عظيمة هى أرض مصر بتاريخها وشعبها الأصيل ، فهم جزء من الأرض ورائحة التاريخ ومذاق الاتحاد والوحدة ، لقد حافظوا على وحدة هذا التراب منذ أمدً بعيد ، وسالت دماؤهم مسلمين وأقباط على هذه الأرض الطيبة لترفع علم الشموخ والانتصار على مدى عقود وعهود طويلة زاخرة بأمجاد هذا الشعب من البواسل المسلم والقبطى أخوه بوحدة الدم والأرض والتاريخ
، تتأصل فى نفوسهم نفس العقيدة وهى الايمان بالله ونبذ الحروب ويتنفسون نفس المفاهيم السمحة التى تحض على نبذ الكراهية والتناحر فالإسلام دين السلام والمسيحية دين المحبة ، وعلى الأرض نحيا بالمحبة والسلام .. وحدتنا هى أصل عراقتنا والتاريخ شاهد على العصر ،
فمصر هى أول من عرفت الوحدة الوطنية وكانت هى المسار والفلك الذى تبعته كافة الأمم ، فجاءت الوحدة الوطنية سابقة بقرون على فتح مصر على يد عمرو بن العاص و أتى لفتح مصر تحت راية السلام والإسلام ، ليس الذى كرهاً أو رغما عن أهل مصر من المسلمين والأقباط ، بل جاء الفتح الإسلامى لمصر لما كان يعانيه المصريون من إضطهاد للمسيحية ، حيث كان المصريون يعانوا من اضطهاد الرومان لعقيدتهم المسيحية أو المسلمون الذين يلتزمون بعقديتهم الإسلامية ، فكما جاء فى الإسلام الحنيف ” لا إكراه فى الدين “
فكان دخول عمرو بن العاص الى مصر بأمر من رسول الله صلي الله عليه وسلم حيث صاغ فى عهد كتبه عمرو بن العاص- و أخرجه الطبرى- عهد الله ورسوله وعهد أمير المؤمنين (بسم الله الرحمن الرحيم.. هذا ما أعطى عمرو بن العاص أهل مصر من الأمان على أنفسهم وملتهم وأموالهم وكنائسهم وصلبهم فى برهم وبحرهم لا يد خل عليهم شئ من ذلك ولا ينقص).
فجاء فتح مصر على يد عمرو بن العاص حاملاً رسالة السلام والاسلام لشعب مصر آمنين على حرية اختيار عقيدتهم اعمالا لأحكام الدين الحنيف بحرية العقيدة وقد شرفت مصر وشعبها بتلك الوصية النبوية الشريفة التى أوصى بها رسول الله ( ص ) وهو على فراش المرض ، حينما قال “قبط مصر فإنهم أخوال وأصهار وهم أعوانكم على عدوكم، وأعوانكم على دينكم “
، وهو أول دستور يحكم مصر منذ بداية الفتح الإسلامى- أقباطا أخوالا ومسلمين أعماما فى أسرة واحدة متعاونين فى أمور الدنيا متساندين فى شئون الدين تكريسا لحكم الدين الحنيف بأن الدين واحد والشرائع شتى، وإيمانا بالرسالات السماوية لا يفرق بين كتبه ورسله وأنبيائه أجمعين.
وهو ما رسخت معه حقوق الوطن والمواطنة والتى هى فريضة على الاسلام وهى حماية المسيحية وقبط مصر بإعتبارهم أهل الكتاب مع المسلمين ويقول المولى عزّ وجلّ في محكم تنزيله: “وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا ۚ وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُم بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا وَكُنتُمْ عَلَىٰ شَفَا حُفْرَةٍ مِّنَ النَّارِ فَأَنقَذَكُم مِّنْهَا ۗ كَذَٰلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ”، وذلك تعبيراً منه سبحانه وتعالى عن الدور الذي تلعبه الوحدة الوطنيّة في بناء الأفراد، والجماعات، والمجتمعات، وكذلك الدول، ونظراً لهذه الأهميّة سنقوم بتسليط الضوء في هذا المقال بشكل مفصّل حول مفهوم الوحدة الوطنيّة وأهميتها كركيزة أساسيّة وأداة لإنارة مستقبل الشعوب.
مفهوم الوحدة الوطنيّة قبل الحديث بشكل مفصل عن أهميّة الوحدة الوطنيّة سنقوم بصياغة مفهوم واضح ومحدّد لها، حيث يُشير ينقسم هذا المصطلح إلى قسمين رئيسين يتمثّلان في الوحدة وهي اجتماع الأشياء أو الأفراد ضمن مجموعة واحدة، أمّا الوطنيّة المشتقّة من كلمة وطن فهي اجتماعهم تحت جنسيّة دولة واحدة ويدينون لها بالولاء والانتماء والحب، وتندمج هذه الكلمات مع بعضها البعض لتشكّل موضوعاً غاية في الأهميّة من شأنه أن يكون أحد الركائز الأساسيّة لبناء أيّ دولة. الوحدة الوطنيّة هي أحد أبرز الركائز الوطنيّة وأحد أهم دعائمه ومقوّماته التي تجمع وتربط بين أبناء الوطن الواحد، وتقوم بشكل أساسي على حبّهم لهذا الوطن وانتمائهم له ودفاعهم عنه ضدّ أيّ قوّة خارجيّة تحاول إيذائه أو السيطرة عليه بأيّ شكل من الأشكال، كما وتوحّدهم على نفس المبادىء والعادات والتقاليد ضمن المساحة التي يعيشون فوقها من الأرض
وأينما تحلّ الوحدة الوطنيّة تختفي كافّة الشرور، والخلافات، والأحقاد، والعنف، والعنصرية، وتسود أجواء المحبة، والتسامح، والتكاتف، والتآخي، والتعايش. أهمية الوحدة الوطنيّة تتمثل أهميّة الوحدة الوطنيّة على صعيد الفرد والمجتمع فيما يلي: إنّ الوحدة بين أبناء الوطن الواحد ووقوفهم جنباً إلى جنب من شأنه أن يمنحهم قّوة كبيرة تمكنهم من صد أي عدوان خارجي أو داخلي متمرّد أو متطرّف وحماية أنفسهم وأوطانهم من شرور الآخرين، حيث لا يستطيع أن يقف فرد واحد في وجه جماعة
ولكن من شأن مجموعة أن تقف أمام مجموعة أخرى وتسيطر عليها من خلال الوحدة. تقلّل من نسبة المشاكل الداخليّة الاجتماعيّة التي تعاني منها المجتمعات المتفرّقة، والتي تعود بالضرر وتلحق أذىً كبيراً بالمصلحة العامّة، وذلك من خلال سيادة مفاهيم المحبة والود والتعاون التي تقف في وجه التخريب والجرائم وتتصدى له. تساهم في النهوض بكافة قطاعات الدولة وبالتالي تمهد الطريق نحو مستقبل مشرق لكافة فئات المجتمع، حيث إنّ الوحدة الوطنيّة تولد لدى الشخص شعوراً بالانتماء نحو وطنه وأبناء شعبه، وبالتالي تدفعه لأن يخلص في عمله ويطوّر من نفسه وبالتالي ينهض بدولته.
اترك تعليقاً