وفي الإطار نفسه، محفل لندن قاطع محافل فرنسا، بعد إعلان الدولة الفرنسية دولة عَلمانية، أي فصل الدين عن الدولة.
بالرغم مما يُنشر بين الحين والآخر عن انضمام رؤوساء ووزراء وعلماء ومفكرين ومشايخ ومثقفين وفنانين، وغيرهم من أصحاب المناصب الرفيعة والمؤثرة إلى هذه الحركة، مازالت صفة “الماسوني” تهمة وأحياناً خطيرة تلاحق الشخص الذي ينتمي إليها. فما هي الماسونية؟ ولماذا كل هذا اللغط حولها؟
لا يوجد توصيف واحد للماسونية، فاللغط وتضارب الآراء والتأويل، أول ما يلفت انتباه أي باحث. وذلك نظراً للسرية الكبيرة المحاطة بها. فكل ما يُكتب أو ينشر عنها، إما نتاج لأحكام مسبقة، وهي آراء بغالبها لا تستند إلى وقائع حقيقية بقدر ما هي فانتازيا الكتّاب أنفسهم.
حتى الكتب الموثقة من أصحاب الشأن والتجربة، تضيء على جانب من الحقيقة، كبير أو صغير، ولكن ليس كلها. قد يرجع ذلك إلى أن أصحاب تلك الكتب، لهم تجارب غير مكتملة في الحركة الماسونية. أو لأن طبيعة التدرج والانتقال بين درجات الماسونية، لا تتيح معرفة أسرار الدرجة الأعلى لمن هم في درجة أدنى، فكيف بالنسبة إلى أشخاص خارج هذه التجربة كلياً.. بالإضافة إلى أنه “لا ينبغي تسريب أسرار معينة. السر الحقيقي يكمن في تجربة الطقوس. وهذا هو السر المطلق الذي لا يمكن خيانته”. بحسب الخبير في الأيديولوجيات والأديان ماتياس بولمان.
يشير بولمان إلى أنه “في السنوات الأخيرة، صار لدى الناس معرفة أفضل بكثير من قبل عن الماسونية. وأعتقد أن هذا تطور مهم. فبعض المحافل تسمح للناس المشاركة في (يوم المعالم المفتوحة)، وتفتح أبوابها خلال (ليلة المتاحف الطويلة) في برلين”.
كما أن طبيعة الموقف من الماسونية، سلبياً كان أم إيجابياً، بين الماسونيين الذين خرجوا أو استقالوا من محافلهم، يعود إلى طبيعة المحفل الذي كانوا ينتمون إليه. فالمحافل الماسونية ليست واحدة التوجه والأهداف والعمل. تختلف باختلاف الدول التي نشأت فيها، وباختلاف مؤسسي هذه المحافل وخلفياتهم، السياسية والدينية.
تُعرّف الموسوعة البريطانية الحركة الماسونية بأنها “تعاليم وممارسات النظام الأخوي السري،للرجال فقط من الماسونيين الأحرار والمقبولين. هي أكبر جمعية سريّة في جميع أنحاء العالم. وانتشرت بفضل تقدم الإمبراطورية البريطانية، وظلت أكثر الجمعيات شعبية في الجزر البريطانية، وفي البلدان الأخرى التي كانت موجودة أصلاً داخل الإمبراطورية”.
كما يُعرّف قاموس Toupie الفرنسي الماسونية أنها: “في الأصل، كانت الماسونية أخوية دينية للبنائين الإنكليز في القرن الـ12. يعود اسمها وبعض استخداماتها إلى نقابات البنائين في العصور الوسطى. وأتت الأشكال الأخرى من طقوسها لاحقاً، من طقوس عبادة زرادشت. وظهرت الماسونية الحديثة في القرن الـ17 في بريطانيا العظمى، في اسكتلندا تحديداً، قبل أن تنتشر في أوروبا خلال القرن الـ18”.
يوجد في الماسونية 3 مراتب وهي: المبتدىء، والزميل أو المُرافِق، والخبير أو المعلم البنّاء.
من غير المعروف تحديداً شروط وكيفية الانتقال من مرتبة إلى أخرى. ما هو معروف طقوس قبول العضو كمبتدىء في أي محفل ماسوني.
من تلك الطقوس وضع عصابة على عيني العضو أثناء أدائه لليمين. ويفسر الماسونيون وضع عصابة، على أنها ترمز إلى الجهل أو الظلام الذي كان فيه الشخص قبل اكتشافه لحقيقة نفسه عن طريق الماسونية. وإن هذه العصابة سترفع عندما يصبح المبتدئ الذي أدى القسم مستعداً لاستقبال الضياء.
وبالنسبة للحبل المستخدم أثناء تأدية قسم العضوية، فيفسره الماسونيون كرمز للحبل السري الذي يعتبر ضرورياً لبدء الحياة، لكنه يقطع أو يستبدل بعد القسم بمفاهيم الحب والعناية التي تعتبر ضرورية لإدامة الحياة.
يتدرج الماسوني على سلم يتألف من 33 درجة. البعض ينفي وجود هذه الدرجات لكن الوثائق بغالبيتها الساحقة تثبت وجودها.
ليس هناك ما يشير إلى مؤسس الماسونية، ولا يوجد حتى الآن وثائق، قديمة أو جديدة، تتحدث عن شخص واحد مؤسس للماسونية، بما في ذلك الكتب والمراجع المتوفرة.
يقول الكاتب والمؤرخ اللبناني جرجي زيدان الذي كان ماسونياً، في كتابه “تاريخ الماسونية العام” إن “مهد هذه الجمعية رومية (روما)، وأول اجتماع التأم تحت اسم البناية (البناؤون) كان في العام 715 ق.م، بأمر نوما بومبيليوس وتحت عنايته (..) فبعد موت بانيها “روملس” أصبحت في احتياج لمن يحكم فيها وينظم أحوالها، (..) وأقرّ السراة ورجال الدولة على أن يختاروا لهم ملكاً من غير أبناء ملتهم، وأن يكون صابنيّاً (من إيطاليا) فأقر الرومانيون على انتخابه (بومبيليوس) ليحكم فيهم (..) وكان هذا الملك يعتقد بإله واحد واجب الوجود غير متغير وغير منظور، ولا ريب أنه كان عضواً في إحدى الجمعيات السرية المقدسة في ذلك العهد، لأن مثل هذا الاعتقاد كان معدوداً من التعاليم السريّة لا يباح به إلا لمن يستحقه (..) كان من المتعمقين في تلك الأسرار، ولعله كان من الكهنة العظام”.https://www.facebook.com/elomq.news
أما المراجع الأخرى فتتحدث عن نشأة الماسونية. فكيف نشأت؟
في نشأتها كما في توصيفها وتعريفها، لا يوجد كثير توافق. وهنا نعرض على القارىء بعض المراجع المعتمدة التي تتحدث عن النشأة وأسباب غياب أي توثيق لها.من الروايات المعروفة عن نشأة الماسونية، يوردها الكاتب الماسوني “بات مورغان” في كتابه “أسرار الماسونيين الأحرار”، والكاتبان الماسونيان “جون هاميل” و”روبرت غيلبرت” في كتابهما الموسوعي “الحركة الماسونية: احتفال بالصنعة”. ويؤكدون أن الماسونية هي امتداد لتنظيم عسكري “منقرض” كان يعرف باسم “فرسان الهيكل” ظهر في نهاية الحملة الصليبية الأولى (1095-1099) على المشرق العربي.