((امرأةٌ خاوية فِراش)) والمسكوت عنه في واقعنا الشرقي

((امرأةٌ خاوية فِراش)) والمسكوت عنه في واقعنا الشرقي

 

كتب / حسن أبو خزيم 

الكاتب الواعي هو نبض مجتمعه، يشعر بآلام هذا المجتمع ومعاناته طمعًا في حياةٍ أفضلَ للإنسانية التي يتشبَّع المبدع بالحُب لها، والمستشارة جهاد الجفري في كتابها الجديد ((امرأة خاوية الفِراش)) تُقدِّمُ لنا نموذجًا لهذا الأدب الهادف الذي يسعى نحو الارتقاء بالمجتمع من خلال رصد سلبياته، إيمانًا منها بأن اكتشاف المشكلة هو أوَّل الطرُق نحو الحل لها، وبغريزة الأنثى وبالكاميرا الثاقبة تلتقط مشاهد من واقعنا الاجتماعي خصوصًا في حياة المرأة بجُرأة تُحسَب للكاتبة، ليتحوَّل الكتاب إلى صرخة في وجه الظلم الاجتماعي الذي يواجهه الإنسان بوجه عام، والذي تعاني منه المرأة بوجهٍ خاص.
وها هي في القصة الأولى تعرض لنا صورة الفتاة المقهورة التي تتزوج رغمًا عنها، ورغم هذا تتحلى بالصبر والإيمان فتقول: ((رموها إليهِ في قفصِهِ الجاف، وقالت: لكَ الحُكمُ يا الله، سأفعلُ ما تريدُ، أحضَرُوا لها كلَّ ما يلزمُ، ولكن قلبها لمْ يكُنْ حاضرًا، فقد كان قلبًا حزينًا يلبسُ السوَادَ في ذلك المأتم، حين زفُّوها إليهِ كانت تبتسمُ والقلبُ ينزفُ، فهي تعلمُ والزوجُ يعلمُ وأهلها يعلمون أنَّها تموتُ في كلِّ خطوةٍ، ولكن لا يُهِمُّ، المُهِمُّ هو النسبُ، طارت إلى قبرها أقصدُ بيتِها، وقالت لنفسِها: سأُسعِدُهُ بكلِّ ما يمكنُ، فهو زوجي، وبهِ سوف أتحصَّنُ، وسأعطيهِ قلبي الذي لمْ يسكنُهُ أحدٌ قبله، سأفرحُهُ كثيرًا وأكونُ امرأةً صالحةً ليرضى عنِّي رَبِّي)).
وتستمر في عرض قضايا المرأة حتى الجسدية منها في المجتمع الذكوري الذي يهضم الكثير من حقوقها لتتحول النصوص إلى صرخة جمالية فنية مدوية في وجه هذا القهر الاجتماعي وهنا يجد جمهور كبير من القراء التشويق الذي يدفعهم لقراءة الكتاب لما به من تناول جريء غير مسبوق في الكتب المعتادة. وعلى الجانب الآخر ترفض بعض السلبيات الأخرى مثل عقوق الأبناء كما في قصة (فتاة متمردة).
ومع تلك الصرخة لا تنسى الكاتبة الهَمَّ الأكبر وهو الوطن، فتتحدث عن ثورة فبراير في قصة (كوابيس اليوم)، وتتناول الأثر السلبي للحرب من خلال شخصية (وليد) بطل قصة (عباية الحُب) الذي استشهد ككثيرين من الشباب دفاعًا عن مدينة عدن. مِمَّا يؤكد أنَّنا أمام كاتبة تكتب قصصها ونصوصها السردية عن وعي أيديولوجي على مستوى الرؤية ساعية لما هو أفضل لواقعها ومجتمعها حتى لو ألقت الأحجار في المياة الراكدة ونطقت بالمسكوت عنه في واقعنا الشرقي.
وعلى المستوى الفني اتسمت مجموعة النصوص بالتكثيف الدلالي الذي يعكس براعة الكاتبة وتمكنها من اللغة، وإذا أضفنا لهذا توظيفها للغة الحوار الذي يعطي للنص حيوية وحياة ويساعد القارئ على تخيُّل المشهد القصصي إضافة لما يضيفه الحوار من حقول دلالية تحمل ظلالًا درامية تخدم في النهاية رؤية الكاتبة ورسالة القصة.
كما نجد الدقة في رسم الشخصية القصصية وربط هذا الوصف بالحدث القصصي من ناحية والأبعاد النفسية والاجتماعية والسياسية من ناحية أخرى، مثل وصفها لنجلاء بطلة قصة (عَمُّوا لا تغتصبني) حين تقول: (( كانت نجلاء السمراء الجميلة ذات الشعر الأشعت الذي يبدو أن الماء لم يزره منذ زمن، ولم يلامسه الزيت كثيرًا، ولم يعرف شيئًا عن الكريمات، كان شعرًا واقفًا مستفزًّا، يقول للدنيا بغضبٍ أنا هُنا ، أنا شعر فتاةٍ سمراءَ يقولون عنها خادمة تنامُ في الشارع، تجمع المال من سائقي السيارات، هي لا تعرفُ الفرْق بينها كونها صغيرة، ولكن عينيها جميلتان تلفتان النظر، لها ملامحُ شموخ منكسر، وطفولة مطحونة تحت عجلات الفقر والتهميش والعنصرية المقيتة في وطن مَليءٍ بالعنصرية)).
ولنُبحِر معًا في عالم المجموعة القصصية لنكتشف المزيد.
إبراهيم موسى النحَّاس
شاعر فصحى وناقد أدبي مصري

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *