بين عَبق الماضي، ورحَيق الحاضر الحقُ يَعلوُ، ولا يُعَلَى عَليهِ
الأديب الكاتب، والباحث الصحفي، والمفكر العربي والإسلامي الأستاذ الدكتور/ جمال عبد الناصر محمد عبد الله أبو نحل رئيس المركز القومي لعلماء فلسطين، والأستاذ الجامعي غير المتفرغ الأمين العام لاتحاد المثقفين والأدباء والكتاب والعرب فرع فلسطين عضو مؤسس في الاتحاد الدولي للأدباء والكتاب و للمثقفين العرب رئيس الهيئة الفلسطينية للاجئين، وعضو الاتحاد الدولي للصحفيين dr.jamalnahel@gmail.com
هنيئاً لمن زرع، وغرس، وَتّرَك أثرًا جميلاً قبل الرحيل؛ فمِن المعلُوم أن من ليس له ماضي مجيد، فَليس له حاضر، ولا مستقبل، وما أجمل أن نَصدح بِقول كلمة الحق، والحقيقة، ولو كان قُولها مُراً، مريرًا، مرمراً،
فَالحقُ أحقُ أن يُتبع؛ فَعلينا أن نكون سُفراء رُحماء بسلامٍ للإسلام، نُبلغ رسالتهُ السمحة، بِودٍ، ووداد، وحُبٍ، وخيرٍ، وسلام، ووسطية، ونحمل فكر الرحمة للإنسانية جمعاء، وللأمة، في هِمة، تعلو للقمة، وأن نكون معول بناء لا هدَم؛! وإن بيوت الله في أرضهِ المساجد، ولِذا يجب المحافظة عليها، لأن فيها الراكع، والساجد، والعابد، والزاهدُ، والمجاهد، والمُجّدْ، والمجتهد، والسابقُ بالخيرات، وفي فِعل الصالحات… ولقد عاني المسلمون عبر التاريخ، وعلى مر العصور من الحروب،
الفارسية، والرومية الصليبية، ومن العصابات الصهيونية، والتي كثيراً، ولا تزال تدمر، وتقصف دور العبادة المساجد،
وحولت بعضها متاحف أو اصطبلات للخيول، أو لكنائس، وكُنس!؛؛ وهذا الفعل المشين بعكس سماحة الإسلام التي حافظت علي الأماكن المقدسة للغرب، والشرق، وفي ذات الوقت نجد نري كيف تتم عملية تهويد المسجد الأقصى، والمسجد الإبراهيمي في مدينة الخليل المحتلة، والقائمة تطول من جرائم الاحتلال!؛
ولقد أُثير في الآونة الأخيرة الكثير من اللغط، والغلط، والكلام غير الموزون بخصوص قضية فتح مسجد أيا صوفيا،
وقد شملت وعمت تلك المسألة العالم بأسره، بين مؤيد، ومعارض، فكُل المساجد علي نسق واحد؛ ونحنُ من خلال التقصي والبحث والتحقق في قضية أيا صوفيا توصلنا بأنهُ اسم الوقف الذي أنشأه السلطان محمد الثاني ذو البصيرة المعروف ب محمد الفاتح ، فقام بتسجيل، بالطابو أرض ” آيا صوفيا”،
على اسمه بعد فتحهِ لِلقُسطنطينية في خطوة غير مسبوقة في التاريخ؛ حيثُ عرض على القساوسة شراء مبنى آيا صوفيا من ماله الخاص وليس من مال الدولة أو من بيت مال المسلمين، وتمت صفقة شخصية ليس لها علاقة بوظيفته في الدولة،
وتم توثيق الصفقة من خلال عقد شراء وتنازل ، وتم إثبات تسديد المبلغ بسندات دفع، وقام مباشرة بإنشاء وقف ( جمعية ) وقام بالتنازل للجمعية عن عقاره،
وتم التطويب على اسم الوقف، وقبل أيام قليلة حينما تمت مراجعة يدوية ل: 27 ألف مستند في تركيا ،
تم اكتشاف بينهن سند ملكية أصلي ( طابو ) يظهر بوضوح ملكية خاصة للعقار – وبذلك تقدم أصحاب هذا العقار بطلب لاستعمال العقار بحُرية مطلقة كونه ملكهم الخاص ، وكان طلبهم يتضمَنْ إعادة المبنى لمسجد كما استعملوه منذ يوم شرائه؛
مما أثار حفيظة ومعارضة البعض، فخرجت بعض الأصوات من العرب، والمسلمين واعتبرت أن هذا الأمر يعتبر اضطهاد للنصارى،
ومقدساتهم، واصفين من قام بذلك بأنهم لا يحترمون مشاعر النصارى في العالم”، واستندوا في قولهم لفعل الفاروق العادل سيدنا عمر بن الخطاب رضي الله عنه حينما لم يُّصَلِّ في الكنيسة، خوفا من تحويلها إلى مسجد لاحقا؛
ولكن الرد علي هذا القول أحبابنا بأن الأمر هُنا مُختلف؛ حيثُ تم فتح، وتسليم بيت المقدس صُلحاً من غير حرب، ولذلك قام الفاروق سيدنا عُمر رضي الله عنه بإعطاء النصارى هُناك العهدة العمرية،
وذلك تطبيقا لاحترام العهود؛ لذلك تلك المسألة لا تقاس بتلك – فالأمر هنا يختلف تماماً؛ والسبب أن السلطان محمد الفاتح رحمه الله فتح المدينة بالقوة، وبالسيف؛ وكانت من الردود المنُتقدة لفتح مسجد آنا صوفيا البابا فرنسيس والذي قال:
” إنه يشعر بالألم لقرار تركيا تحويل متحف آيا صوفيا في إسطنبول إلى مسجد، وأضاف خلال عظته الأسبوعية في ساحة القديس بطرس: “فكري مشغول بإسطنبول، أفكر في القديسة صوفيا والألم يعتصرني !!؛
ونقول لسيادة البابا لماذا لا يعتصرك الحزن علي بعض مساجد المسلمين عندكم، والتي حُولتم بعضها لحانات، و إلي خمارات!!؛
وكذلك لماذا لا تتكلم عن المسجد الأقصى المبارك الذي يتعرض منذ فترة طويلة للتهويد، والتهديد والهدم والإغلاق، والأنفاق التي حفرها عصابة الاحتلال تحت المسجد رغم قدسيته للمسلمين الخ!!… وكذلك فإن المحكمة الإدارية، التي درست القضية، واتخذت القرار، وقالت أنه لا يتعارض مطلقاً مع التشريعات القانونية ذات الصلة، واستندت لتشريعات المحكمة الدستورية،
والمحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان؛؛ ولمن لا يعلم فإن “مسجد آيا صوفيا” يُعتبر صرحاً فنياً، ومعمارياً، ويقع في منطقة “السلطان أحمد” بإسطنبول، واستخدم لمدة 481 عاماً مسجداً، وتم تحويله ظُلماً إلى متحف عام 1934،
وهو من أهم المعالم المعمارية في تاريخ الشرق الأوسط، وسيبقى كمان كان في الماضي التليد المجيد مسجداً وصرحاً شامخاً ورمزاً للتسامح، ولسماحة الإسلام وتراثاً مشتركاً للإنسانية، يحتضن الجميع بشكل أكثر صدقاً وأصالة، وعدالة؛ كما أن الصحابي الجليل أبو أيوب الأنصاري رحمه الله،
والذي أناخت ناقة رسول الله أمام بيته، ونال شرف ضيافة أفضل خلق الله في بيته، واستشهد سنة ٨٢ هجرية على أبواب القسطنطينية حاملا لواء الجهاد في سبيل الله، وكأنهُ يقول لنا أن هذه الأرض وصية رسول الله صل الله عليه وسلم؛
كما أنهُ من يصلى في مسجد آية صوفيا فإنه حتما سيصلى باتجاه بيت المقدس وبنفس الوقت سيصلى باتجاه مكة المكرمة لأنهما الثلاثة على نفس الخط فَسُبحان الله، كما وإن المسلمين لم يفعلوا كما فعل البعض في الغرب حينما حولت بعض مساجد في أوروبا لكنائس!؛
ولم نسمع عويلاً أو ضجيجاً حينما قرر ترمب وعصابة الاحتلال إعلان القدس عاصمة للصهاينة !؛ وفي النهاية لن يصح إلا الصحيح وسيبلغ هذا الدين ما بلغ الليل والنهار بعز عزيز أو ذُل ذليل – قال تعالي :”
إن الدين عند الله الإسلام”؛ وليس هُناك أعظم من عدل الإسلام، وسماحته، ونذكر لكم وصية الخليفة أبو بكر الصديق رضي الله عنه للجيش المسلم قبل الخروج لأي معركة فيقول لهم: “يا أيها الناس،
قفوا أوصيكم بعشر فاحفظوها عنى: لا تخونوا ولا تغلوا، ولا تغدروا، ولا تمثلوا، ولا تقتلوا طفلاً صغيراً، ولا شيخاً كبيراً ولا امرأة، ولا تعقروا نخلاً ولا تحرقوه، ولا تقطعوا شجرة مثمرة، ولا تذبحوا شاةً، ولا بقرة،
ولا بعيراً إلا لمآكله، وسوف تمرون بأقوام قد فرغوا أنفسهم في الصوامع؛ فدعوهم وما فرغوا أنفسهم له، وسوف تقدمون على قوم يأتونكم بآنية فيها ألوان الطعام، فإن أكلتم منها شيئاً بعد شيء فاذكروا اسم الله عليها،
واندفعوا باسم الله”؛؛ وكل الأنبياء إخوة وكلهم جاؤوا بحقيقة واحدة وهي، ورسالتهم واحدة هي نشر التوحيد و “لا إله إلا الله” .