انحدار المجتمع بين التعري والمخدرات ومنصات التواصل الاجتماعي

انحدار المجتمع بين التعري والمخدرات ومنصات التواصل الاجتماعي

بقلم : حسام النوام
لم يعد الحديث عن “انحدار المجتمع” مجرد نقاش ثقافي أو تنظير فكري، بل أصبح قضية تمس حياة كل أسرة وكل فرد، بعدما تعددت مظاهره وأسبابه في السنوات الأخيرة. من تغير شكل العلاقات الاجتماعية إلى انتشار السلوكيات الغريبة، ومن سطوة مواقع التواصل الاجتماعي إلى المخدرات المستحدثة، نجد أنفسنا أمام مشهد مقلق ينذر بمستقبل محفوف بالمخاطر إن لم يتم التعامل معه بوعي ومسؤولية.
أولًا: ظاهرة التعري وانهيار منظومة الحياء
من أبرز علامات الانحدار التي باتت واضحة في الشارع، وفي الإعلام، وعلى السوشيال ميديا، ظاهرة التعري أو “التبرج المبالغ فيه”.
تحول الحياء، الذي كان يومًا قيمة اجتماعية وأخلاقية راسخة، إلى سلوك يُنظر إليه من بعض الفتيات باعتباره “تخلفًا أو تقليدية”.
الانتشار الواسع لملابس فاضحة أو غير لائقة في الشارع والجامعات والمناسبات، يعكس تأثر الأجيال الجديدة بثقافة غربية دخيلة تُروَّج عبر الإعلانات والمسلسلات والأفلام الأجنبية.
الأخطر أن هذه الظاهرة لم تعد فردية، بل وجدت من يدافع عنها تحت شعار “الحرية الشخصية”، رغم أن الحرية لا تنفصل عن القيم والأعراف التي تحفظ تماسك المجتمع.
ثانيًا: منصات التواصل الاجتماعي… سلاح ذو حدين
لم تعد منصات التواصل الاجتماعي مجرد أدوات للتواصل، بل تحولت إلى منصات تشكيل الوعي وتغيير أنماط السلوك.
أصبحت بعض الفتيات والشباب يتسابقون في “العري الإلكتروني” عبر صور وفيديوهات قصيرة هدفها جمع المتابعين وتحقيق الربح، في ظل غياب الرقابة.
انتشار التحديات الغريبة والخطرة التي تحرض على السلوكيات المنافية للآداب العامة أو حتى الانتحار.
صناعة “قدوات مزيفة”: حيث يقتدي المراهقون بمشاهير السوشيال ميديا الذين يروجون للترف والاستهلاك والمظهر على حساب القيم الحقيقية.
غياب المحتوى التثقيفي الجاد، مقابل سيطرة المحتوى السطحي والسريع الذي لا يربي عقولًا، بل يزرع التفاهة واللامبالاة.
ثالثًا: المخدرات الحديثة… سموم تتغير مع الزمن
لم تعد المخدرات هي “الحشيش” و”البانجو” كما كان في الماضي، بل دخلت أنواع جديدة أكثر خطورة:
مخدر الشابو (الكريستال ميث): يفتك بالجهاز العصبي ويحوّل الشباب إلى كائنات عنيفة وعدوانية.
الإستروكس والفودو: مواد كيميائية تُباع أحيانًا في شكل أعشاب، وتؤدي إلى انهيار كامل في وظائف المخ والجهاز العصبي.
حبوب الهلوسة: التي تغزو بعض الحفلات الخاصة وتدمر الوعي وتدفع إلى سلوكيات شاذة أو جرائم بشعة.
الأخطر أن هذه السموم تُروَّج عبر شبكات سرية، بل أحيانًا عبر الإنترنت، في ظل ضعف الوعي المجتمعي بخطورتها.
رابعًا: التقاء العوامل الثلاثة في دائرة واحدة
الملاحظ أن التعري، منصات التواصل، والمخدرات ليست ظواهر منفصلة، بل حلقات متصلة في سلسلة واحدة من الانحدار:
منصات التواصل تروج لثقافة “الجسد واللذة” وتشجع على التجارب الغريبة، فتخلق فراغًا أخلاقيًا.
هذا الفراغ يدفع بعض الشباب إلى اللجوء للمخدرات، إما بدافع التقليد أو للهروب من الواقع.
التعري بدوره يغذي مناخًا عامًا من التفكك، حيث يغيب الضابط القيمي، فيصبح الانفلات سلوكًا مقبولًا.
خامسًا: النتائج المدمرة على المجتمع
تفكك الأسرة: إذ تنشأ خلافات حادة بين الأجيال حول القيم المقبولة.
ارتفاع معدلات الجريمة: كثير من جرائم القتل والتحرش والاغتصاب ترتبط بتعاطي المخدرات أو سلوكيات متحررة غير منضبطة.
إهدار الطاقات الشبابية: بدلًا من أن تكون قوة للبناء، تتحول الطاقات إلى أدوات هدم وضياع.
تشويه صورة المجتمع: إذ يصبح مجتمعًا متناقضًا؛ يرفع شعارات القيم والدين، بينما الواقع يكشف عن انفلات وانحراف.
سادسًا: ما العمل؟
لا يمكن مواجهة هذا الانحدار بالصمت أو التبرير، بل يحتاج الأمر إلى خطة متكاملة:
1. إعادة الاعتبار للتربية الأسرية: فالأب والأم هما خط الدفاع الأول.
2. تفعيل دور الإعلام الهادف: وإنتاج أعمال فنية تعزز قيم الهوية والانتماء.
3. تشديد الرقابة على المخدرات: مع برامج توعية في المدارس والجامعات.
4. توجيه منصات التواصل نحو التثقيف: عبر محتوى جذاب يواجه التفاهة بالمعلومة.
5. إحياء مفهوم القدوة: سواء في التعليم أو الرياضة أو الثقافة.
خاتمة
انحدار المجتمع ليس مجرد مشهد عابر، بل هو مسار خطير إذا لم يتم التصدي له بوعي جماعي. التعري، المخدرات، ومنصات التواصل الاجتماعي ليست إلا مظاهر لمرض أعمق، وهو غياب منظومة القيم التي تحمي أي أمة من السقوط. وإذا أردنا مستقبلًا أفضل، فعلينا أن نعيد بناء الإنسان قبل أي مشروعات أو إنجازات مادية، لأن الحضارة تبدأ من الداخل قبل أن تترسخ في الخارج.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *