رئيس اتحاد الوطن العربي الدولي يؤكد أن اللغة العربية اّلية ضرورية لفهم الخطاب الشرعى
بقلم \ المفكر العربى الدكتور خالد محمود عبد القوي عبد اللطيف
مؤسس ورئيس اتحاد الوطن العربي الدولي
رئيس الإتحاد العالمي للعلماء والباحثين
الرئيس التنفيذي لجامعة بيرشام الدولية بأسبانيا
الرئيس التنفيذي لجامعة سيتي بكمبوديا
الرئيس التنفيذي للمؤسسة الدولية للدراسات المتقدمة بأمريكا
ورئيس جامعة الوطن العربي الدولي ( تحت التأسيس )
الرئيس الفخري للجمعية المصرية لتدريب وتشغيل الخريجين
الرئيس الفخري لمنظمة العراق للإبداع الإنساني بألمانيا الإتحادية
الرئيس التنفيذي للجامعة الأمريكية الدولية
الرئيس الفخري للمركز الدولي الفرنسي للعلماء والمخترعين
الرئيس الشرفي للإتحاد المصري للمجالس الشعبية والمحلية
قائمة تحيا مصر
مما لاشك فيه أن هيمنة اللهجات العاميَّة، وسيطرة اللغات الأجنبية، مع الإهمال المقصود للُّغة العربية حتى في المدارس والجامعات والإذاعات والقنوات العربية – فيه استهداف مغرض للهُويَّة الحضارية للأمة الإسلامية؛ ذلك أنَّ اللغة العربية هي لغة القرآن، وإهمالها واستهدافها ليس متوقفًا عندها؛ بل هو استهداف للقرآن الكريم؛ لأنَّها ركنٌ عظيم من أركانه لا يمكن الاستغناء عنه ولا فهمُ القرآن بدونه؛ لأنَّ الله تعالى لمَّا أنزل أشرفَ كتبه “القرآن الكريم” على أشرف رسله “محمد صلى الله عليه وسلم”، اختار له أشرفَ اللغات وأفصحَها وأقدرها على تأدِية معاني القرآن بأوجز الألفاظ وأجزلها بصورة أعجزَت فُصحاء العرب وشعراءهم…، قال تعالى: ﴿ إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ ﴾ [يوسف: 2]، يقول ابن كثير في تفسير هذه الآية: “وذلك لأنَّ لغة العرب أفصح اللُّغات وأبيَنُها وأوسعها وأكثرها تأدية للمعاني التي تقوم بالنفوس؛ فلهذا أُنزل أشرفُ الكتب بأشرف اللغات، على أشرف الرسل، بسفارة أشرفِ الملائكة، وكان ذلك في أشرف بقاع الأرض، وابتدئ إنزاله في أشرف شهور السنَة، وهو رمضان، فكمل من كل الوجوه”[1].
ونظرًا لهذا الإهمال الذي تعانيه اللُّغة العربية من طرف أبنائها، والاستهداف المغرِض من طرف أعدائها، فإنَّ الواجب يقتضي أن يتحمَّل كلُّ مسلم همَّ إحيائها والتذكير بضرورتها وأهميتها، وحرقة الاهتمام بها، ومسؤوليَّة الدفاع عنها، والذَّود عن حياضها، كلٌّ حسب قدرته وطاقته، و﴿ كُلٌّ يَعْمَلُ عَلَى شَاكِلَتِهِ ﴾ [الإسراء: 84].
فهم اللغة العربية شرط ضروري من شروط المفسر:
لقد كان الإمام الشافعي والإمام الشاطبي من أَكبر المنافحين عن عربيَّة القرآن؛ لأنَّه لا يُعقل أن يفسِّر أحد القرآنَ وهو يجهل اللغة العربية التي نزل بها، ففَهْم اللغة العربية شرطٌ ضروري من شروط المفسر، قال الإمام الشافعي: “وإنما بدأتُ بما وصفتُ من أنَّ القرآن نزل بلسانِ العرَب دون غيره؛ لأنَّه لا يعلم من إيضاح جمل علم الكتاب أحد جَهِلَ سعةَ لسان العرب وكثرة وجوهه وجِمَاع معانيه وتفرُّقها، ومَن علِمه انتفت عنه الشُّبَه التي دخلَت على من جهل لسانها”[2].
