متابعة – علاء حمدي
عقد قطاع شؤون الإنتاج الثقافي، ندوته الشهرية بعنوان: “الأغنية الوطنية.. ودورها في الأحداث السياسية”، مساء أمس السبت، بمركز الهناجر للفنون في أرض دار الأوبرا المصرية، بحضور الدكتور أشرف عبدالرحمن، أستاذ النقد الموسيقى بأكاديمية الفنون، والدكتورة هدى زكريا، أستاذ علم الاجتماع العسكري بجامعة الزقازيق، والدكتور طارق منصور، أستاذ بجامعة عين شمس، والدكتور طايع عبد اللطيف، رئيس معهد إعداد القادة بحلوان، ومستشار وزير التعليم العالي للأنشطة الطلابية بالجامعات المصرية، والشاعرة رشا حسنى، وأدارت اللقاء الناقدة الدكتورة ناهد عبدالحميد، مدير ومؤسس ملتقى الهناجر الثقافي، وذلك مع اتباع كافة الإجراءات الاحترازية والوقائية التي أقرتها وزارة الصحة والسكان حرصا على صحة وسلامة المواطنين.
في البداية قالت الناقدة الدكتورة ناهد عبدالحميد، مدير ومؤسس ملتقى الهناجر الثقافي، إن موضوع الندوة يتمحور حول دور الأغنية الوطنية في الأحداث السياسية، وهو من أكثر الموضوعات المحببة لنا جميعًا، خاصة وأن الأغنية الوطنية المصرية لها مذاق خاص. وأضافت عبدالحميد، أن الأغنية الوطنية بشكل عام لعبت دورا كبيرا في حياتنا وحياة سائر الأمم والشعوب، وفى حقيقة الأمر إن الأغنية الوطنية ليست كما يحسبها البعض ويختزلها في صيحات من الطرب والأنغام، فهي تمثل نبضات روح الشعوب، وقد وصفت كذلك الأغنية بأنها أصدق ترجمان وأفصح معبر عن مشاعر وأحاسيس وآمال وآلام الأمم والشعوب، وللأغنية الوطنية دورًا بارزًا ومؤثر، يبرز حينما تدور رحى الحروب أو يحتدم القتال، نجدها تشحذ الهمم وتستنهضها، وتشد العزائم وتخلق روح الانتماء.
وأشارت عبدالحميد، إلى أهمية دور مصر وتأثيرها في الأمة العربية، كما أنه لازم كل صور التحرر والاستقلال عبر العصور، بداية من عام 1725 ق.م، إبان غزو الهكسوس لمصر، مرورًا بكل الأحداث والثورات والحركات والمتغيرات السياسية، وصولًا إلى حرب أكتوبر المجيدة عام 1973، وما أعقبها من أحداث. وأوضحت عبدالحميد، أن المبدع المصرى يعيش الحدث، ويسافر من خلاله في ثنايا الروح ليعتمل الحدث بداخله، ويجتره إلينا في هيئة كلمات منتقاة ولحن جميل لا تخطئه الأذن، فيتحول هذا اللحن إلى أغنية، وهذه الأغنية الوطنية الرائعة تصبح صرخة مدوية، يستصرخ بها المواطن، ويحتشد الجميع ويتوحد بها، فنجد أن نجاح معظم الثورات والحركات السياسية الحديثة فى مصر، كان مرتبطا بالغناء الوطني الذي يآثرها ويؤيدها، كما كان مواكبًا لها، وهنا بطبيعة الحال لا نستطيع أن نغفل الجانب العسكري أو السياسي، فكلاهما في غاية الأهمية، ولكن يركز موضوع الندوة تحديدًا على الأغنية الوطنية، التى تُعد رافدًا مهمًا من روافد القوة الناعمة، ولا شك أن القوة الناعمة تُعد موازية للقوة العسكرية وتضاهيها فى الأهمية، ودورها مساندة القوة الخشنة؛ فمثلًا على سبيل المثال نجد أن ثورة عرابى ما بين عامى 1981م و1982م، كان من أسباب اخفاقها قلة دعمها بالأغاني الوطنية، باستثناء بعض الكلمات المقفاة، وبعض الكلمات المغناة البسيطة جدًا التي دارت حول السخرية من المستعمر.
