دبلوماسية العصر الجديد للرئيس الصينى “شى جين بينغ” فى منطقة الشرق الأوسط
دبلوماسية العصر الجديد للرئيس الصينى “شى جين بينغ” فى منطقة الشرق الأوسط
تحليل للدكتورة/ نادية حلمى
الخبيرة المصرية فى الشؤون السياسية الصينية والآسيوية – أستاذ العلوم السياسية جامعة بنى سويف
بات الحديث المتداول فى منطقة الشرق الأوسط، حول: ما الذى يمكن أن تقدمه الصين لدول المنطقة كافة؟ وذلك على إثر إنتهاء المؤتمر العشرين للحزب الشيوعي الصينى فى ١٦ أكتوبر ٢٠٢٢ فى العاصمة بكين، وحفاظ الرئيس الصينى “شى جين بينغ” على منصبه بسلاسة كقائداً أعلى للدولة لعدد لا محدود من الفترات، بعدها جاء إعلان الرئيس “شى” عن ما يعرف بـ “دبلوماسية العصر الجديد”. وهو ما يعنى فتح جبهات وعلاقات جديدة للصين فى كل دولة ومنطقة حول العالم، وعلى رأسها منطقة الشرق الأوسط. ولأن الصين تركز بشكل كامل على الدول النامية، فإن الشرق الأوسط بالنسبة للصين يعد منصة مثالية لنشر نموذجها الخاص بالتنمية لفكر الرئيس “شى جين بينغ”، ولتطبيق رؤية الرئيس “شى” فيما يعرف بـ “بناء مجتمع المصير المشترك للبشرية”. وهو ما أظهرته الصين فى غضون السنوات الأخيرة، بأنها لم تعد قوة ثانوية فى منطقة الشرق الأوسط، بل باتت لاعباً رئيسياً حقيقياً فى المنطقة، وذلك بما لديها من إستعداد للإنخراط على جميع الجبهات لتحقيق مصالحها. ونلاحظ مدى إستفادة كافة بلدان الشرق الأوسط من التواجد الصينى بها بلا إستثناء فى موازنة علاقاتها بواشنطن والغرب، ولاسيما بإستخدامهم الصين كورقة مساومة في تعاملاتهم مع الولايات المتحدة وأوروبا. والمثال الأوضح على ذلك هو مساومة حكام الخليج مع الولايات المتحدة الأمريكية وأوروبا لعقد صفقات حول مبيعات الأسلحة لبلادهم من بكين بديلاً عنهم. وهنا تحاول الصين مزاحمة الولايات المتحدة على النفوذ في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا. وإتضح ذلك في الوساطة الصينية الناجحة في أحد أكثر نزاعات المنطقة تعقيداً بين السعودية وإيران.
وتحاول الصين تعزيز إستراتيجية التنمية الخاصة بها، بحيث تتكامل مع إستراتيجيات التنمية التي تخص كل دولة في المنطقة. كما تحاول الصين توفير بديل عن الهيمنة الأمنية والدبلوماسية للولايات المتحدة الأمريكية في الشرق الأوسط. وتعد إحدى مظاهر توسع حضور الصين فى المنطقة هو إصرارها على الإنخراط بشكل أكبر في مجالات الأمن والسياسة فى المنطقة، وبالأخص من خلال مبادرتى (الأمن العالمى والبنية الأمنية الجديدة للشرق الأوسط)، وهى تلك المبادرتين التي أطلقهما الرئيس الصينى “شي جين بينغ”. وفى يوم ٢٤ يونيو ٢٠٢٢، ترأس الرئيس الصينى “شى جين بينغ” ما يعرف بالحوار الرفيع المستوى بشأن (التنمية العالمية) عبر الإتصال المرئي، والذى حضره قادة من ١٧ دولة، بمن فيهم ٣ قادة من دول منطقة الشرق الأوسط، وهم الرؤساء: الرئيس الجزائرى “عبد المجيد تبون” والرئيس المصرى “عبد الفتاح السيسى” والرئيس الإيرانى “إبراهيم رئيسى”، حيث تشاوروا جميعاً مع الرئيس “شى جين بينغ” حول خطط التنمية والتعاون وتوصلوا إلى توافقات مهمة وواسعة النطاق. وفى يوم ٨ سبتمبر ٢٠٢٢، عقدت (الدورة الثالثة للمنتدى الصينى العربى للإصلاح والتنمية)، والتى ركز الإجتماع والمناقشات الدائرة فيها على (دفع تنفيذ مبادرة التنمية العالمية للرئيس الصينى “شى جين بينغ”)، حيث قدم المشاركون فيها آراء ومقترحات قيمة حول (سبل تعزيز التعاون الإنمائى بين الصين والدول العربية والعمل على بناء المجتمع الصينى العربى للمستقبل المشترك).
وهنا نجد أن “مبادرة الأمن العالمى” للرئيس الصينى “شى جين بينغ” ترتبط إرتباطاً وثيقاً بـ “مبادرة التنمية العالمية” التى أطلقها “شى” كذلك فى سبتمبر ٢٠٢١. والتى تستند إلى قناعة راسخة لدى القيادة الصينية، بأن “التنمية هى المفتاح الرئيسي لحل جميع المشكلات فى العالم”. وأعربت ١٧ دولة عربية عن دعمها لـ “مبادرة التنمية العالمية” للرئيس “شى”، وإنضمت إليها ١٢ دولة عربية، وشكلوا ما يسمى بـ “مجموعة أصدقاء مبادرة التنمية العالمية”. وتعد مبادرتى (التنمية والأمن) بمثابة البرنامج العملي للرئيس الصينى “شى جين بينغ” نحو إعادة تشكيل الحوكمة العالمية، جنباً إلى جنب مع دعوته الواضحة إلى “بناء مجتمع المصير المشترك للبشرية”، ومبادرة الحزام والطريق. وهو ما يمثل أعظم إستفادة حقيقية لكافة بلدان المنطقة من الصين ودورها فى المنطقة.
كما إستخدمت الصين حق النقض (الفيتو) فى مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة أكثر من ١٠ مرات لإحباط المبادرات الغربية ضد نظام الرئيس “بشار الأسد” في سوريا. كما تتقاطع منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا مع الموانئ التي أنشأتها الصين أو مولتها. وإستفاد الجميع من هذه المشروعات التنموية الصينية، خاصةً مع زيادة حجم الإستثمارات الصينية فى المنطقة من خلال المجمعات الصناعية والموانئ ومناطق التجارة الحرة التي تقودها الصين، والتى تربط الشرق بالغرب، من الخليج العربى إلى البحر الأبيض المتوسط.
كما شهدت السنوات الأخيرة، تدفقاً صينياً مستمراً فى الزيارات الدبلوماسية بين دول الشرق الأوسط والصين، من خلال العديد من المنتديات الدولية والمعارض التجارية التى تجمع بين الطرفين. بالإضافة إلى تعاون الصين مع دول الشرق الأوسط بشكل متزايد في مجال الأمن غير التقليدى. فإلى جانب الجهود المشتركة بين الصين وكافة بلدان المنطقة فى محاربة جائحة كورونا وقضايا تغير المناخ، كان هناك إرتفاع في التدريب المشترك بين الصين وبلدان المنطقة بشأن مكافحة الإرهاب، والتعاون في مجال الأمن السيبراني والرقمي، وهو ما أبرزته (مبادرة التعاون بين الصين وجامعة الدول العربية في مجال أمن البيانات)، والتى تم توقيعها عام ٢٠٢١.
وهنا لابد من الإشارة إلى (المنظومة الأمنية الجديدة للصين في الشرق الأوسط)، وهو ما أعلنته الصين فى ٢١ سبتمبر ٢٠٢٢، عبر وزير خارجيتها وعضو مجلس الدولة الصينى حينئذ “وانغ يى”، وذلك فى الدورة الثانية من “منتدى أمن الشرق الأوسط” فى العاصمة بكين، تحت عنوان: “بناء هيكل أمني جديد في الشرق الأوسط”. بدعم قوى من معهد الصين للدراسات الدولية، التابع لوزارة الخارجية الصينية، بدعوة أكثر من سبعين شخصية أمنية من جميع أنحاء الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، بما في ذلك قادة دول ودبلوماسيين سابقين. وحملت الدورة الثانية لمنتدى أمن الصين والشرق الأوسط شعار “دفع بناء إطار جديد لأمن الشرق الأوسط، وتحقيق الأمن الإقليمي المشترك”، وجاء خلال الجلسة الإفتتاحية للمنتدى تأكيد مستشار الدولة الصينى وزير الخارجية “وانغ يى” على حرص الصين على إغتنام الفرصة لتنفيذ (مبادرة الأمن العالمى) التى طرحها الرئيس الصينى “شى جين بينغ”، للعمل مع دول الشرق الأوسط والمجتمع الدولى على (دفع بناء إطار جديد لأمن الشرق الأوسط). وأعلنت الصين عن إقتراحها صراحةً فيما يخص أمن الشرق الأوسط، وذلك من خلال إقتراح وزير خارجيتها “وانغ يى” المكون من (أربع نقاط) لتنفيذ إستراتيجية صينية جديدة مقترحة فى (التمسك بمفهوم أمني جديد) يقوم على أمن مشترك وشامل وتعاوني ومستدام، وترسيخ المكانة القيادية لدول الشرق الأوسط (بدلاً من اللاعبين المتطفلين على المنطقة وفق التعبير الصينى)، مع الإلتزام الصينى مع كافة بلدان المنطقة بأهداف ومبادئ ميثاق الأمم المتحدة، وتعزيز الحوار حول الأمن الإقليمى بين الصين والمنطقة بشفافية. وهو ذاته ما طرحه الرئيس الصينى “شى جين بينغ” خلال خطابه فى القمة التي جمعت الصين بدول مجلس التعاون الخليجي في ديسمبر ٢٠٢٢، عبر دعوة الرئيس “شى” لكافة الدول الإقليمية للإنضمام إلى (مبادرة الأمن العالمى)، وتأكيده على أن الصين ودول مجلس التعاون الخليجي يجب أن يكونا شركاء في سبيل أمنهم المشترك. وهو ما يعد من وجهة نظرى بمثابة إنخراطاً أمنياً صينياً حقيقياً فى المنطقة.
وبناءً على ما سبق، نجد أن دبلوماسية الرئيس الصينى “شى جين بينغ” فى العصر الجديد بعد المؤتمر الوطنى العشرين للحزب الشيوعى الحاكم فى الصين فى ١٦ أكتوبر ٢٠٢٢ فى بكين، تتوافق مع رؤية الصين والدول العربية المشتركة على دفع عجلة التعددية القطبية للقوى الدولية ودمقرطة العلاقات الدولية، والعمل سوياً على الدفع بإقامة نظام جديد أكثر عدلاً وديمقراطية، والتركيز على الدعوة إلى إحترام ميثاق الأمم المتحدة والقواعد الأخرى المعترف بها فى العلاقات الدولية، والتمسك بمبدأ مساواة السيادة وعدم التدخل فى الشؤون الداخلية، وحق جميع الدول فى المشاركة المتساوية فى الشؤون الدولية كبيرة كانت أو صغيرة، قوية أو ضعيفة، فقيرة أو غنية، متزامنة مع دعم حقوق كافة الشعوب لكسب الحرية والإستقلال والسيادة على جميع أراضيها وفقاً للقانون الدولى وقرارات الأمم المتحدة ذات الصلة. وهنا نجد بأن هذه الرؤى التى تعكس المطالب السائدة للدول النامية ساهمت في صيانة المصالح المشتركة للدول النامية وتدعيم القضية العادلة للسلام والتنمية في العالم مع الصين فى العصر الجديد.