الكايزن
بقلم د/ شيرين العدوي
في فترة الكساد العالمي وعند سقوط فرنسا بين يدي الألمان النازيين عام 1940م، وقفت أمريكا موقفا صعبا أمام حلفائها؛ إذ كانوا في حاجة ملحة إلى المعدات العسكرية الأمريكية.وكان على المصنّعين الأمريكيين أن يطورها كما وكيفا دون إغفال عنصر الوقت. وضاعف من هذا التحدي فقدان الكثيرين من مشرفي المصانع المؤهلين الذين انخرطوا في القوات المسلحة حيث كانت أميركا منهمكة في إجراءات الحرب.
للتغلب على هذا ابتكرت الولايات المتحدة دورات إدارية أطلقت عليها (TWI) أي: التدريب في إطار التصنيع. وحملت هذه الدورات البذور الأولى لما سيسمى في اليابان في زمن آخر باسم “الكايزن”. لقد كان هدف هذه الدورات تشجيع التغيير الأكثر تجديدا والأبعد مدى. لقد ساعدت هذه الدورات المدراء على التحسين المستمر في الأداء عن طريق كتاب إرشادي للمشرفين على العمل يحض على:”تحري مئات الأشياء الصغيرة التي بوسعهم تحسينها،مع عدم محاولة تصميم منظومة كاملة جديدة لتقسيم العمل،أو السعي وراء تركيب جديد وضخم لأجهزة ومعدات عمل حديثة”؛ ذلك لأنهم ليس لديهم الوقت لعمل قفزات كبرى. وقد ساعدهم هذا جدا على تحسين المهام الموجودة بالفعل بالأجهزة المتاحة. وكان من الدعاة المناصرين للتحسين المستمر لدعم الموقف الصناعي الأمريكي أثناء الحرب د/ دبليو إدوارد ديمنج مع فريق لمتابعة الجودة؛ فدرب المدراء ليشركوا كل الموظفين في عملية التحسين. إن عامل الوقت الضاغط جعل اللجوء للنخبة المثقفة رفاهية باهظة التكاليف لاتحتاجها اللحظة الراهنة وقتها. وكانت الفكرة تشجيع الجميع بداية ممن هم في أدنى درجات السلم الوظيفى وصولا لشاغلى المواقع القيادية العليا لإيجاد طرق صغيرة لرفع جودة المنتجات والارتقاء بصناعتها. وكانت صناديق المقترحات موضوعة في كل مكان لتتلقف أفكار العاملين لتحسين الإنتاج. والتزم المدراء بالتعامل مع كل مقترح وتعليق بجدية بالغة. ربما تبدو هذه الطريقة غير ناجحة لكن ما حدث كان مفاجأة. رفعت هذه الخطوات الصغيرة من قدرة التصنيع الأمريكي بسرعة مذهلة. وكانت جودة المعدات الأمريكية وسرعة إنتاجها عاملين أساسيين في انتصار قوات الحلفاء.
هكذا شرح لنا د/روبرت مورير في كتابه ” طريقة الكايزن” هذا المصطلح الياباني الذي يعني فلسفة الخطوات الصغيرة من أجل تحسين الأداء؛ ولقد تم تقديم هذه الفكرة لليابان؛ عندما حاولت قوات الاحتلال تحت قيادة الجنرال “دوجلاس جاك آرثر”إعادة بناء البلد المدمر. فقام باستدعاء المختصين في برنامج التدريب الأمريكي) (TWI وكان المدربون يؤمنون و يتحدثون عن تلك الفلسفة. وقد نظموا فصلا دراسيا في الإدارة والإشراف من أجل رجال الأعمال والإداريين اليابانيين. استلهمت اليابان هذه الفكرة من أجل تحسين شركاتها بل وظهر تفوقها جليا في أواخرالقرن العشرين حتى لقبت اليابان من قبل المبهورين بتجربتها “بكوكب اليابان”. ففى نهاية الخمسينيات قام الاتحاد الياباني للعلماء والمهندسين (JUSE) بدعوة “ديمنج” لتقييم التجربة التي حققت نجاحا باهرا. مما جعل اليابانيين يطلقون على هذه الفلسفة اسما خاصا بهم وهو “الكايزن”. ألا تستطيع مصر تطبيق تلك الفلسفة بدلا من تصفية المصانع التي كانت تعد عماد التصنيع في مصر كمصنع الحديد والصلب وغيره. فعلينا ألاننشد تحسنا هائلا سريعا بل نسعى لتحسن ضئيل واحد كل يوم لننجح في النهاية.