إذ وعراق صَدَق المنجمون وإن كذبوا، قد يتم إحلاله يومًا بعراق كَذبَ المنجمون وإن صدقوا.. “آه من غدي هذا”.. إنها لنغمة تترنمها القلوب بالعراق! “يابَه، ويَمعود” هي ترنيمة شعبية عراقية، على غرار ترنيماتنا “يا ريال” في الخليج! “يا زلما” في بلاد الشام! و”يا باشا” في مصر.. نداءات عربية فيها المنادي عربي، والمنادَون (بفتح الدال) كلهم عرب، والقاموس أيضًا مفرداته كلها بنعم وألف نعم للولاءات العربية، ودونَ لاءاتٍ للولاءات.. بل كلا وألفَ كلا لولاء الغزاة الدخلاء!
فخامة الرئيس المصري مر من هنا، فكان لعدد (الثلاثين) طنين بالصوت والصدى على أذهان الشعبين العراقي والمصري، إذ ومنذ ثلاثة عقود لم تكن هناك زيارة رئاسية لبغداد من القاهرة، وبزيارته التاريخية اليوم، ذكر بغداد بما حدث له قبل (ثلاثين) سنة من آخر زيارة رئاسية لرئيسٍ مصري تجدد هذا الأسبوع والأولى من نوعها، منذ ثورة (ثلاثين) يونيو المجيدة.
الزيارة الرئاسية المصرية قبل ثلاثة عقود، كانت تختلف باختلاف عراق قبل ثلاثين سنة بالعنوان بالمحتوى وبالمستوى، وحتى البروز الإعلامي يومذاك كان محصورًا على كاميرا واحدة لوزارة الإعلام الصارمة بمشرطة عراق ذلك اليوم!
والكاميرات اليوم بعدد سكان العراق إن لم تفق، والمشاهدات بعدد سكان العالم العربي إن لم تفق.. إذ كان أولى بهذه الزيارة أن تتسع رقعتها من دائرة الاستقبال الرسمي الضيق، لتشمل الحفاوة الشعبية العراقية خارج الدهاليز والقاعات المسورة بقبة البرلمان.
السيسي هنا لا لتَسييس العراق، لا لتهميش العرب، إنما هو بوزن القاهرة.. قاهرة مئة مليون عربي، وقاهرة مليون مئذنة.. القاهرة التي هي لنا ومعنا بلاءاتها السيادية على أعدائنا منذ الأزل، فإن كانت لا لمحرقة غزة ولا لغزو الكويت يوما، فكانت أيضًا لا للعقوبات الاقتصادية على العراق أياما.. لاءات القاهرة اليوم لبغداد العراق، لا لعراق الأتراك والإيرانيين، لأنها قاهرة النيل والأهرام لبغداد الدجلة والفرات، وبقاهرة الأزهر الشريف لبغداد الرشيد.
نريد استعادة بغدادٍ كان يفوز السباقات بين العواصم العربية، ويحقق النجاحات بين المحافظات العراقية بسواعد عراقية وأدمغة عراقية، ويحصد محاصيل عراقية بعرق الجبين لشباب العراق، وتصب على مائدة الكرم العراقي لكل العراقيين بكل الشرائح والطوائف بمرجعية بغداد.
ثم طرق الباب!ودخل عليه من يقنعه بأن الجنة التي يعيشه الشعب العراقي ما هو إلا جحيم! وأن الجنة الحقيقية واقف لهم خلف الباب بالمن والسلوى، فيا بغداد ما عليك الا أن تفتحيه لتشمي رائحة الورد! صدقه العراقيون وفتحوا الباب!
وما إن فتحوه وإذا بالجحيم التهم كل العراق من كل حدبٍ وصوب، وعبر كل الحدود والسدود، وبكل التسميات أولها حرائق، أوسطها حرائق إن لم تكن آخرها حرائق الدواعش، والقاهرة كانت يومذاك بالنصيحة من الرئاسة المصرية (يا بغداد لا تفعلي، أخشى أن يحرق الأخضر واليابس!).
مصر والعراق السمة المشتركة بينهما منذ الأزل، هو عراق البداوة والحضر بمصر البداوة والحضر.. عراق الحدود الجغرافية المفتوحة برًا وبحرًا على العرب والعجم، كذلك مصر الواجهات البرية البحرية المتعددة الاتجاهات في الإقليم العربي الإفريقي شرقًا وغربًا.. وعراق الرافدين من جانبٍ بالمساحات الخضراء والغابات والنخيل للزرع والري.. وبالجانب الآخر أرض الكنانة خضراء بمحافظاتها الخضراء، وكل من الجانبين بمحمية السماء من الأمطار والمياه العذبة من النيل إلى الفرات.
ناهيك عن تاريخ بابل وأرض الكنانة (مصر والعراق) الحاضنتين لموطن الأنبياء والرسل، من استقرار سفينة نوح على الجودي، وتوقف راحلة أبو الأنبياء إبراهيم خليل الله ناقته بأرض الرافدين، إلى تنصيب عرش يوسف الكنعاني عزيزَ مصر، ونصب موسى كليم الله مئذنته التاريخية إلى قيام يوم الدين بطور سيناء، ثم إلى ما لأصحاب الكهف من تراث وتاريخ في جبال الأردن.
وفي ختام زيارة كل من الرئيس المصري والملك الأردني للعراق، يحق للشباب العربي ان يحلم باستعادة جزءٍ ضئيلٍ من بذور النجاح في زمن الفشل.
وفي هذا الإطار الثلاثي (المصري العراقي الأردني)، هنا الأردن بمكانتها الإقليمية الدولية، وبالموقع الجغرافي اللوجستي الرابط للجزيرة العربية ببلاد الشام برا، والحاضر الغائب بحرًا بموقع ميناء العقبة والبحر الميت المؤثرين لوجستيا على قناة السويس.
نطلب من أولادنا أن ينسوا الحروب ويحلموا في البناء، لقد سئمنا شعارات جوفاء عن الحروب، استهلكت جيلين (جيلنا وجيل من قبلنا)، فلن ندفع الجيل القادم بتلك الشعارات إلى الاستنزاف.
أولادنا سنزرع فيهم حلم البناء، أول الخيط إعادة إعمار العراق بأيادٍ مصرية أردنية عراقية، ثم بتدشين ورشة خصبة على خارطة الطريق الثلاثي، لقاطرةٍ ثلاثية الاتجاه بنخبة من العباقرة: (مهندسين عراقيين أردنيين ومصريين) تتنقل بهم تلك القاطرة بين القاهرة وعمان وبغداد لتطبيق الاختراعات الثلاثية في مجالاتها الثلاثية الخصبة المرجوة: (الطاقة والتجارة والاستثمار).
ولا تنسوا (المياه) في جميع المحطات يا شباب، إن الماء من الأرض على وشك النفاذ حتمًا، فيا ليت من إبداع مصري أردني عراقي ينتج (الماء) من أوكسيجين الهواء الذي لا ينضب أبدا .