تفسير «لِنُرِيَهُ مِن ءَآيَاتِنَا إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ»

تفسير «لِنُرِيَهُ مِن ءَآيَاتِنَا إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ»

 

الإسراء والمعراج.. إنها رحلة مثَّلت حدثًا فارقًا فى تاريخ الإسلام، وحملت الكثير من المعانى والدلالات والعبر التى مازالت ممتدة فى حاضرنا المعاصر، وستظل تمدنا بالكثير من الدروس.. لأنها إحدى المحطات المهمة فى تاريخ الإسلام كله. يقول تعالي: «سُبحَنَ الَّذِى أَسرَى بِعَبدِهِ لَيلا مِّنَ المَسجِدِ الحَرَامِ إِلَى المَسجِدِ الأَقصَا لَّذِى بَرَكنَا حَولَهُ لِنُرِيَهُ مِن ءَايَتِنَآ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ». الإسراء- 1 الإسراء والمعراج فى العقيدة الإسلامية من الأحداث الضخمة فى تاريخ الدعوة الإسلامية، سبقته البعثة وجاء قبل الهجرة. وهى حادثة جرت فى منتصف فترة الرسالة الإسلامية ما بين السنة الحادية عشرة إلى السنة الثانية عشرة، منذ أن أعلن النبى محمد أن الله قد أرسل إليه جبريل يكلفه برسالة دينية يبلغها إلى قبيلته قريش ومن ثم إلى البشرية جمعاء، وأن رسالته متمة وخاتمة للرسالات السماوية السابقة.

وهى مناسبة عظمية القدر، جليلة المعنى والمقام عند المؤمينن جميعاً، فهى تبرز وجهاً من وجوه الإعجاز فى شخصية الرسول – صلى الله عليه وآله وسلم-، وتؤكّد وحدة الرسالات وعالمية الدعوة الإسلامية. كمجتمع إيمانى لابدّ وأن يعيش الإيمان وعياً وتمثلاً عملياً وفعلياً لمحطاته التاريخية والروحية، بما ينعكس مزيداً من التقوى والمسئولية والإخلاص فى كلّ جوانب الحياة كما فى هذه الذكري. والإسراء تعنى هى الرحلة التى قطعها النبى عليه الصلاة والسلام من المسجد الحرام للمسجد الأقصى بالقدس، والمعراج هو صعود الرسول عليه الصلاة والسلام من المسجد الأقصى إلى السماوات العلا .

وهى رحلة العقل والروح، وقصّة الوجدان والفكر والحركة، فى سبيل معايشة التوحيد العملى لله فى كلّ الظروف والأوضاع. لنتعلّم من سلوكه -صلى الله عليه وسلم- الذى شكّل معجزة تستحقّ التأمّل والدراسة والاتعاظ، ولنحيا برسالته، ونتجمّل بأخلاقه، ونبتعد عن كلّ ما يسيء إلى إنسانيتنا وكرامتنا وحضورنا ومصيرنا.. الإسراء والمعراج والمبعث محطات تلهمنا كلّ روحانية تحفّزنا على السموّ والارتفاع والنظر فى ملكوت الله السماوى والأرضي، كى نكون من العباد الذين يعيشون الوجود الحقيقي، ويتمثّلونه وعياً ونضجاً واستقامة وفضيلة. إنّ اختيار الرسول للإسراء والمعراج، هو تكريم له وتشريف من ربّ العالمين كفضل عليه ورحمة وبركات، كونه يمثِّل فى شخصيته كلّ إعجاز قولى وسلوكي.

والإعجاز السلوكى لرسول الله واضح بيّن، لا يحتاج إلى كثير عناية، بل نلمسه فى كلّ محطات سيرته المباركة الخاصّة والعامّة، بحيث لم يظهر فى سلوكه سوى كلّ انعكاسٍ سلسٍ وواضحٍ وقويٍّ على مدى توازنه وثبات شخصيّته فى سلوكياتها وتعاملياتها مع الناس جميعاً، فكان زوجاً كأفضل ما يكون الأزواج، وأباً حنوناً عطوفاً كأفضل الآباء، وقائداً وحاكماً كأفضل ما يكون القادة والحكَّام، وواعظاً وداعياً إلى الله. كان فى كلِّ قواه الظاهرة والباطنية النفسية والخلقية، واحداً متجانساً فى زهده وشجاعته وصبره وجهاده وتواضعه وعلمه وأخلاقه، بحيث جمع كلّ كمالٍ وجلالٍ بفضلٍ من الله ورحمته، إنّ هذه المناسبة تدفعنا إلى التوقّف قليلاً أمام تفاعلنا مع مفاهيم رسالتنا وقيم ديننا، فالمطلوب هو الارتقاء والصعود الروحى والأخلاقى والحضارى للفرد والجماعة باتجاه الأعلي، باتجاه الله تعالى ومرضاته.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *