” تحليل سياسي ” حول تقرير مجلس الدولة الصينى بشأن إنتهاكات حقوق الإنسان فى أمريكا والعالم ٢٠٢٣
” تحليل سياسي ” حول تقرير مجلس الدولة الصينى بشأن إنتهاكات حقوق الإنسان فى أمريكا والعالم ٢٠٢٣
تحليل الدكتورة/ نادية حلمى
أستاذ مساعد العلوم السياسية جامعة بنى سويف- الخبيرة المصرية فى الشؤون السياسية الصينية والآسيوية
يسلط التحليل الضوء على لعبة التدخل الأمريكى لمنع ظهور عدد من الأكاديميين من الموالين للسياسات الصينية إعلامياً أو للمنتقدين للسياسات الإسرائيلية علنياً وحجب منشوراتهم دولياً لصالح واشنطن وتل أبيب
أصدر المكتب الإعلامى لمجلس الدولة الصينى، يوم الثلاثاء الموافق ٢٨ مارس ٢٠٢٣، تقريراً بشأن إنتهاكات حقوق الإنسان فى الولايات المتحدة الأمريكية خلال عام ٢٠٢٢، وذلك على إثر إستضافة الولايات المتحدة الأمريكية والرئيس الأمريكى “جو بايدن” لفعاليات (قمة الديمقراطية الثانية) يوم الثلاثاء الموافق ٢٨ مارس ٢٠٢٣، بدعوة العديد من بلدان العالم بإستثناء جميع البلدان العربية عدا العراق وروسيا والصين. لذا جاء تقرير مجلس الدولة الصينى الصادر من المكتب الإعلامى له فى نفس اليوم لتوجيه تحذير شديد اللهجة لواشنطن لتعزيز الديمقراطية بإجراءات ملموسة بدلاً من تقسيمها العالم لمعسكرات متعارضة. وقال التقرير الصينى الصادر عن مجلس الدولة، تحت عنوا:عنوانير إنتهاكات حقوق الإنسان فى الولايات المتحدة الأمريكية عام ٢٠٢٢”، بأن عام ٢٠٢٢ شهد إنتكاسة تاريخية لحقوق الإنسان فى الولايات المتحدة، وفقاً لتقرير أذيع على قناة “سى جى تى إن” الإخبارية الصينية على موقعها الإلكترونى.
وهنا جاء تعليق المتحدثة بإسم وزارة الخارجية الصينية “ماو نينغ”، داعية الولايات المتحدة الأمريكية للتوقف عن التدخل فى شؤون الدول الأخرى، بذريعة ما يسمى بالديمقراطية. مؤكدة موقف الصين الرافض تماماً بشأن ما يسمى بـ (قمة الديمقراطية الأمريكية) التى عقدت فى ديسمبر ٢٠٢١ وتقسيم واشنطن العالم لمعسكرين وفقاً لأهوائها ما بين ديمقراطى حليف لواشنطن وإستبدادى حليف لروسيا والصين، فيما تتجاهل الولايات المتحدة أوجه القصور لديها، خاصةً مع إصرار الولايات المتحدة مرة أخرى على عقد ما يسمى بـ (قمة الديمقراطية) تحت شعار الديمقراطية المفترضة، واضعة بشكل علنى خطوطاً أيديولوجية لتقسيم العالم كله، وتدفع فى الوقت ذاته نحو الإنقسام بين بلدان العالم، بعدم إحترام روح الديمقراطية. وجاء فحوى الإنتقاد الصينى لقمتى الديمقراطية الأولى والثانية الأمريكية، هى رفض هذا النموذج الأمريكى المعد سلفاً للديمقراطية، لعدم وجود نموذج ديمقراطى معتمد وحيد، فالأدق صينياً ولدى جميع الدول الأخرى المستبعدة من مؤتمر الديمقراطيات الأمريكية، وعلى رأسها كافة الدول العربية، هى بأن هناك نماذج مختلفة ومتعددة للديمقراطية وفقاً لظروف كل دولة على حدة، فضلاً عن إتفاق الجميع فى الوقت الحالى بأن التنمية هى الأولوية القصوى لدى الجميع. ومن ثم فإن العملية الديمقراطية التى تروج لها واشنطن وإدارة بايدن الحالية، يجب ألا تتبع بالضرورة نموذجاً محدداً، حيث لا يوجد نموذج واحد يمكن إتباعه لهذه الديمقراطية. كما أنه وفقاً لوجهة نظرهم فإن الإنتخابات على الطريقة الأمريكية لا تصنع الديمقراطية، فمن المهم أن تصاحب الإنتخابات تطور المجتمع المدنى. فالديمقراطية تحتاج لوقت طويل قد يصل لعقود، بل وأجيال، كما أن تلك الديمقراطية تحتاج لتعليم ومعرفة، وتحديث إقتصادى، ووسائل إعلام مسؤولة ومستقلة، ودعم لحقوق الطفل والمرأة. وهنا، فعلى الرغم من أن الديمقراطية يمكن تشجيعها من الخارج وفقاً للتصور الأمريكى ذاته، إلا أنه من الأفضل بناؤها من الداخل ومن أبناؤه كى تستمر وتكبر.
وتتمثل وجهة النظر الصينية، فى أن مبدأ الترويج للديمقراطية الأمريكية لا يراعى أى إستناد إلى الخصوصيات الثقافية والسياسية والدينية للصين وللدول، ومن ثم فإن ما ينطبق على الصين فى رفضها الديمقراطية الأمريكية، ينطبق على باقى الأقاليم الأخرى، كأمريكا اللاتينية، أوروبا الشرقية، وشرق آسيا، وغيرها. وهنا جاء تأكيد تقرير (مجلس الدولة الصينى) بشأن الديمقراطية الأمريكية الزائفة، بأنها تتدخل فى الشؤون الداخلية للدول الأخرى تحت ذريعة الديمقراطية الزائفة، فعلى الولايات المتحدة الأمريكية تفهم أننا بحاجة لتطبيق الديمقراطية الحقيقية، ورفض الديمقراطية الزائفة، وإلى تعزيز دمقرطة العلاقات الدولية. كما أن ما يحتاجه عالم اليوم ليس ما يسمى بـ (قمة الديمقراطية الأمريكية)، والتى تخلق المشاكل والمواجهة دولياً، بل نحتاج التضامن والتعاون الذى يمكن أن يحل بالفعل المشكلات التى تواجه المجتمع الدولى كله. ومن هنا دعت الصين الولايات المتحدة على الكف عن توجيه الإتهامات إلى الدول الأخرى والتوقف عن التدخل فى الشؤون الداخلية لغيرها تحت راية ما يسمى بالديمقراطية. خاصةً أن المصالح الأمريكية باتت هى المحدد الأول للرؤية الأمريكية لنشر الديمقراطية فى العالم، وعلى الأخص منطقة الشرق الأوسط، والعالم العربى، وليس وفق رؤية موضوعية أو عقلانية أمريكية.
وعليه فإن نجاح التحول الديمقراطى فى دولة كأسبانيا على سبيل المثال، لم يقض على العمليات الإرهابية من قبل المنظمات الإنفصالية من إقليم الباسك، كما أن الإدعاء الإسرائيلى بديمقراطية نظامها السياسى، لم يمنع المتطرفين والمستوطنين من التعرض للفلسطنيين ولم تكن ديمقراطيتهم رادعة عند إغتيال رئيس وزرائهم الأسبق “إسحاق رابين” ولم تمنعهم تلك الديمقراطية من التعرض للفلسطنيين أو التدخل إستخباراتياً وعن طريق الموساد الإسرائيلى ذاته فى شؤون الدول المجاورة الأخرى، كما أنه قد تمت العديد من حوادث التفجيرات فى الولايات المتحدة الأمريكية ولندن ونيوزيلندا وفرنسا، وغيرها من الدول الغربية الديمقراطية من خلال عناصر إرهابية نشأت فى ظل نظام ديمقراطى بحت وفقاً للتصور الأمريكى والغربى ذاته. كما أنه وعلى الرغم من تحرر العراق من النظام الديكتاتورى وفقاً لمفهوم التدخل الأمريكى عسكرياً فى العراق أو أفغانستان لنشر منظومة القيم الأمريكية، إلا أن العديد من الحوادث والأعمال الإرهابية والتفجيرات تقع هنالك بشكل مستمر. كما أن السبب الحقيقى لإنتشار الأعمال الإرهابية فى العراق وأفغانستان والعديد من دول العالم كله، هو ذاته الرفض للوجود وللتدخل الأمريكى فى هذه البلاد وشؤونها الداخلية. مما يؤكد فشل فرض الديمقراطية الأمريكية وفقاً لأغراضها وتصوراتها المشبوهة حول العالم.
وهنا لابد من الرد بصرامة هنا على الولايات المتحدة الأمريكية بشأن تدخلاتها فى شؤون غيرها من الدول الأخرى بدعوى الديمقراطية بإستخدام آلية العنف أمريكياً والمجرمة دولياً، وهو ما عرف بحالة “سجن أبو غريب فى العراق” بتسريب صور وفيديوهات من داخله تتعلق ببشاعة الجرائم المرتكبة أمريكياً بإسم الديمقراطية. وما إستوقفنى حقاً فى هذا الشأن هو تلك التحقيقات التى باشرها البرلمان الأوروبي فى مواجهة الولايات المتحدة الأمريكية للتحقق من وجود سجون سرية تابعة لوكالة الإستخبارات المركزية الأمريكية فى عدة دول أوروبية، بل وتم إصدار تقرير رسمى أوروبى فى ٧ يونيو ٢٠٠٦، يتهم ١٤ دولة أوروبية بالتواطؤ بشكل مباشر أو غير مباشر مع وكالة الإستخبارات المركزية الأمريكية لإحتجاز أفراد ومسجونين قسرياً من قبل واشنطن فى قلب سجون سرية داخل أوروبا أو نقلهم بشكل غير شرعى لدول أخرى عند إكتشاف وفضح حقيقة الجرائم الأمريكية.
ولعل ما يمكن ملاحظته فى هذا الإطار، هى تلك اللعبة الإستخباراتية الأمريكية للتدخل فى شؤون الدول الأخرى من خلال لعبة الديمقراطية، أى تقسيم الدول لديمقراطية وأخرى إستبدادية، مثل (لعبة الكشوف الدورية التى تقدمها وزارة الخارجية الأمريكية من خلال سفاراتها حول العالم بشأن حالة الديمقراطية فى الدول الأخرى)، وتزويد البعثات الدبلوماسية الأمريكية بعناصر جديدة تتعلق بالدعاية للتحول الديمقراطى على النمط الأمريكى بإتباع طرق إستخباراتية لتجنيد البعض لنشر والترويج لتلك الديمقراطية الأمريكية عن طريق نشر الفوضى فى تلك البلدان بوساطة عناصر مجندة أمريكياً. فضلاً عن آلية إستخدام المؤتمرات الدولية أمريكياً لممارسة الضغوط على الدول غير الديمقراطية. وهنا تعد (وكالة المعلومات الأمريكية)، والتى أدمجت منذ سنوات بوزارة الخارجية الأمريكية نفسها، من أبرز هذه الهيئات المروجة للديمقراطية الأمريكية، بالإضافة لإستخدام وسائل وآليات إقتصادية أخرى، كالربط بين التحول الديمقراطى والمعونات.
كما أن ردى الصارم والحاد على الولايات المتحدة الأمريكية – وبإعتبارى شاهدة حية دولياً على ما بدر فى حقى من قبل واشنطن، لإعتبارى من أكثر المنتقدين لتلك السياسات الأمريكية علنياً – هو إستخدام الولايات المتحدة الأمريكية لآلية المنع من الإعلام أو الظهور الإعلامى وإتباع سياسة تكميم الأفواه أمريكياً لكل المنتقدين لها، بعمل الولايات المتحدة الأمريكية عن طريق سفاراتها لحصر دورى وشامل لكافة المنتقدين لتلك السياسات الأمريكية فى وسائل الإعلام المختلفة فى دولهم، وبالأخص من المتخصصين فى الشأنين الصينى والروسى حول العالم من المقربين من دولتى الصين وروسيا لمنعهم من الظهور الإعلامى وتكميم أفواههم، أو محاولة عقد صفقات معهم لتغيير قناعاتهم وفكرهم من ناحية الصين أو روسيا لنقدهم وفق أجندة أمريكية معدة سلفاً، وهو ما كنت شاهدة حية عليه، مع إحتفاظى بأسماء كافة أطرافه ممن مارسوا ضدى ضغوط لصالح واشنطن.
كما تستوقفنى هنا لعبة المصالح الأمريكية فى نشر الديمقراطية فى المنطقة العربية، من خلال ممارسة ضغوط على العديد من الدول العربية لإتخاذ إجراءات غير ديمقراطية بالأساس، سواء كانت عسكرية أو أمنية، ضد قوى وأحزاب وعناصر وجماعات معينة لا تريدها واشنطن. مع مطالبة السفارات الأمريكية المختلفة لبعض الحكومات العربية وغيرها حول العالم، بالتدخل لمنع الصحف فيها من توجيه إنتقادات للولايات المتحدة الأمريكية – تماماً كما حدث ويحدث معى بإستمرار ومع العديد من زملائى من أصدقاء الصين حول العالم – وإعطاء توجيهات أمريكية مباشرة عبر سفاراتها المعنية، لحصر المنتقدين لها فى المنطقة العربية كشاهدة على ما بدر منهم على وجه التحديد، لإجبار أنظمتهم على التوقف عن نشر ما تعده الإدارة الأمريكية تحريضاً على العنف والكراهية، فى إشارة إلى الإنتقادات التى توجهها وسائل الإعلام العربية للسياسة العدوانية الإسرائيلية فى المنطقة وغض واشنطن الطرف عنها بالأساس.
وعليه، فإن أى دولة عربية أو إسلامية ترفع شعارات الحرية والديمقراطية كما تريد وتروج واشنطن لا يشفع لها ذلك، بسبب ضغط الولايات المتحدة الأمريكية عليها بالأساس من أجل تقليص هامش حرية الرأى والتعبير لديها لعدم إنتقاد المصالح الأمريكية والإسرائيلية، وهو ما بات يحدث واقعياً وعملياً فى الوطن العربى لغض الطرف عن ممارسات الإحتلال الإسرائيلى وسياساته العدوانية إقليمياً ودولياً. وهو ما يثبت إغفال واشنطن لأى حرية تعبير أو ديمقراطية عندما يتعلق الأمر بمصالحها النفعية والضيقة، أو بمصالح إسرائيل. وهو ما حدث معى شخصياً وتعرض له العديد من زملائى من المتخصصين فى الشأن الصينى بالأساس حول العالم من أصدقاء الصين وحزبها الشيوعى الحاكم. مما يثبت سياسة تكميم الأفواه أمريكياً تجاه الباحثين والأكاديميين حول العالم من غير الموالين لمصالح وإدعاء ديمقراطية الأمريكان.
وأخيراً، تبقى الملاحظة الجديرة بالذكر عندى وعند الصينيين، هى إمتناع خارجية الولايات المتحدة الأمريكية عن التعليق على المعايير المعتمدة لدعوة بعض الدول أو إستبعاد بعضها الآخر، مع إكتفاء بيان الخارجية الأمريكية بابالقول “أن واشنطن لا تسعى إلى تحديد أى دول هى ديمقراطية أو ليست ديمقراطية”. وهذا فى حد ذاته منتهى العبث. كما أن العلاقات الدولية لا تقوم إطلاقاً على الأخلاق والقيم مثلما تروج الإدارة الأمريكية والرئيس بايدن، بل تقوم على القوة والمصالح، وبالتالى فإن تبنى السياسة الأمريكية لقضية نشر الديمقراطية على مستوى العالم قد يفرض قيوداً على سياستها الخارجية ومصالحها القومية عالمياً. كما أن العمل عبر الأمم المتحدة لدعم الديمقراطية يجب أن يكون هو المعيار الدولى الوحيد للحكم عن نجاح أى تجربة للتحول الديمقراطى من عدمه، لذا يجب أن يكون هدف الأمم المتحدة كمنظمة دولية حكومية تمثل كافة دول العالم، هو دعم الديمقراطية فى العالم بعيداً عن سياسات المصالح الأمريكية النفعية والضيقة.