رئيس اتحاد الوطن العربي الدولي ورئيس الإتحاد العالمي للعلماء والباحثين يؤكد أن الغرور اّفة الاّفات
رئيس اتحاد الوطن العربي الدولي يؤكد أن الغرور اّفة الاّفات
بقلم \ المفكر العربي الدكتور خالد محمود عبد القوي عبد اللطيف
مؤسس ورئيس اتحاد الوطن العربى الدولى
رئيس الإتحاد العالمي للعلماء والباحثين
الرئيس التنفيذي لجامعة فريدريك تايلور بالولايات المتحدة الأمريكية
الرئيس التنفيذي لجامعة بيرشام الدولية بأسبانيا
الرئيس التنفيذي لجامعة سيتي بكمبوديا
الرئيس التنفيذي للمؤسسة الدولية للدراسات المتقدمة بأمريكا
ورئيس جامعة الوطن العربي الدولي ( تحت التأسيس )
الرئيس الفخري للجمعية المصرية لتدريب وتشغيل الخريجين
مستشار مركز التعاون الأوروبي العربي بألمانيا الإتحادية
الرئيس الفخري لمنظمة العراق للإبداع الإنساني بألمانيا الإتحادية
جبَلَ اللهُ الإنسانَ على حُبِّ التملُّك والتغلُّب، وفطر نفسه على النُّزوع إلى المنافَسة والتَّكاثر، بالتنافس تتعلَّق النُّفوس فيما يطمح إليه، وبه تتمسك الأيدي فيما يطمع فيه، والناس بلا تنافسٍ جثثٌ هامدة، وأجسادٌ خاوية، ولولا التنافسُ لضعفت عزائمهم، وماتت هِمَمُهم، ولتراخَوْا عن العمل، وقلَّ إنتاجهم، والتنافس جبِلَّة وطبعٌ وخلُق، يوجد في الخير، ويُرى في الشَّر، ويقع بين الأخيار كما يكون بين الأشرار، ويُعرَف منه الشريف المنيف العالي، وينكر منه الوضيع المنحطُّ الدَّاني، ومنه الممدوح المرغوب فيه، ومنه المذموم الممقوت، وهو لا يُمْدَح لِذَاته ولا يُذَمُّ لذاته، وإنما يتَّجه إليه المدح والذمُّ بحسب ما يكون فيه، وترى الناس في هذا مشارِبَ شتَّى، ومَسارب مختلفةً، فمنهم التقيُّ النَّقي الرَّضي، الحيُّ القلبِ، السليمُ الفؤاد، العالِمُ بحقيقة الدنيا وسرعة فنائها وقلَّة متاعها، الموقن بِقُرب الآخرة ودوام نعيمها وعلو درجاتها، فغاية ما يُنافس فيه آخِرَته، لا تجده مشغولاً إلا بها، ولا مُسابِقًا إلا إليها، قد أهَمَّتْه نجاة نفسه وفكاك رقبته، حالُه كما قال سَلَفُه:
لِنَفْسِيَ أَبْكِي لَسْتُ أَبْكِي لِغَيْرِهَا
لِنَفْسِيَ مِنْ نَفْسِي عَنِ النَّاسِ شَاغِلُ
ومِثل هذا لا يزداد بطول عُمره إلاَّ حرصًا على العبادات، وإقبالاً على الطَّاعات، واستكثارًا من القربات، وتزَوُّدًا من الحسنات، ونفعًا للآخرين، وإيثارًا لهم على نفسه، إذا نافَسُوه في الدُّنيا، وشَحُّوا بها، جعلها في نُحورهم ونافسَهم في الآخرة، وإذا زاحموه في الفانية سبقهم إلى الباقية.
وأمَّا مَن أغفل الله قلبه عن ذِكْره واتَّبَع هواه وكان أمره فرُطًا، فلا تراه ينافس إلاَّ في الحطام، يسارع إلى ما فيه تدميرٌ لغيره، ويتزيَّد بما ينقصه مِن حقِّ مَن سواه، ولا يحلو له الرُّقي إلاَّ على كتف مَن هو أضعف منه، ولا ينفعه ويسرُّه إلاَّ ما يضرُّ الآخرين ويحزنهم.
والحقُّ أن طلب المال وتمَلُّك العقار، وتكثير الأنعام والحرص على الحَرْث، والتنافس في الرُّقي إلى المعالي والتسابق في صعود القمم، لا لوم فيه بإطلاقٍ؛ إذِ الإنسان لِحُبِّ الخير شديدٌ، وهو يحبُّ المال حُبًّا جمًّا، و((نِعْمَ المالُ الصَّالح للرَّجُل الصالح))، ولكن اللَّوم والعيب أن يَطْغى حُبُّه للمال على دينه، ويعْمِيه حبُّ التملُّك عن توخي الحلال، ويَحْمله الحرص على تعدِّي حدوده، ثم يمنعه الشحُّ من إيتاء الناس حقوقهم، ويدفعه البخل إلى بَخْسِهم أشياءهم.
نعَمْ حين يؤدِّي التنافس بالإنسان إلى أن يؤْثِر الدُّنيا على الآخرة، فيُؤْذِي مَن حوله ويظلمهم، ويغاضبهم ويخاصمهم، فإنَّ هذا هو التنافس الذي غاية ما يجني صاحبه من ورائه أن يفقد المودَّات ويَكْسب العداوات، ويُحْرم بركة العبادات وحلاوة الطَّاعات ولذَّة المناجاة، وعلامة ذلكم التَّنافُسِ المذموم أن يتجاوز صاحبه قَصْدَ الاستغناء عن الآخرين، وإعفاف نفسه وكفاف مَن يعول، ثم يتَّجِه إلى التكثُّر والتكاثر، ويكون هدفه المزايدة والتفاخر، وهذا النَّوع من التنافس هو داعية الهلاك، قال – صلى الله عليه وسلم -: ((فوالله ما الفَقْر أخشى عليكم، ولكنْ أخشى أن تُبْسَط الدنيا عليكم كما بُسِطَت على مَن قبلكم، فتَنافَسُوها كما تنافَسوها، فتُهْلِكَكم كما أهلكتْهم))؛ رواه البخاري ومسلمٌ.
وهو حقيقةٌ وقعَتْ بَعْده – عليه الصلاة والسلام – وما زال الناس يرَوْنها مع تغَيُّر أحوالهم غِنًى وفقرًا، ويلمسونها في تقلُّب دهرهم عُسرًا ويسرًا، فحين يسود فيهم الفقر، وتعمُّهم قلَّة ذات اليد، فإنَّك لا ترى فيهم التَّنافس على تمَلُّك الأراضي الواسعة، أو التطاول في البنيان، أو التسابق إلى بناء المساكن الفخمة وشراء المراكب الوطيئة، وإنما يشتدُّ التَّنافس ويتطاير شرره ويظهر ضرَرُه، حين تُبْسَط الدنيا عليهم ويُرزَقون الصِّحَّة والفراغ، فبدلاً من أن يَنْصبوا في عبادة ربِّهم ويَرْغبوا إليه، ويحفظوا نِعَمَه بِشُكره، ويقيِّدوها بطاعته، ويستغلُّوا ما آتاهم في التزوُّد لأُخْراهم، فإنك تراهم يتنافسون في التملُّك والتضييق على بعضهم، ويشتغل المضيَّق عليه بشكوى غيره، فتكثر الخصومات وتشتدُّ المنازعات، وتطول القضايا وتتابع المُطالَبات، فتتفرَّق القلوب بعد اجتماعٍ، وتتشَرْذَم الأجساد بعد ائتلافٍ، وتشتعل الفِتَن بعد خمودٍ، وتبرز العداوات بعد سكونٍ، وتقوم سوق الظُّنون الكاذبة، وينبت التحسُّس والتجسُّس، ويَحُلُّ التباغُض والتَّدابر محَلَّ المحبَّة والتواصل، ويفشو ظلم الآخرين واحتقارهم، ويَخْذل المسلم أخاه، ويقسو عليه، وقد كان حقيقًا بِنُصرته ورحمته، وصدق – صلى الله عليه وسلم – إذ قال: ((إيَّاكم والظنَّ؛ فإن الظن أكْذَبُ الحديث، ولا تحسَّسوا ولا تجسَّسوا، ولا تنافَسُوا ولا تحاسدوا، ولا تباغضوا ولا تَدابروا، وكونوا عباد الله إخوانًا كما أمرَكم، المُسْلِم أخو المسلم لا يَظْلمه ولا يَخْذله ولا يَحْقره، التَّقوى ها هنا، التقوى ها هنا، التقوى ها هنا))، وأشار إلى صدره، ((بِحَسْبِ امْرئٍ من الشرِّ أن يَحْقِر أخاه المسلمَ، كلُّ المسلمِ على المسلم حرامٌ؛ دمه، وعرضه، ومالُه))؛ رواه البخاري ومسلمٌ، واللفظ له.
