الدكروري يكتب عن رفض الثوار أمر الخليفة عبد الملك
الدكروري يكتب عن رفض الثوار أمر الخليفة عبد الملك
بقلم / محمـــد الدكـــروري
لقد ذكرت المصادر التاريخية كما جاء في كتاب السيرة النبوية الشريفة أنه عندما رفض الثوار الذين كانوا بقيادة عبد الرحمن بن الأشعث العرض من الخليفة عبد الملك بن مروان بعزل الحجاج بن يوسف عن العراق أمر عبد الملك بن مروان، الحجاج أن يواصل قتالهم، ويكون هو الأمير على الجميع، فاعتمد الحجاج سياسة النفس الطويل والمصابرة، فصف جيوشه أمام جيوش الثائرين ونشبت حرب أشبه ما تكون بحرب الاستنزاف بين الفريقين، ودخلت سنة ثلاثه وثمانين من الهجره، والجيشان بينهما مبارزات فردية كل يوم، وأحيانا تحمل مجموعة من هذا الجيش على الآخر والعكس، حتى إن جيش ابن الأشعث كسروا أهل الشام، وهم جيش الحجاج، بضعا وثمانين مرة ينتصرون عليهم.
ومع هذا فالحجاج ثابت في مكانه صابر ومصابر، لا يتزحزح عن موضعه الذي هو فيه، وكان له خبرة كبيرة بالحروب ففي أثناء القتال كان يتقدم قليلا فقليلا وشيئا فشيئ، وإذا تقدم شبرا لا يتزحزح عنه، وما زال هكذا حتى قرر القيام بعمل ينهي هذه الثورة العاتية فأمر جنوده بالحمل مرة واحدة على موضع قوة جيش ابن الأشعث وهم كتيبة القراء، وركز هجومه على هذه الكتيبة حتى قتل منهم خلقا كثيرا، وكان ذلك سبب انهزام باقي الجيش الذي اضطرب نظامه واختلت صفوفه وفروا في كل اتجاه، وفر ابن الأشعث من أرض المعركة، فأتبع الحجاج الفارين جيشا آخر فلحق بهم، وأمعن فيهم القتل والأسر، وسار خلفهم يحرر البلاد والأقاليم، التي دخلت في طاعة ابن الأشعث.
وقد فرَّ ابن الأشعث ومن معه إلى بلاد الملك رتبيل، ودخل في جواره، وأكرمه رتبيل وعظمه، واجتمع بخراسان مجموعة كبيرة من جيشه، وكتبوا إليه ليقدم عليهم، ليعيدوا الكرة مرة أخرى على الحجاج، ولكن جهودهم لم يكتب لها النجاح، وعاد عبد الرحمن بن الأشعث إلى الملك رتبيل وأقام عنده، وأخذ الحجاج يتتبع كل من خرج من ابن الأشعث وأمعن فيهم القتل حتى قيل أنه قد قتل منهم صبرا بين يديه، مائة وثلاثين ألفا آخرهم سعيد بن جبير، ثم أرسل الحجاج إلى رتبيل يتوعده ويتهدده ويقول له “والله الذي لا إله إلا هو، لئن لم تبعث إليَّ بابن الأشعث لأبعثن إلى بلادك ألف ألف مقاتل وأخربنها”، فأرسل رتبيل يشترط عليه ألا يقاتله الحجاج عشر سنين، وألا يؤدي في كل سنة إلا مائة ألف من الخراج فوافق الحجاج.
فعندها غدر رتبيل بابن الأشعث وقتله وأرسل برأسه للحجاج، وهذا جزاء من ظن أن في الكفار ملجأ ومأمنا، وهكذا انتهت هذه الثورة التغييرية التي ما جنت ولا ثمرة واحدة، وخلفت ورائها عشرات آلاف من القتلى، وأضعفت الأمة وبقي الظلم كما هو، ذلك لأنها قد انحرفت بأهدافها عن إزالة الظلم إلى طلب الدنيا وطلب الثأر بأحقاد قديمة، وحتى لا نتأثر نحن داخليا فعلينا أن نحسم الصراعات مع الآخرين بشكل كامل وبطريقة سليمة، لأن الصراع الخارجي مع الأشخاص الآخرين غير المحسوم يؤدي إلى صراع نفسي داخلي مزعج ومقلق، وهذه حقيقة يجب ألا تغيب عن بالنا،وبخاصة أنها قد تتطور لينتج عنها نوع من المرض النفسي، ولنتجنب الدخول في صراعات جديدة علينا أن نفهم ما هي الظروف التي تتسبب في حدوث الصراعات بين الناس.