الدكروري يكتب عن أول من بايع الإمام للخلافة
بقلم محمد الدكـــروري
بعد استشهاد الخليفة الراشد الثالث عثمان بن عفان رضي الله عنه وحين بايع الناس الإمام علي بن أبي طالب رضي الله عنه بالخلافة كان مالك الأشتر هو أول من بايعه، وكان من المقربين منه، وقد أرسله الإمام علي بن أبي طالب واليا على مصر، وقد قرر معاوية بن أبي سفيان التخلص من مالك باعتماده على عمرو بن العاص الذي وعد أحد رجاله أن يسقي السم لمالك مقابل اعفائه من الضرائب مدى الحياة، وعندما نزل مالك الاشتر عند إحدى البيوتات المصرية مكر عميل عمرو بن العاص به ووضع السم في العسل، وقيل أنه قال عنه الإمام علي بن أبي طالب حين بلغه خبر وفاته ” جزى الله مالك خيرا، كان عظيما مهابا، أكبر من الجبل، وأشد من الصخر، والله لقد تزلزلت بموته عالم وأمة.
وفرح بموته عالم وأمة، فلمثل مالك فلتبكي البواكي” ويقول ابن أبي الحديد المعتزلي في شرح النهج لو اقسم أحد بأن الله لم يخلق في العرب والعجم شخصا أشجع من مالك إلا أمير المؤمنين علي لم يأثم، وقال المزي روي عن عبد الله بن سلمة قال دخلنا على عمر بن الخطاب رضى الله عنه معاشر وفد مذحج، فجعل ينظر إلى الأشتر ويصرف بصره، فقال لى أمنكم هذا؟ قلت نعم، قال ماله قاتله الله، كفى الله أمة محمد شره والله إني لأحسب للمسلمين منه يوما عصيبا، وعندما مات الأشتر فدفن في قرية القلج وكانت بعيدة عن الفسطاط القديمة آنذاك، وهي الآن ما زالت تسمى القلج وهي إحدى أحياء المرج، والمرج هي المدخل الشمالي الشرقي لمدينة القاهرة والمدخل الجنوبي لمحافظة القليوبية.
وقيل أن هناك مقام لمالك الأشتر بقرية القلج بمحافظة القليوبية بمصر، ومالك بن الحارث بن عبد يغوث النخعي كانت كنيته أبو إبراهيم، وكان لقبه الأشتر وقد ولد في اليمن في بني نخع، الذين انتقلوا إلى الكوفة بعد امتداد الإسلام، ثم توزّع أفراد نخع على مدن العراق، ورغم أن مالكا أسلم على يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم، وحسن إسلامه، فإن شهرته تقوم على كونه كان قائدا لجيش الإمام على بن أبى طالب، وحامل لوائه، وقد وصفه عارفوه فقالوا كان فارسا مغوارا، مديد القامة، مهيب الطلعة، وكان عالما، شاعرا، وكان سيد قومه بلا منازع، وقد أرسله أبو عبيدة بن الجراح إلى سعد بن أبي وقّاص، مع جماعة، ليشد أزره في العراق، وكان قد اشترك في موقعة اليرموك فأبلى فيها بلاء حسنا.
ثم انحاز بعد ذلك إلى جانب الإمام علي بن أبى طالب عليه السلام، فوضع نفسه تحت تصرفه، وقد اتهمه خصومه بضلوعه في فتنة مقتل عثمان بن عفان وقد رافقها هرج ومرج شديدان، وبعد ذلك يفاجأ مالك بازدحام الناس على الإمام على بن أبى طالب، في داره، متهافتين على بيعته بجلبة وضوضاء وإصرار، فيقول في نفسه ما أبعد الليلة عن البارحة، لطالما كان هؤلاء يمنعونه من الخلافة، وبالقوة، ويحولون بينه وبينها، وينزل الإمام على بن أبى طالب، على رغبة هؤلاء الناس الذين ضاقت بهم داره، وهم يتوسلون مستعطفين ومن لها غيرك با أبا الحسن ؟ اتق الله فينا الآن، ويفكر مالك الأشتر في هذا الأمر الطارئ مليّا، وهو الذي يعرف صاحبه عليّا كرم الله وجهه والمنطلق الذي يصدر عنه، إنه الذي لا تعدل الدنيا في عينيه عفطة عنز، أو جناح بعوضة ما لم يقم حقا أو يزهق باطلا.