ألاَ فلْنتَّقِ الله – إخوة الإيمان – ولْنتذكَّرْ حين نتنافس في جَمْع الدُّنيا ونتسابق على حطامها – أنَّ أصحاب رسول الله – الذين هم خير الناس وأفضل القُرون – كانوا يتنافسون على العمل الصالح؛ فعن عُمَر بن الخطاب – رضي الله عنه – قال: أمَرَنا رسول الله – صلى الله عليه وسلم – أن نتصدَّق، ووافق ذلك عندي مالاً، فقلتُ: اليومَ أسبِقُ أبا بكرٍ إن سبقتُه يومًا، قال: فجئت بنِصْف مالي، فقال رسول الله – صلى الله عليه وسلم -: ((ما أبقيتَ لأهلك؟)) فقلتُ: مِثْلَه، وأتى أبو بكرٍ بكلِّ ما عنده، فقال: ((يا أبا بكرٍ، ما أبقيت لأهلك؟)) فقال: أبقيتُ لهم الله ورسولَه، قلتُ: لا أسبقه إلى شيءٍ أبدًا؛ رواه التِّرمذي وأبو داود، وحسَّنَه الألباني.
أرأيتم علاَمَ سابقَ عُمَر الفاروقُ أبا بكرٍ الصِّدِّيق – رضي الله عنهما؟ هل سابقَه إلى تمَلُّك قطعة أرضٍ في صحراء جرداء؟ هل تَضايَقا على شارعٍ حتى لا يَكاد يمرُّ منه أحدهما؟ هل تنافَسا على الجمع والمَنْع؟! لا والله، إنما نافس الفاروقُ الصِّديقَ في البَذْل والعطاء، نافَسَه في رضا الله ورسوله وما يقرِّبه إلى الدَّار الآخرة، فهنيئًا لقلوبٍ هذا شأنها، هنيئًا لعقول ذاك تفكيرها، وتبًّا لنفوسٍ لا تفكِّر إلاَّ في الدنيا وزخارفها، ولا تقوم وتقعد إلاَّ لِطَلَبِها، ولا تنافس إلاَّ فيها، أعوذ بالله من الشيطان الرجيم ﴿ أَلْهَاكُمُ التَّكَاثُرُ * حَتَّى زُرْتُمُ الْمَقَابِرَ * كَلَّا سَوْفَ تَعْلَمُونَ * ثُمَّ كَلَّا سَوْفَ تَعْلَمُونَ * كَلَّا لَوْ تَعْلَمُونَ عِلْمَ الْيَقِينِ * لَتَرَوُنَّ الْجَحِيمَ * ثُمَّ لَتَرَوُنَّهَا عَيْنَ الْيَقِينِ * ثُمَّ لَتُسْأَلُنَّ يَوْمَئِذٍ عَنِ النَّعِيمِ ﴾ [التكاثر: 1 – 8].
ما أشدَّ ما يَجْلبه التنافس على الدُّنيا للنُّفوس من الهمِّ! وما أكبرَ ما يَحْمِلها من الغمِّ! الزوجة تشْغل زوجها بطلب ما يَجْعلها أجْمَلَ من جاراتها وصاحباتها، والابْن يُلِحُّ على أبيه؛ ليوفِّر له أفخم سيارةٍ، وأثمن جوَّالٍ؛ لِيُنافس بهما أصحابه وزُمَلاءه، والبنت لا تريد أن تَقِلَّ عن زميلاتها وصديقاتها في مدرستها أو كُلِّيَّتِها، وأما الأَبُ نَفْسُه فليس بِأَحسنَ مِن زوجه وأبنائه حالاً، ولا أقلَّ منهم هَمًّا ولا أبعد غمًّا، بل إنَّ ذهنه مشغولٌ بمشروعاتٍ تَفْنى دون تحقيقها الأعمار، وعقله مُرْتَهَنٌ بأفكارٍ أكبر مما تملكه يده، وقبل أن يوفِّر لزوجه أو ابنه أو ابنته ما طلَبوا، فهو يَخْشى أن يُنظَر إليه نظرةً دونيةً، ومِن ثَمَّ فهو مشغولٌ بإظهار نفسه أمام الآخرين بالمظهر الذي يراه به لائقًا، وقد يقترض أو يستدين أو ينهب ما يستطيع، أو يستجمع قُواه بِحُجَجٍ شيطانيَّةٍ، ويستنصر شهود الزُّور أو يدفع رشوةً؛ ليوفِّر لنفسه ما دعاه إليه التنافُس.