وأشارت عبدالحميد، إلى المراحل التاريخية التي مرت بها مصر ودور الأغنية الوطنية في كل مرحلة، مؤكدة أن ثورة 1919م، قد حازت كمًا رائعًا من الأغنيات الوطنية الناجحة، مناشدة كل من يجد في نفسه الموهبة من الشباب، التقدم في مسابقة قطاع شؤون الإنتاج الثقافى للأغنية الوطنية للشباب، التي تأتي في موسمها الرابع تحت عنوان: “أنا المصري”، في فروع “الغناء، والتلحين، والتأليف، والتوزيع الموسيقى”، وتقرر مد فترة استقبال الأعمال للمشاركة في المسابقة إلى منتصف أغسطس 2021.
وأكدت الدكتورة هدى زكريا، أستاذ علم الاجتماع العسكري بجامعة الزقازيق، أهمية دور الأغنية الوطنية وأثرها الإيجابي على المجتمع، واصفة الأغنية الوطنية أنها كتلة من المشاعر النبيلة الموجهة إلى الأمة والوطن، وتمثل معنى الأمان للأمة جمعاء، فإن الأمة إن لم تجد الشعور بالأمان الحقيقي، سيكون الأفراد غير آمنين بالتبعية، مشيرة إلى أن مجتمعنا المصري يأتي في طليعة المجتمعات التي عرفت الغناء لأوطانها، موضحة أن الأغنية الشهيرة: “وحوى يا وحوى” تُعد من أوليات الأغنيات الوطنية ومعناها “افرحي افرحي يا قمر”.
وأوضحت زكريا، أن قيمة الأغنية الوطنية تتمثل في رفع الوعى المجتمعي، كما أنها تعبر عن الضمير الجمعي للأمة، ويضاف إلى ذلك أنها توثق أهم مراحل الأمة التاريخية باختلافها، فضلًا عن بثها لروح الانتماء والولاء بين أبناء الوطن، مطالبة تكوين لجنة متخصصة تعمل على أرشفة وإحياء الأغاني الوطنية المصرية، التي يصل عددها إلى 1250 أغنية، والموجودة لدى اتحاد الإذاعة والتلفزيون المصري، تلك الأغنيات التي تُعد كنزًا لا يقدر بمال، مثل موقف إعادة تسيير العبارة “إيفيرجرين” بعد تعثرها؛ فلدينا أغنيات وطنية تناسب هذا الحدث مثل: “محلاك يا مصري” لكوكب الشرق، وأغنية “يا سايق الغليون” لمحمد عبدالمطلب.قال الدكتور أشرف عبدالرحمن، أستاذ النقد الموسيقى بأكاديمية الفنون، إن تاريخ الأغنية الوطنية ما قبل القرن العشرين له وضع، وبمجيء فنان الشعب سيد درويش بات في وضعٍ آخر، فلا شك أن عبقرية سيد درويش جعلته بلا منازع قائد ثورة الغناء، ورائدًا للألوان الغنائية الموجودة كافة، فكانت البداية الحقيقية للأغنية الوطنية المصرية والعربية على يد الفنان الرائد سيد درويش، الذى أسس أنواعاً كثيرة من الأغنية الوطنية، منها ما ينتقد من خلاله الأوضاع الاجتماعية المتردية، وتارة نجده ينتقد الحكم ذاته، ولا نبالغ إن قلنا أن يكفيه تقديم أغنيته الوطنية الخالدة: “أنا المصري”، وكذلك نشيد “بلادي بلادي”، علاوة على “أحسن جيوش في الأمم جيوشنا”، وغيرها، بجانب الأوبريتات الغنائية أبدعها.
وأضاف عبدالرحمن، أن مصر تُعد أول دولة عربية يكون لها نشيد وطني، وذلك فى عهد الخديو إسماعيل، فكان من الطبيعي أن تكمن الريادة المصرية بشكل كبير فى قوتها الناعمة، ويُعد خير دليل على عظم ما ساهم به الفن المصري في تشكيل الهوية الوطنية العربية، أن الأناشيد الوطنية للعديد من الدول العربية تحمل بصمة مبدعي مصر وملحنيها وشعرائها الكبار أمثال: “سعد عبدالوهاب، محمد فوزى، محمد عبد الوهاب، والشاعر مصطفى صادق الرافعى، والموسيقار راجح داوود”، الذين خلدت ألحانهم في الأناشيد الوطنية لدول عربية مثل: “العراق، وتونس، والجزائر، وفلسطين، والإمارات العربية المتحدة، وليبيا، والسعودية، وموريتانيا”.