كما ذهب الإمام الشاطبي إلى ما ذهب إليه الشافعي حول عربيَّة القرآن، وبيَّن أنَّه لا سبيل إلى فهمه (أي: القرآن) من غير لغته، قال الشاطبي: “وإنَّما البحث المقصود هنا أنَّ القرآن نزل بلسان العرَب على الجملة، فطلب فهمه إنَّما يكون من هذا الطريق خاصة؛ لأنَّ الله تعالى يقول: ﴿ إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا ﴾ [يوسف: 2]، وقال: ﴿ بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُبِينٍ ﴾ [الشعراء: 195]، وقال: ﴿ لِسَانُ الَّذِي يُلْحِدُونَ إِلَيْهِ أَعْجَمِيٌّ وَهَذَا لِسَانٌ عَرَبِيٌّ مُبِينٌ ﴾ [النحل: 103]، وقال: ﴿ وَلَوْ جَعَلْنَاهُ قُرْآنًا أَعْجَمِيًّا لَقَالُوا لَوْلَا فُصِّلَتْ آيَاتُهُ أَأَعْجَمِيٌّ وَعَرَبِيٌّ ﴾ [فصلت: 44]، إلى غير ذلك مما يدلُّ على أنَّه عربي وبلسان العرب، لا أنَّه أعجمي ولا بلسان العجَم، فمن أراد تفهُّمه، فمِن جهة لسان العرَب يُفهم، ولا سبيل إلى تطلُّب فهمه من غير هذه الجهة”[3].
فالعرب الأوائل كانوا يتقنون اللغةَ العربية سليقَةً من غير حاجة إلى شَرْح مفرداتها ولا تراكيبها؛ لأنَّ الله تعالى ألهمهم النطقَ بالصواب من غير لحنٍ ولا خطأ…، فلمَّا نزل القرآن الكريم كانت لغته على معهودهم، ممَّا ساعدهم على فهم ألفاظه ودلالاته، وإدراكِ مقاصده ومراميه، واستنباطِ أحكامه وتذوُّقِ معانيه…، وما قيل عن القرآن يُقال عن السنَّة النبوية التي كانت ألفاظها عربيَّة وأساليبها كذلك.
ومَن أراد فهم هذين الأصلين (القرآن والسنة النبوية) فهمًا صحيحًا سليمًا؛ لزمه فهم اللغة التي وردَا بها، وبنفس القدر والدَّرَجة التي يفهم المرء اللُّغة العربية يكون فهمه في القرآن، فإذا كان مبتدِئًا في فهم اللغة يكون مبتدئًا في فهم الخطاب الشرعي، وإذا كان متوسطًا يكون فيهما معًا، وإذا كان حاذقًا ففيهما معًا، فهما سيَّان؛ لذلك كان الحذق في اللغة العربية ركنًا أساسيًّا يحتاجه كلُّ مجتهد في علوم الشريعة، يقول الإمام الشاطبي رحمه الله: “وإذا كانت عربيَّة (أي: الشريعة)، فلا يفهمها حقَّ الفهم إلاَّ من فهم اللغةَ العربية حقَّ الفهم؛ لأنهما سيَّان في النمط ما عدا وجوه الإعجاز، فإذا فرضنا مبتدِئًا في فهم العربية فهو مبتدئ في فهم الشريعة، أو متوسطًا؛ فهو متوسِّط في فهم الشريعة، والمتوسِّط لم يبلغ درجة النهاية؛ فإن انتهى إلى درجة الغاية في العربية كان كذلك في الشريعة؛ فكان فهمه فيها حجَّة كما كان فهم الصحابة وغيرهم من الفُصَحاء الذين فهموا القرآن حجَّة، فمن لم يبلغ شَأْوهم، فقد نقصه من فهم الشريعة بمقدار التقصير عنهم، وكل من قصر فهمُه لم يعد حجَّة، ولا كان قوله فيها مقبولاً”[4].
ظهور الدرس اللغوي:
وبعدما اتَّسعَت رقعة الدَّولة الإسلامية، ودخل الناس في دين الله أفواجًا، واختلط العرب بالعجَم، وقع اللَّحن في اللغة العربية…، فأسرع المسلمون الأوائل إلى تقعيد اللُّغة، وضبط كلماتها، بل أجمعوا على ضرورة حفظ اللغة العربية؛ من أجل الحفاظ على الوحي مما قد يشوبه نتيجة الإهمال من الضَّياع والتحريف، ومن هنا تشكَّل الدرس اللغوي وأصبح حاجة ضروريَّة لفهم الخطاب الشرعي؛ لذلك ففَهْم القرآن والسنة مَقصَدٌ عظيم من مقاصد اللغة العربية وغايةٌ كبرى من غاياتها؛ حيث إنَّها وُضعَت للإفهام، وبدونها لا يمكن فهمه، وما لا يتم الواجب إلاَّ به فهو واجب.
