الطلاق الشفوي

الطلاق الشفوي

كتب/ الشيخ/ طه أبو بكر طه عبدالمعطي

أقرت هيئة كبار علماء الأزهر الشريف، وقوع الطلاق الشفوى المستوفى أركانه وشروطه، هو ما استقر عليه المسلمون منذ عهد النبى محمد صلى الله عليه وسلم، وأكدت أنه على المطلق أن يبادر في توثيق هذا الطلاق فور وقوعِه؛ حفاظا على حقوق المطلقة وأبنائها.

وشددت هيئة كبار علماء الأزهر الشريف على أنه من حق ولى الأمر شرعا أن يتخذ ما يلزمُ من إجراءاتٍ لسن تشريعٍ يكفل توقيع عقوبة تعزيرية رادعة على من امتنع عن التوثيق أو ماطَل فيه، محذرة المسلمين كافة من الاستهانة بأمر الطلاق، ومن التسرع فى هدم الأسرة، وتشريد الأولاد.
((مسألة الطلاق بالكتابة))
إذا كان الرجل غائبًا، فكتب إلى زوجته بطلاقها، وقع الطلاق إذا نواه، عند جماهير أهل العلم من الأئمة الأربعة وغيرهم ويدلُّ على هذا:

1 – حديث فاطمة بنت قيس: أن أبا عمرو بن حفص طلقَّها ألبتة وهو غائب، فأرسل إليها وكيله بشعير فسخطته، فقال: والله ما لك علينا من شيء، فجاءت رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكرت له، فقال: “ليس لك عليه نفقة” …

2 – عن الزهري قال: “إذا كتب إليها بطلاقها، فقد وقع الطلاق عليها، فإن جحدها استُخلف”

3 – وعن الحسن البصري -في رجل كتب بطلاق امرأته ثم محاه قبل أن يتكلَّم- قال: “ليس بشيء إلا أن يمضيه أو يتكلم به”

4 – وعن إبراهيم النخعي قال: “إذا خط الرجل بيده الطلاق فهو طلاق”

5 – ولأن الكتابة حروف يُفهم منها الطلاق، فإذا أتى فيها بالطلاق وفهم منها ونواه، وقع كاللفظ.

بينما ذهب أبو محمد بن حزم -رحمه الله– إلى أن الطلاق لا يقع إلا على اللفظ، وأما الكتابة فلا تكون عنده طلاقًا (!!) والحديث حجة عليه، فالصحيح وقوع الطلاق بالكتابة مع النية له، فإن لم ينو الطلاق لم يقع -عند الجمهور- “لأن الكتابة محتملة، فإنه قد يقصد بها تجربة القلم، وتجويد الخط، وغمَّ الأهل، فلم يقع ككنايات الطلاق، ولأنه لو نوى باللفظ غير الإيقاع لم يقع، فالكتابة أولى

وقد اشترط فقهاء الحنفية لوقوع الطلاق بالكتابة أن تكون: (مستبينة ومرسومة) ومعنى كونها مستبينة: أن تكتب على الصحيفة أو الحائط أو نحو ذلك بحيث يمكن فهمها وقراءتها ومعنى كونها مرسومة عندهم أن يكون الطلاق مصدرًا ومعنونًا، أي مرسلًا باسمها.

((قال الشيخ محمد فرج السنهوري.))

وذكر أن اشتراط الشهود لوقوع الطلاق له عدة فوائد، وهي:

«1ـ أنه يقلل بشكل كبير من نسبة الطلاق.

2ـ أنه يتوافق وينسجم مع روح الشريعة الإسلامية التي تميل إلى حفظ الحقوق، بالتوثيق الشديد من حيث الشهود، فكما يشترط في الزواج بأقوال الفقهاء، فاشتراطه في الطلاق أولى ومهم أيضًا.

3ـ يعطي الزوج فرصة لمراجعة نفسه، وعدم اتخاذ القرار إلا بعد تفكر وتأنٍ.

4ـ يفتح بابًا للشهود أن يقوموا بدور فى الإصلاح بين الزوجين، قبل الذهاب إلى الطلاق رسميًّا».

الألباني: السنة في الطلاق الإشهاد

فقد أفتى بوجوب الإشهاد على الطلاق، حيث جاءه سؤال عن الإشهاد، وهل هو شرط لصحة الطلاق أم لا؟ فكانت إجابته أنه شرط من شروط صحة الطلاق، وقاس ذلك على اختلاف العلماء حول وقوع الطلاق البدعي، هل ينفذ أم لا ينفذ، وقال إن الأصل فيه أنه لا ينفذ، وكذلك الطلاق، فإن السنة فيه الإشهاد، وعليه فإن الطلاق بغير إشهاد يعتبر طلاقًا بدعيًّا، لا ينفذ. وكما أن النكاح لا يتحقق إلا بالشهود العدول، فإن الطلاق -والذي هو أخطر منه إذ يترتب عليه هدم الأسرة- لا يتحقق إلا بشهود عدول أيضًا، بحسبه.

يقول الألباني: «الطلاق وضع له الشارع الحكيم شروطًا، وهذه الشروط هي في الواقع كالعرقلة لمنع وقوع هذا الطلاق، لأن الطلاق -كما قلنا- يترتب من ورائه هدم الأسرة، فقال إن السُّنّـة الإشهاد، فكأن الشارع الحكيم يقول للمطلق: لو عزمت على الطلاق وأردت تنفيذه فأتِ بشاهدين، كما إذا أردت أن تنكح«.

ثانياً: مسألة الإشهاد على الطلاق: للشيخ أبو مالك كمال بن السيد سالم:

[[استحب جماهير العلماء من السلف والخلف منهم الأئمة الأربعة وغيرهم أن يُشهد الرجلُ على طلاقه، لما فيه من حفظ الحقوق، ومنع التجاحد بين الزوجين، قال تعالى: {فإذا بلغن أجلهن فامسكوهن بمعروف أو فارقوهن بمعروف وأشهدوا ذوي عدل منكم وأقيموا الشهادة لله}

وقد حملوا الأمر بالإشهاد في هذه الآية على أنه أمر ندب لا إيجاب، وقد يؤيد هذا الحمل:

1 – حديث ابن عمر: أنه طلق امرأته وهي حائض على عهد رسول الله – صلى الله عليه وسلم -، فسأل عمر بن الخطاب رسول الله – صلى الله عليه وسلم – عن ذلك، فقال رسول الله – صلى الله عليه وسلم -: «مره فليراجعها …» الحديث

وليس فيه الأمر بالإشهاد على الطلاق ولا على الرجعة.

2 – وعن ابن عمر «أنه طلق امرأته صفية بنت أبي عبيد تطليقة أو تطليقتين فكان لا يدخل عليها إلا بإذن، فلما راجعها أشهد على رجعتها ودخل عليها»

3 – أن الطلاق ورد في عدة آيات غير مقرون بالإشهاد، وكذلك في السنة.

4 – أن الطلاق من حقوق الزوج، فلا يحتاج إلى بيِّنة كي يباشر حقه.

5 – أنه كسائر الإشهاد.

وقد نقل غير واحد من أهل العلم الإجماع على أن الإشهاد على الطلاق مستحب غير واجب، إلا أن هذه دعوى غير مسلَّمة، فقد رُوي القول بوجوب الإشهاد عن علي بن أبي طالب (!!) وعمران بن حصين – رضي الله عنهما –، وعطاء وابن جريج وابن سيرين، وهو القول القديم للشافعي – ثم استقر مذهبه على الاستحباب – وبه قال أبو محمد بن حزم، وهو مذهب أهل البيت – رضي الله عنهم -، ويُستدل لهم بما يلي:

1 – ظاهر الأمر في قوله تعالى: {وأشهدوا ذوي عدل منكم} وهو يقتضي الوجوب.

2 – أن الله تعالى قد قرن في الآية بين المراجعة والطلاق والإشهاد، فلا يجوز إفراد بعض ذلك عن بعض، فكل من طلَّق ولم يشهد ذوي عدل أو راجع ولم يشهد ذوي عدل متعدٍّ لحدود الله تعالى))

3 – عن مطرف بن عبد الله: أن عمران بن حصين سئل عن الرجل يطلق امرأته ثم يقع بها، ولم يُشهد على طلاقها ولا على رجعتها؟ فقال: «طلقت لغير سنة، وراجعت لغير سنة، أُشْهِدْ على طلاقها، وعلى رجعتها، ولا تعد))

فدلَّ على أن السنة الإشهاد، لكن لا يخفى أنه لا يدل على الوجوب، لتردد كونه من سنته – صلى الله عليه وسلم – بين الإيجاب والندب.

قلت: لو قيل بوجوب الإشهاد على الطلاق وتوثيقه لم يكن هذا بعيدًا، بل ربما يتعيَّن ذلك لاسيَّما في هذا الزمان الذي خربت فيه الذمم، ورقَّ منه الدين، منعًا للتجاحد، وحسمًا لمادة الخلاف والنزاع، وما نسمع به ونراه مما تعج به محاكم الأحوال الشخصية من القضايا والحوادث الناجمة عن عدم توثيق الطلاق والإشهاد عليه، ليحملنا على القول بوجوبه وإثم تاركه. على أنه ينبغي التنبيه على أن هذا الإشهاد ليست شرطًا في صحة الطلاق وإنما قد يأثم تاركه، والله تعالى أعلم بالصواب.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *