تحيتهم يوم يلقونه سلام
تحيتهم يوم يلقونه سلام
بقلم / محمـــد الدكـــروري
إنه لا شك أن كل إنسان منا قد حُفر في ذاكرته أشخاص كان لهم الدور الفاعل والعمل الدؤوب بمواقف سطرت وحفظت، سواء بالقول أو الفعل أو رسالة أو فكرة أو كلمة خير، جبرت نفوسا، وأثلجت صدورا، فهذه المواقف تحفظ ولا تنسى، كما لم ينسي النبي صلي الله عليه وسلم موقف المطعم بن عدي حين أدخله في جواره يوم عودته من الطائف حزينا أسيفا، فقال صلي الله عليه وسلم يوم أسر أسرى بدر ” لو كان المطعم بن عدي حيّا، وكلمني في هؤلاء النتنى لأجبته فيهم ” رواه البخاري، ويقول الله تعالى ” ولا تقولوا لمن ألقى إليكم السلام لست مؤمنا” وتحية الله للمؤمنين تحية سلام ” تحيتهم يوم يلقونه سلام ” وتحية الملائكة للبشر في الآخرة سلام “والملائكة يدخلون عليهم من كل باب سلام عليكم” ومستقر الصالحين دار الامن والسلام “والله يدعو إلى دار السلام”
ويقول تعالى “لهم دار السلام عند ربهم” وأهل الجنة لا يسمعون من القول ولا يتحدثون بلغة غير لغة السلام فقال تعالى “لا يسمعون فيها لغوا ولا تأثيما، إلا قيلا سلاما سلاما” وكثرة تكرار هذا اللفظ وهو السلام على هذا النحو، مع إحاطته بالجو الديني النفسي، من شأنه أن يوقظ الحواس جميعها، ويوجه الأفكار والأنظار إلى هذا المبدأ السامي العظيم، اتجاه الإسلام نحو المثالية، بل إن الإسلام يوجب العدل ويحرم الظلم، ويجعل من تعاليمه السامية وقيمه الرفيعة من المودة، والرحمة، والتعاون، والإيثار، والتضحية، وإنكار الذات، ما يلطف الحياة ويعطف القلوب، ويؤاخي بين الإنسان وأخيه الإنسان، وقد جعل الله السلام تحية المسلم، بحيث لا ينبغي أن يتكلم الإنسان المسلم مع آخر قبل أن يبدأ بكلمة السلام، حيث قال رسولنا الكريم صلى الله عليه وسلم “السلام قبل الكلام”
وسبب ذلك أن السلام أمان ولا كلام إلا بعد الأمان وهو اسم من أسماء الله الحسنى، ومما لا شك فيه أن الرسول صلى الله عليه وسلم جاء سلاما ورحمة للبشرية ولإنقاذها وإخراجها من الظلمات الى النور، حتى يصل الناس جميعا إلى أعلى مراتب الأخلاق الإنسانية في كل تعاملاتهم في الحياة، ومن المعروف أن العالم بأسره وخاصة العرب قد شهد حروبا كثيرة في زمن نشأة الرسول صلى الله عليه وسلم وقبل بعثته، فكانت القبائل العربية تتقاتل فيما بينها أو مع القبائل الأخرى بسبب أو بدون سبب، وقد جاء الاسلام الحنيف ليخرج الناس من هذه الحياة السيئة والصعبة وينقلهم الى حيث الأمن والامان والسكينة، وكان الرسول صلى الله عليه وسلم حريصا على إبعاد الناس تماما عن الحروب وعن كل ما يؤدي إليها.
وكان صلى الله عليه وسلم ايضا يبحث دائما عن الطرق السلمية والهادئة للتعامل مع المخالفين له، وإن إقرار السلام لا يعني انتفاء الحرب تماما، بل إن الحرب وضعت في الشريعة لإقرار السلام وحمايته من المعتدين عليه، وقد أمر الله سبحانه وتعالى المسلمين المؤمنين بأن يقاتلوا في سبيله، والله هو السلام، وأمرهم بأن يقاتلوا المعتدين وينصروا المعتدى عليهم الآمنين المسالمين، وفي القرآن الكريم والسنة النبوية الشريفة عدة قواعد وأحكام ينبني عليها مفهوم السلام، مما يشكل للمسلمين قانونا دوليا يسيرون عليه، وهذه القوانين والشروط الواجب توفرها حتى يتحقق السلام تظهر في المساواة بين الشعوب بعضها البعض، فالإسلام يقرر أن الناس، بغض النظر عن اختلاف معتقداتهم وألوانهم وألسنتهم ينتمون إلى أصل واحد، فهم إخوة في الإنسانية.
ومنه قول رسول الله صلى الله عليه وسلم “كلكم لآدم، وآدم من تراب، لا فضل لعربى على أعجمى إلا بالتقوى” كما أن الوفاء بالعهود، ومنع العدوان، وإيثار السلم على الحرب الا للضرورة وإقامة العدل والانصاف ودفع الظلم، من القواعد الأساسية لتحقيق السلام بين الشعوب والمجتمعات، فلا يعتدي أحد على حق أحد، ولا يظلم أحد أحدا.