واجب المسلم تجاه اللغة العربية:
وانطلاقًا من هذا الوجوب وإحساسًا به وبروح المسؤولية الملقاة على عاتق المسلمين، انبرَت أقلام العلماء الجهابذة المجدِّين المجتهدين في سبيل خدمة القرآن والسنَّة النبويَّة الشريفة، وكل ما يتَّصل بهما من قريب أو بعيد، فحذقوا في اللُّغة العربية وتسلَّحوا بها، واستطاعوا بها فهمَ القرآن واستنباط الأحكام منه وتعلمه وتعليمه أداءً ورسمًا…
فلا ينبغي أن تضيع هذه الجهود سدًى، ويطويها التاريخ طيًّا، وتكون نسيًا منسيًّا؛ بل يجب على كلِّ مسلم أن يبذل جهدَه حسب استطاعته وقدرته في سبيل فهم اللغة العربية، وأن يوظِّفها في خدمة القرآن الكريم والحديث النبوي الشريف؛ حتى يتحقَّق الفهم الجيِّد والتدبر المطلوب للوحي، قال الإمام الشافعي: “فعلى كلِّ مسلم أن يتعلَّم من لسان العرب ما بلغه جهده حتى يشهد به أن لا إله إلا الله وأن محمدًا عبده ورسوله، ويَتْلو به كتابَ الله وينطق بالذِّكر فيما افتُرض عليه من التكبير وأُمر به من التسبيح والتشهد وغير ذلك”[5].
القدر المطلوب فهمه من اللغة العربية:
أما القَدْر المطلوب من المسلم فهمه من اللُّغة، فهو ما يتمكَّن به من فهم خطاب العرب وعادتهم في الاستعمال، قال أبو حامد الغزالي: “أمَّا المقدمة الثانية، فعِلم اللغة والنحو؛ أعني: القدر الذي يُفهم به خطابُ العرب، وعادتُهم في الاستعمال إلى حدٍّ يميز بين صريحِ الكلام وظاهرِه ومجملِه، وحقيقته ومجازه، وعامِّه وخاصِّه، ومحكمه ومتشابهه، ومطلَقه ومقيَّده، ونصِّه وفحواه، ولحنه ومفهومه”[6].
العلاقة بين اللغة العربية والخطاب الشرعي:
والمتأمِّل في الآيات القرآنيَّة، والناظر في تاريخ اللغة العربية والقضايا النَّحوية – يدرك العلاقةَ الجدليَّة الوطيدة التي تجمع بين الخطاب الشرعي والدراسات اللغويَّة، ويُخطئ من يظن أنَّ النحو مجرَّد قواعد جافَّة لا علاقة لها بالوحي؛ بل إنَّ أساليبه العربية هي التي تؤثِّر في قلوب المؤمنين المتذوِّقين للغة العربية وتحرِّك مشاعرَهم.
فمن جهةٍ نجد أنَّ القرآن الكريم هو الذي حفظ اللغةَ العربية من الضياع، فاكتسبَت شرف الحفظ منه، ولولاه ما نالَت تلك المكانة المرموقة التي حظيت بها من قِبَل المهتمين بها على مرِّ التاريخ، وبفضلِه يستحيل أن تتعرَّض للاندثارِ والانقراض؛ لأنَّ الله تعالى تكفَّل بحفظ القرآن من الضياع والتحريف والتغيير…، بأن هيَّأ له من أسباب الحفظ والرعاية ما لم يهيَّأ لغيره من الكتب، ومن أجله هيَّأ للغة القرآن من أسباب الحفظ مالم يهيَّأ لنظيراتها من اللغات؛ لأنَّ اللغة العربية لغة القرآن، فحفظُها مستمدٌّ من حفظه، ووجودها من وجوده.
ومن جهة ثانية نجد أن فهم اللُّغة العربية له أثر كبير في فهم الخطاب الشرعي فهمًا صحيحًا يجعل المسلمَ صائب الرأي، سديدَ الفهم، مدركًا للتأويلات التي تحتملها نصوصُ الوحي بدون إفراطٍ لا يقصده العرب في مخاطباتهم بمثلِه، ولا تفريط غير معهودٍ عليهم؛ لذلك جُعلَت اللغة العربية وسيلة أساسيَّة وأداة ضرورية لفهم النصوص الشرعية؛ بل إنَّها وعاء العلوم الإسلامية كلِّها، وكلما ابتعدنا عن فهمها، ابتعدنا عن فهم القرآن، وكلما كانت الأجيال اللاحقة للجيل الأول أَقرب، كانت للغته أَفْهم، ولتدبُّر معاني القرآن أجدر.
ومما يزيد اللغةَ العربية مكانةً ويعظمها قدرًا أنَّ لبيانها سحرًا مذهلاً للعقول والألباب، جذَّابًا للقلوب والأفئدة؛ بحيث إنَّه يجذب قلوبَ العديد من الناس إلى الإسلام، حتى إنَّ بعض كفار قريش يجعلون أصابعَهم في آذانهم حينما يُتلى القرآن؛ خوفًا من أن يجذبهم فيميلوا عن دين آبائهم وأجدادهم مَيْلة واحدة؛ لذلك كان يأمر بعضُهم بعضًا بالمُكاء والصَّفير؛ حتى يخلط للقارئ ما يقرأ فلا يستطيع أن يتدبَّر معانِيَ القرآن الكريم.
غير أنَّ المحاولات التي قام بها كفارُ قريش باءت بالفشل، وانهارَت أمام بلاغة القرآن الكريم وما تضمَّنته آياتُه من إعجازٍ جعل فطاحِل الشعراء يعترفون بعجزِهم، فأقبل الناسُ على هذا الدين الجديد واستقبلوا حاملَ الرسالة بحفاوة لم يسبق لها نظير، وقبلوا رسالته وذادوا عن حياضها، وتقوَّت شوكة الإسلام…
ومما سبق ذِكره يمكن الخروج بالخلاصات والنتائج الآتية:
• وجوب الاهتمام باللُّغة العربية وحسن توظيفها؛ لأنَّها تمثِّل الهوية الحضارية للأمة الإسلامية.
• كل استهدافٍ أو طعن في اللغة العربية فهو في حقيقته استهدافٌ للقرآن، ومن ثمَّ لهوية المسلمين وحضارتهم.
• فهم القرآن الكريم متوقِّف على فهم لغته التي نزل بها؛ ففهمه وتدبُّره واجب، لكنه لا يتم إلا بفهم لغته، وما لا يتم الواجب إلاَّ به – كما يقول الأصوليون – فهو واجب، قال تعالى: ﴿ أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلَافًا كَثِيرًا ﴾ [النساء: 82]، وقال سبحانه: ﴿ أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا ﴾ [محمد: 24].
مصادر البحث:
• القرآن الكريم برواية حفص عن عاصم.
• ابن كثير: تفسير ابن كثير، تحقيق: محمد حسين شمس الدين، دار الكتب العلمية، منشورات محمد علي بيضون، بيروت، الأولى – 1419 هـ.
• الشاطبي: الموافقات، تحقيق: أبي عبيدة مشهور بن حسن آل سلمان، الناشر: دار ابن عفان، الطبعة الأولى 1417هـ/ 1997م.
• الشافعي: الرسالة، تحقيق: أحمد شاكر، مكتبه الحلبي، مصر، الطبعة: الأولى، 1358هـ/ 1940م.
• الغزالي: المستصفى، تحقيق: محمد عبدالسلام عبدالشافي، دار الكتب العلمية، الطبعة الأولى، 1413هـ – 1993م.
________________________________________
[1] ابن كثير: تفسير ابن كثير، تحقيق: محمد حسين شمس الدين، دار الكتب العلمية، منشورات محمد علي بيضون – بيروت، الأولى، 1419 هـ، (4/ 313).
[2] الشافعي: الرسالة، تحقيق: أحمد شاكر، مكتبه الحلبي، مصر، الطبعة: الأولى، 1358هـ/ 1940م (ص: 50).
[3] الشاطبي: الموافقات، تحقيق: أبي عبيدة مشهور بن حسن آل سلمان، الناشر: دار ابن عفان الطبعة: الطبعة الأولى 1417هـ/ 1997م (2/ 102).
[4] الموافقات (5/ 53).
[5] الرسالة (ص: 48).
[6] الغزالي: المستصفى، تحقيق: محمد عبدالسلام عبدالشافي، دار الكتب العلمية، الطبعة: الأولى، 1413هـ – 1993م (ص: 344).
اترك تعليقاً