المتُعَلِمُون العَالمُون، المُّتَألمُون المُتَأَّمِلُون

بقلم الكاتب الصحفي والمفكر العربي الإسلامي الدكتور جمال عبد الناصر محمد عبد الله أبو نحل الأستاذ والمحاضر الجامعي غير المتفرغ المركز القومي للبحث العلمي والدراسات

كانت الأمة العربية، والإسلامية علي مَر العُصور، والسنين، والأزمنة العابرةِ، والغابرة، وَلاَدَةً، وفوُاحة مُرتاحة، ومّرِزَبة، تطرقُ كَالطوارقِ، والصواعق تعُجُ بِجحاَفلٍ من قوافلِ العُلماء العالمون العامُلون المتألقُونْ المُبدعون الرائعُون، الذين يزخرُ، ويفخر، ويتبختر، ويزمجرُ، ويُزهر، ويتعطر التاريخ البشري بإنجازاتهم العلمية الزاخرة الفاخرة، الباهرة، والمُبهرة، وفي ذاك الزمانٍ من القرون الماضية كان العالم،

وأوروبا تغرق في عصر الظلام، والجهل، بينما كان عُلماء العرب، والمسلمين منارةً مضيئة كالمصابيح، والقناديل المُنيرة تُبدد الدُجى وسواد الليل الحالك، فقَد برعوا في الطب، والهندسة، وعلم الفلك، والمنطق، والاجتماع، والطيران، والأدب، والشِّعِرْ، والأحياء، والكيمياء، والفيزياء، والذََّرَةِ،

والرياضيات الخ…؛. وأما اليوم فنحنُ نعيش في زمان انقلبت فيه الكثير من الموازين، وتغيرت المعاير، واختلط الحابل بالنابل؛ حيث ابتُلينا بحُكامٍ أغلبهم ظلمة، وفسقه، وفجرة؛ فلا يقدرون للعُلماء قدرهم، ولا ينُزِلون العلماء منازلهم والذين رفع الله عز وجل شأنهم في قوله تعالي:{ قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ }؛ وإن رسول الله صل الله عليه وسلم لم يُورِّث دينارًا ولا درهمًا،

وإنما وَرَّث العلم، فمن أخذه فقد أخذ حظًّا وافرًا؛ ولقد كانت أعظم شهادة قرآنية من الله جل جلاله للعلماء وذلك في قوله سبحانه وتعالى:﴿شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلاَّ هُوَ وَالْمَلائِكَةُ وَأُوْلُو العِلْمِ قَائِمًا بِالْقِسْطِ لَا إِلَهَ إِلاَّ هُوَ العَزِيزُ الحَكِيمُ﴾، وقال سبحانه:﴿قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ﴾ ، وفي قوله سبحانهُ:

﴿يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا العِلْمَ دَرَجَاتٍ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ﴾، وفي حديث أبي أمامه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «خُذُوا الْعِلْمَ قَبْلَ أَنْ يَذْهَبَ». قالوا: كيف يذهب العلم يا نبي الله،

وفينا كتاب الله؟ قال: فغضب النبي – صلى الله عليه وسلم – ثم قال: «ثَكِلَتْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ؛ أَوَلَمْ تَكُنِ التَّوْرَاةُ وَالْإِنْجِيلُ فِي بَنِي إِسْرَائِيلَ، فَلَمْ يُغْنِيَا عَنْهُمْ شَيْئًا؟ إِنَّ ذَهَابَ الْعِلْمِ أَنْ يَذْهَبَ حَمَلَتُهُ”؛وقال صل الله عليه وسلم:”” الدنيا ملعونةٌ، ملعونٌ ما فيها، إلا ذكر الله تعالى، وما والاه، وعالماً، أو متعلماً””،

ولقد حث النبي صل الله عليه وسلم علي فضل العلم، والعلماء ورفع درجة العالم علي العابد لله عز، وجل، فقال في الحديث الشريف: [ فضل العالم على العابد كفضلي على أدناكم”، ثم قال صلى الله عليه، وسلم: إن الله وملائكته وأهل السموات والأرض حتى النملة في جحرها وحتى الحوت ليصلون على معلمي الناس الخير””

، وإن العلماء ورثة الأنبياء، وإن الأنبياء لم يورثوا ديناراً ولا درهماً وإنما ورثوا العلم. فالعلم، والعلماء الأتقياء كالنُور الذي يُخرِج الناس من ظلمات الجهل، وهم الوسيلة الناجحة للبناء، والارتقاء والتعمير والتطوير والتنمية المستدامة،

وخاصة في مواءمة التطور العلمي والتقني والبحث العلمي وتطوير المناهج التعليمية بصورة متواصلة فالعالم بعد جائحة كورونا ليس كما قبلها؛ وسنكون أكثر حاجة للتعليم الالكتروني، والتعليم عن بعد، والمنصات التعليمة الالكترونية،

فنحن بحاجة ماسة للتطوير؛ وكل ذلك يحتاج لإكرام العلم والمتعلمين والعلماء وليس سحقهم ومحقهم وإذلالهم، وإفقارهم؛ لأن العلم يبني بيوتاً لا عماد لها،، والجَهَلُ يهدمُ بيوت الَعزِ، والكرم”، وإن للعلم، والعلماء أثر كبير علي الأمة أفراداً وجماعات وعلى جميع المجتمعات؛ ولننظر للمجتمعات المتقدمة اليوم والتي ينتشر فيها العلم، والرقي، وتزداد في المعارف تراها مجتمعات مرموقة في أخلاقها، ومناهجها التعليمية وفي تطورها، وتعاملها فيما بينها، وفي إكرامها للمُعلمين، والعلماء