أشار الدكتور طارق منصور، أستاذ بجامعة عين شمس، إلى الجانب الاجتماعي لثورة 23 يوليو، وما نصت عليه مبادئها الستة، وبشكل خاص مبدأ تحقيق العدالة الاجتماعية ، خاصة وأن حال المجتمع المصري آنذاك كان في بين الفقر والمرض، في ظل نظام الإقطاعيين الذي حرم البسطاء والفلاحين والعمال من المصريين من حقهم فى التعليم، واقتصر هذا الحق لأبناء الطبقة العليا، مما جعل الأمية تنتشر بين عموم المصريين، وهو الأمر لفتت إليه تقارير السفير البريطاني والأمريكي لحكوماتهما قبيل اندلاع ثورة 23 يوليو 1952، معددًا سيئات النظام الإقطاعي في مصر، وما سببه من فوضى وطبقية بغيضة، نتيجة الألقاب التي كانت تمنح بواسطة ملك مصر من بك إلى باشا وما إلى ذلك، وكانت تذهب لمن يستحقها أم غيره مما خلق مناخًا فاسدًا في المجتمع المصري. وأشاد منصور بإنجازات ثورة يوليو وعلى رأسها مجانية التعليم، كما أن النهضة التنموية التي تشهدها قرى مصر ومدنها المختلفة، تتآلف مع روح ثورة 23 يوليو ومبادئها بدرجة كبيرة.
قال الدكتور طايع عبداللطيف، مستشار وزير التعليم العالي للأنشطة الطلابية بالجامعات المصرية، إن الأغنيات الوطنية المصرية تمثل أهم العوامل التي تترجم أو تعبر عن الوجدان المصري، لدينا في الريف المصري حينما يتوفى أحد أبناء القرية، نجد أهل هذه البلدة كافة يتوجهوا لمنزل المتوفى لتقديم المساندة والدعم بكل أنواعه، وحينما يكون هناك عقد قران أو خطبة لدى أحد أبناء ذات البلدة، نعم يلتف معظم الأهالي والجيران لكن ليس بنفس القدر الذى كان في حالة الوفاة، وهنا علينا ربط هذا المثل بما يخص الأغنية الوطنية.
وتابع عبداللطيف، أن الأغنية الوطنية يبلغ تأثيرها يبلغ مداه الأقصى في الانكسارات والمصائب العميقة للأمة، ونجد هذا واضحًا في العديد من الأمثلة من أكثر الأغنيات الوطنية نجاحًا، مثل: “قوم يا مصري” لفنان الشعب سيد درويش، وبعد ذلك فى حقبة لاحقة نجد كذلك حينما رددت كوكب الشرق “والله زمان يا سلاحى”، وكان النشيد الوطني للجمهورية العربية المتحدة، كان هو ما أعطى الدفعة للزعيم جمال عبدالناصر، فقال سنحارب وهو ما أعطانا القوة الدافعة لرحلة حرب الاستنزاف التي أوصلتنا إلى نصر أكتوبر المجيد، لا شك أن الأغاني الوطنية كانت بمثابة البلسم والدواء الذى جعل من الانكسارات انتصارات.
كما ألقت الشاعرة رشا حسنى، قصيدتين، الأولى بالعامية وعنوانها “ملحمة شعب”، والأخرى بالفصحى وعنوانها “أنا المصري”.
تخللت الندوة فقرة فنية غنائية قدمتها فرقة “شموع” الغنائية بقيادة المايسترو الفنان سعيد عثمان، تضمنت باقة متنوعة من الأغنيات الوطنية، بمصاحبة كوكبة من الأصوات العذبة، وهم: المطربة داليا التي قدمت أغنية: “محلاك يا مصري” لكوكب الشرق أم كلثوم، وقدم الدكتور أشرف عبدالرحمن، أغنيات “عدى النهار، بلدي”، بمشاركة الفنان سعيد عثمان، الذى قدم بدوره عدة أغنيات وطنية منها: “ع الدوار، أنا المصري، لفي البلاد يا صبية، عاش اللي قال”، كما قدم للمرة الأولى أحدث أغنياته المهداة للجيش المصري وللرئيس عبد الفتاح السيسي وعنوانها: “كَمِّل”، واختتم بأغنية “تسلم الأيادي”.