إنها نفوسٌ مَرِضَتْ بحبِّ الدنيا والتنافس عليها، نفوسٌ ربما ضيعت حقَّ ربِّها بتضييع الصَّلوات ومنع الزَّكوات والشُّح بالصدقات، ثم هي تأكل حقَّ الفقراء والضعفاء، وتبخل برواتب العُمَّال والأُجَراء، تُزَيِّن دور مرورها وغرورها، وتنسى مآلها وتغفل عن مصيرها.
ونظرةٌ إلى الناس في الدخول إلى المساجد والخروج منها في الصَّلوات، تُرِي النَّاظر العجب العُجاب، تباطؤٌ في الحضور، وتمَلْملٌ في الجلوس، ثم ما يكاد الإمام يُسلِّم وينصرف إليهم بوجهه، إلاَّ وقد تسابقوا إلى الأبواب مُزْدَحِمين، كأنَّما كانوا في حبسٍ فأُطْلِق سراحهم.
وفي مشهدٍ آخَر، تعالَ إلى الناس حين يُذْكَر لهم أنَّ جمعيةً أو فاعِلَ خيرٍ يوزِّع صدقةً أو يعطي قليلاً من زكاة، تراهم وقد بكَّروا وتزاحموا، وتضايقوا وتنافسوا، وعَلَتْ أصواتهم وفاحت روائحهم، وربما سابق غنيُّهم فقيرَهم.
ثم تعال وادْعُهم إلى إنفاق القليل في سبيل الله؛ لبِنَاء مسجدٍ، أو دعْم حلقةِ قُرآن، ترَهُم يتسلَّلون لِوَاذًا ويتفرَّقون، وينصرفون وكأنَّهم لا يسمعون، في حين أن ربَّهم لما ذَكَر لهم ما أعدَّه للأبرار من النعيم، قال لهم مُشوِّقًا ومرغِّبًا: ﴿ وَفِي ذَلِكَ فَلْيَتَنَافَسِ الْمُتَنَافِسُونَ ﴾ [المطففين: 26].
وإذا رأيتم النَّاس في دنياهم يتنافسون، وعلى حُطامها يتطاحنون، فنافِسوا في عمل الآخرة، واستَبِقوا الخيرات، قال – سبحانه -: ﴿ سَابِقُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا كَعَرْضِ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ أُعِدَّتْ لِلَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ ﴾ [الحديد: 21]، وقال – عليه الصلاة والسلام -: ((لا حسد إلا في اثْنَتيْن: رجلٌ آتاه الله القرآن فهو يقوم به آناءَ اللَّيل وآناء النهار، ورجلٌ آتاه الله مالاً فهو يُنفقه آناء الليل وآناء النهار))؛ متفقٌ عليه.
وقال – عليه الصلاة والسلام – لِشَدَّاد بن أوس – رضي الله عنه -: ((يا شدَّاد بن أوس، إذا رأيتَ الناس قد اكْتَنَزوا الذَّهب والفضة فاكْنِزْ هؤلاء الكلمات: اللَّهم إنِّي أسألك الثَّبات في الأمر، والعزيمةَ على الرشد، وأسألك مُوجِبات رَحْمتك، وعزائِمَ مغفرتك، وأسألك شُكْرَ نعمتك، وحُسْن عبادتك، وأسألك قلبًا سليمًا، ولسانًا صادقًا، وأسألك مِن خير ما تَعْلم، وأعوذ بك من شرِّ ما تعلم، وأستغفرك لِمَا تعلم، إنَّك أنت علاَّم الغيوب))، وقال الحسَن: “إذا رأيت الرَّجُل يُنافِسُك في الدنيا فنافسْه في الآخرة”، وقال وُهَيب بن الوَرْد: “إن استطعْتَ ألاَّ يَسْبِقَك إلى الله أحدٌ فافْعَل”.