؛ لأن العلم يضفي عليها صبغة الجمال والمال والرخاء، والتقدم، والتطور، والتفوق، والراحة والطمأنينة، والسكينة، والعيش الرغيد في حين ترى المجتمع الذي يسوده الجهل يكثر فيه الاضطراب والتناحر، والانتحار، والقتل، والتباغض؛ إضافةً إلى التخلف الذي يشهده، وكل هذا بسبب تفشي الجهل. ولذلك نقول إذا أراد العالم العربي والإسلامي أن يستأنف حياته، ويتحرر من رق العبودية والتبعية للغرب، والرجعية

، والتخلف فلابد من الاستقلال في المناهج التعليمية وتطويرها بشكل مُستدام، ومواءمة النظرية مع التطبيق، وإكرام المعلمين بل الإغداق عليهم وليس إغراقهم وخنقهم، وإفقارهم، فبالعلم والعلماء، وبالاستعداد الروحي، والتنمية والتطوير للمناهج، تنهض الأمة العربية والإسلامية، وتنشل الأمُة من الانهيار الذي يُهددها”،

فو الله لولا العلمُ ما اتضح الهدى، ولا لاح من غيب الأمور لنا رَسْمُ؛ وكان لقمان عليه السلام يوصي ابنه قائلاً: “يا بني جالس العلماء وتزاحمهم بركبتيك فان الله يحيي القلوب بنور الحكمة كما يحيي الأرض الميتة بوابل السماء”، ولقد كان العلم كان صفةً لازمةً للأنبياء. قال الصحابي الجليل عبد الله بن مسعود رضي الله عنه:” والذي نفسي بيده، ليودَّنَّ رجالٌ قُتلوا في سبيل الله شهداء،

أن يبعثهم الله علماء؛ لما يرون من كرامة العلماء، ويقول العلامة التابعي الحسن البصري رحمه الله: “يوزن مداد العلماء بدماء الشهداء، فيرجح مداد العلماء!!” وقَالَ أمير المؤمنين الفاروق عُمَرُ بن الخطاب رضي الله عنه : أَمَا إِنَّ نَبِيَّكُمْ صلى الله عليه وسلم قَدْ قَالَ: “إِنَّ اللَّهَ يَرْفَعُ بِهَذَا الْكِتَابِ أَقْوَامًا وَيَضَعُ بِهِ آخَرِينَ”،

ويقول علي بن أبي طالب رضي الله عنه: “إن من حق العالم أن لا تكثر عليه بالسؤال، ولا تعنته في الجواب، ولا تلح عليه إذا كسل، ولا تأخذ بثوبه إذا نهض، ولا تفشي له سرًّا، ولا تطلبن عثرته، وإن زل قبلت معذرته، وعليك أن توقره وتعظمه لله تعالى ما دام يحفظ أمر الله تعالى، ولا تجلس أمامه، وإن كانت له حاجة سبقت القوم إلى خدمته” وقال علي رضي الله عنه أيضًا: “العالم أفضل من الصائم القائم المجاهد، وإذا مات العالم ثلم في الإسلام ثلمة (أي: ثغرة) لا يسدها إلا خلفٌ منه”؛؛

وللأسف القادة والزعماء والأمراء والملوك العرب إلا من رحم الله يفعلون بالعلماء غير ذلك خاصة لمن لا يغرد لهُم؛ فلا يدخل الحظيرة، ولا يأكل من الفطيرة من خالفهم وإن كان علي حق وصواب وإنهم يرفعون الوضيع السفيه الجاهل في أعلي مقامٍ ومكان حسب الواسطة أو المحسوبية إن كان ابن وزير،

أو أمير ويضعون الرجل الغير مناسب في المكان المناسب، ويولون شرار الخلق، وأصحاب الجهل والجهالة أعلي المناصب والأماكن، وبينما العلماء والمعلمين تجدهم فقراء، ورواتبهم أقل الرواتب وهم الذين علي أياديهم تُنبي العقول والأمم والشعُوب!؛ وناهيك فوق كل ذلك أن أغلب العلماء العرب إنا يقهرون أو يقتلون أو يسجنون بسبب الحُكام الظالمين الذين ضيعوا البلاد والعباد، ولن تقوم للأمة العربية والإسلامية قائمة طالما يتكلم الرويبضة والجهُلاء في أمور العلماء والأدُباء

، ويتقدم الصفوف الخونة، والسُفهاء، ويُحارب المعلمون والعُلماء، مما يضطرُهم للهجرة خارج الأوطان بسبب جور، وقهر وقمع، وظلم ذوي السلطان، والحُكام لهم، فلن تفلح أُمة قتلت عُلمائها فكرياً وروحياً وجسدياًن ولن تقوم لنا قائمة إلا إن وضعنا الرجل المناسب في المكان المناسب وأكرمنا ورفعنا المُعلمين والعلماء في مكانهم المناسب؛ حتى لا يستمر هذا الزيف الهدار ويتحكم الغدار في الدار!؛

فالمتُعَلِمُون العَالمُون، المُتَأَّمِلُون لا يزالون يتألمون ولا يتكلمون!!.

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *