الدكروري يتكلم عن قائد الحامية الإسلامية ببرقة
الدكروري يتكلم عن قائد الحامية الإسلامية ببرقة
بقلم / محمـــد الدكــروري
ذكرت المصادر التاريخية الإسلامية كما جاء في كتب السيرة النبوية الشريفة، أنه تعاقبت عدة ولاة على مصر بعد الوالي عمرو بن العاص، منهم عبد الله بن أبى السرح ومحمد بن أبى بكر ومعاوية بن حديج وغيرهم، وكلهم أقر، بأن يكون عقبة بن نافع في منصبه كقائد لحامية برقة وظل عقبة بن نافع في منصبه الخطير كقائد للحامية الإسلامية ببرقة خلال عهدي عثمان بن عفان وعلى بن أبى طالب رضي الله عنهما، ونأى بنفسه عن أحداث الفتنة التي وقعت بين المسلمين، وجعل شغله الشاغل الجهاد في سبيل الله ونشر الإسلام بين قبائل البربر ورد عادية الروم، فلما استقرت الأمور وأصبح معاوية رضي الله عنه خليفة للمسلمين، أصبح معاوية بن حديج والي على مصر.
وكان أول قرار أخذه هو إرسال عقبة بن نافع إلى الشمال الأفريقي لبداية حملة جهادية قوية وجديدة لمواصلة الفتح الإسلامي، الذي توقفت حركته أثناء الفتنة وذلك سنة تسع وأربعون من الهجرة، وكانت هناك عدة بلاد قد خلعت طاعة المسلمين بعد اشتعال الفتنة بين المسلمين، منها ودان وأفريقية وجرمة وقصور خاوار، فانطلق الأسد العنيف عقبة ورجاله الأشداء على هذه القرى الغادر أهلها وأدبهم أشد تأديب، فقطع أذن ملك ودان، وأصبع ملك قصور كوار حتى لا تسول لهم أنفسهم محاربة المسلمين مرة أخرى، مع العلم أن هذا الأمر لا يجوز شرعا لأنه مثله ولكن عقبة اجتهد في تأديبهم بما يردعهم عن المعاودة للخلاف وبعد أن طهر عقبة المنطقة الممتدة من حدود مصر الغربية إلى بلاد أفريقية تونس.
من الأعداء والمخالفين، أقدم عقبة على التغلغل في الصحراء بقوات قليلة وخفيفة لشن حرب عصابات خاطفة في أرض الصحراء الواسعة ضد القوات الرومية النظامية الكبيرة التي لا تستطيع مجاراة المسلمين في حرب الصاعقة الصحراوية، واستطاع عقبة بن نافع وجنوده أن يطهروا منطقة الشمال الأفريقي من الحاميات الرومية المختلفة ومن جيوب المقاومة البربرية المتناثرة، ولم يكن عقبة بن نافع قائدا عسكري محض فقط، بل كان صاحب عقلية مبدعة وفكر استراتيجي فذ وهو يصح أن يطلق عليه خبير بشئون المغرب والشمال الأفريقي، ومن خلال حملاته الجهادية المستمرة على الشمال الأفريقي، أدرك أهمية بناء مدينة إسلامية في هذه البقاع وذلك لعدة أسباب من أهمها.
تثبيت أقدام المسلمين والدعوة الإسلامية هناك وذلك أن عقبة قد لاحظ أمرا هاما أن أهل الشمال الأفريقي إذا جاءهم المسلمون يظهرون الإسلام وإذا انصرفوا عنهم رجعوا مرة أخرى إلى الكفر، فكان بناء مدينة إسلامية خير علاج لهذه الظاهرة الناجمة، عن غياب قاعدة إسلامية ثابتة للإسلام لنشر الهدى والنور وسط ظلمات البربر، وضرورة تكوين قاعدة حربية ثابتة في مواجهة التهديدات الرومية المتوقعة بعد فتح الشمال الأفريقي، وأن تكون هذه المدينة دار عزة ومنعة للمسلمين الفاتحين، ذلك لأنهم تفرقوا في البلاد كحاميات على المدن المفتوحة، وهذا التفرق قد يورث الضعف والوهن مع مرور الوقت خاصة لو دهم عدو كبير العدد هذه البلاد.