال الله فيهم فى كتابه الكريم ” وإذا قاموا إلى الصلاة قاموا كسالى يراؤون الناس ولا يذكرون الله إلا قليلا” ويا من وفقه الله لقيام الليل، لا تحرم نفسك هذا الفضل في بقية العام.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *