الدكروري يكتب عن أبو محجن شارب الخمر

الدكروري يكتب عن أبو محجن شارب الخمر

بقلم / محمـــد الدكـــروري
إنه لا يجوز تعطيل حد من حدود الله عز وجل، فإقامة الحدود من شعائر الإسلام التي لا يجوز تعطيلها، فكان أبو محجن رضى الله عنه، قد اتهم بشرب الخمر، وقصته أنه خرج مع المجاهدين في معركة القادسية، وقد حبسه سعد فى المعركة، ومنعه من القتال من أجل المسكر، فلما اشتد القتال، وكان أبو محجن قد حبس وقيد في القصر، فأتى سلمى بنت خصفة امرأة سعد، فقال لها هل لك إلى خير؟ قالت وما ذاك؟ قال تخلين عني وتعيرينني البلقاء، وهو فرس سعد فلله علي إن سلمني الله أن أرجع حتى أضع رجلى في قيدي، وإن أصبت فما أكثر من أفلت، فقالت ما أنا وذاك، فقال حزين على نفسه، والأبطال في حلبة القادسية، وهو مقيد، كفى حُزنا أن ترد الخيل بالقنا، وأترك مشدودا عليّ وثاقيا، ولله عهد لا أخيس بعهده.
لئن فرّجت أن لا أزور الحوانيا، فسمعت سلمى منه، وهو يردد هذه الأبيات، فقالت إني استخرت الله، ورضيت بعهدك، فأطلقته فأبلى بلاء حسنا، وعندما علم سعد دعا به، فحلّ قيوده، وقال لا نجلدك على الخمر أبدا، قال أبو محجن وأنا والله لا أشربها أبدا، ولكن من الذي لا يخطئ؟ ومن الذى لا يزل؟ فإن كل بني آدم خطاء، لكن الخطيئة فى الإسلام ليست وصمة عار تبقى ملاصقة للمرء لا فكاك عنها، فخير الخطائين التوابون، فالخطيئة تعالج بالتوبة، والسيئة تمحوها الحسنة بعدها، وإن المخطئين والمذنبين ليسوا عناصر فاسدة في المجتمع المسلم لا يمكن الاستفادة من طاقاتهم، ولو أن كل من أخطأ أو أذنب استبعد من كل شيء لتعطلت كثير من المصالح والأنشطة، ولكن ما فعله سعد مع أبي محجن رضى الله عنهما.
من تركه إقامة الحد عليه ليس من تعطيل حدود الله تعالى، ولكنه لما رأى ما أبلى به أبو محجن من بلاء حسن فى الحرب ، وبذله نفسه في سبيل الله ، وعلم من حاله صدقه في التوبة من الشراب درأ عنه الحد، وليس هذا تعطيلا له، وإنما هو من باب محو السيئة السالفة بالحسنة الماحية، وأن التوبة تجبّ ما قبلها، وقد تكلم الحافظ ابن حجر رحمه الله على ما فى قصة أبي محجن، من ذكر الخمر، وعدم حد سعد له، قال” وقد عاب ابن فتحون، أبا عمر ويعنى ابن عبد البر، على ما ذكره فى قصة أبي محجن أنه كان منهمكا في الشراب فقال كان يكفيه ذكر حدّه عليه، والسكوت عنه أليق” والأولى في أمره هو ما أخرجه سيف في الفتوح أن امرأة سعد سألته فيم حبس؟ فقال والله ما حبست على حرام أكلته ولا شربته.
ولكني كنت صاحب شراب في الجاهلية فندّ كثيرا على لساني وصفها، فحبسني بذلك، فأعلمت بذلك سعدا، فقال اذهب، فما أنا بمؤاخذك بشيء تقوله حتى تفعله، وقال الحافظ ابن حجر رحمه الله، قلت سيف ضعيف، والروايات التي ذكرناها أقوى وأشهر، وأنكر ابن فتحون قول من روى أن سعدا أبطل عنه الحد، وقال لا يظن هذا بسعد، ثم قال لكن له وجه حسن ولم يذكره، وكأنه أراد أن سعدا أراد بقوله لا يجلده في الخمر، بشرط أضمره، وهو إن ثبت عليه أنه شربها، فوفقه الله أن تاب توبة نصوحا، فلم يعد إليها كما في بقية القصة، وقد ذهب بعض أهل العلم إلى أنه إنما أخر قيام الحد عليه، لأن الحدود لا تقام فى أرض الحرب، فإذا رجع أقيم عليه الحد، فالحد إنما أخر لعارض.
كما يؤخر لمرض أو شغل، فإذا زال العارض، أقيم الحد، لوجود مقتضيه، وانتفاء معارضه، وقال ابن القيم رحمه الله ” وأكثر ما فيه تأخير الحد لمصلحة راجحة إما من حاجة المسلمين إليه أو من خوف ارتداده ولحوقه بالكفار، وتأخير الحد لعارض أمر وردت به الشريعة، كما يؤخر عن الحامل والمرضع وعن وقت الحر والبرد والمرض فهذا تأخير لمصلحة المحدود فتأخيره لمصلحة الإسلام أولى”

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *