رئيس اتحاد الوطن العربي الدولي ورئيس الإتحاد العالمي للعلماء والباحثين يتحدث عن قواعد اللغة وتغير الحكم الشرعي
رئيس اتحاد الوطن العربي الدولي يتحدث عن قواعد اللغة وتغير الحكم الشرعي
بقلم \ المفكر العربى الدكتور خالد محمود عبد القوي عبد اللطيف
مؤسس ورئيس اتحاد الوطن العربي الدولي
رئيس الإتحاد العالمي للعلماء والباحثين
الرئيس التنفيذي لجامعة بيرشام الدولية بأسبانيا
الرئيس التنفيذي لجامعة سيتي بكمبوديا
الرئيس التنفيذي للمؤسسة الدولية للدراسات المتقدمة بأمريكا
ورئيس جامعة الوطن العربي الدولي ( تحت التأسيس )
الرئيس الفخري للجمعية المصرية لتدريب وتشغيل الخريجين
الرئيس الفخري لمنظمة العراق للإبداع الإنساني بألمانيا الإتحادية
الرئيس التنفيذي للجامعة الأمريكية الدولية
الرئيس الفخري للمركز الدولي الفرنسي للعلماء والمخترعين
الرئيس الشرفي للإتحاد المصري للمجالس الشعبية والمحلية
قائمة تحيا مصر
يوجِّه كثير من العلماء والمشايخ تلاميذهم، وجماهير مستمعيهم إلى خطأ بعض الألفاظ من الناحية الشرعية، فيقولون لهم مثلاً: لا تقولوا: المرحوم فلان؛ لأن هذا جزم بحدوث الرحمة له من الله تعالى، وهذا ادِّعاء على الله بغير علم، ولكن قولوا: فلان رحمه الله؛ فهذا دعاء له. وكذلك يقولون لهم: إذا ذُكِر الرسول صَلَّى الله عليه وسلَّم؛ فصلُّوا عليه بصيغة: صَلَّى الله عليه وسلَّم؛ لأنها دعاء له بالصلاة عليه، ولا تقولوا: عليه الصلاة والسلام؛ فهي مجرد تقرير لصلاة الله تعالى عليه، وليست دعاء منك له – صَلَّى الله عليه وسلَّم -.
وإنني أرى أن المشكلة التي وقع فيها هؤلاء العلماء الأفاضل والمشايخ الفضلاء هي أنهم لم يرجعوا لقواعد اللغة حتى يتبينوا هل ما قالوه صحيح أم لا؟ فإن العالم الشرعي ينبغي أن يتحلَّى بفقه للغة، وهذه القضية الشرعية من حيث جواز قولٍ ما أو عدم جوازه، وصحة الصلاة على النبي صَلَّى الله عليه وسلَّم من عدمها، ينبغي الرجوع فيها لقواعد اللغة العربية أولاً.
يقول علماء اللغة لنا في هذا المقام:
إن الجمل في اللغة العربية إما خبرية أو إنشائية، والخبر هو ما يحتمل الصدق والكذب في ذاته بصرف النظر عن قائله، والإنشاء عكسه، وهو ما لا يحتمل الصدق والكذب، ومثال الأول أي خبر، كقولك: طلعت الشمس، أو حانت الصلاة، فقولك هذا يحتمل الصدق والكذب في ذاته، مهما كانت مكانتك وصدقك، أمَّا مثال الإنشاء، فهو الاستفهام والدعاء والأمر والنهي، حيث لا يحتمل أيٌّ منها الصدق والكذب، فلا نقول لمن يسألنا: هل حانت الصلاة؟ إنه كاذب مثلاً، أو لمن يدعو الله تعالى: اللهم أدخلْني الجنة؛ كذلك.
ولكن ورد في اللغة والقرآن الكريم جُمَل ينبغي الوقوف أمامها؛ كقول الله تعالى عن المسجد الحرام: {وَمَنْ دَخَلَهُ كَانَ آمِنًا} [آل عمران: 97]، فهو خبرٌ عن أمْنِ مَن يدخلون المسجد الحرام، ونحن نعلم ونؤمن بصدق الله تعالى، ومن ذلك نعلم ما فعله القرامطة من غزو للمسجد الحرام، وقتل للحجاج، ونهب للحجر الأسود؛ فهل يمثل هذا طعنًا في صحة الآية؟
لا بالطبع، والإجابة أنَّ هذه الآية تمثل صنفًا ثالثًا من الجمل، وهو الجملة خبرية اللفظ إنشائية المعنى؛ فهي في ظاهرها خبر عن أمن المسجد الحرام، ولكن معناها إنشاء، وهو الأمر للمسلمين بتأمين من يدخل البيت الحرام.
وكذلك قول الله تعالى: {الْخَبِيثَاتُ لِلْخَبِيثِينَ وَالْخَبِيثُونَ لِلْخَبِيثَاتِ وَالطَّيِّبَاتُ لِلطَّيِّبِينَ وَالطَّيِّبُونَ لِلطَّيِّبَاتِ أُولَئِكَ مُبَرَّءُونَ مِمَّا يَقُولُونَ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ} [النور: 26]؛ حيث قال عبد الرحمن بن زيد بن أسلم: الخبيثات من النساء للخبيثين من الرجال، والخبيثون من الرجال للخبيثات من النساء، والطيبات من النساء للطيبين من الرجال، والطيبون من الرجال للطيبات من النساء[1].
فهي في ظاهرها خبر عن تزوج الطيبات من الطيبين، والخبيثات من الخبيثين، وأن ذلك قاعدة إلهية، ولكننا نرى في الواقع غير ذلك؛ حيث تقع الطيبة في إنسان خبيث دون أن تعلم، أو العكس؛ فالآية في حقيقتها إنشاء نوعه أمر للمؤمنين أن يزوجوا الطيبة للطيب والخبيثة للخبيث؛ حتى يستقيم مسار الحياة.
وكذلك وقع ذلك الاستخدام في الحديث الشريف؛ فعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ فَتْحِ مَكَّةَ: “إِنَّ هَذَا الْبَلَدَ حَرَّمَهُ اللَّهُ: لَا يُعْضَدُ شَوْكُهُ، وَلَا يُنَفَّرُ صَيْدُهُ، وَلَا يَلْتَقِطُ لُقَطَتَهُ إِلَّا مَنْ عَرَّفَهَا”[2].
فقوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: “لَا يُعْضَدُ شَوْكُهُ، وَلَا يُنَفَّرُ صَيْدُهُ، وَلَا يَلْتَقِطُ لُقَطَتَهُ” كل هذا من قبيل الإخبار، ولكنه في حقيقته نهي عن هذه الأمور، ويدل على ذلك ما ورد عَنْ أَبِي شُرَيْحٍ أَنَّهُ قَالَ لِعَمْرِو بْنِ سَعِيدٍ وَهُوَ يَبْعَثُ الْبُعُوثَ إِلَى مَكَّةَ: ائْذَنْ لِي أَيُّهَا الْأَمِيرُ أُحَدِّثْكَ قَوْلًا قَامَ بِهِ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْغَدَ مِنْ يَوْمِ الْفَتْحِ، سَمِعَتْهُ أُذُنَايَ، وَوَعَاهُ قَلْبِي، وَأَبْصَرَتْهُ عَيْنَايَ: حِينَ تَكَلَّمَ بِهِ حَمِدَ اللَّهَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ، ثُمَّ قَالَ: “إِنَّ مَكَّةَ حَرَّمَهَا اللَّهُ وَلَمْ يُحَرِّمْهَا النَّاسُ؛ فَلَا يَحِلُّ لِامْرِئٍ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ أَنْ يَسْفِكَ بِهَا دَمًا، وَلَا يَعْضِدَ بِهَا شَجَرَةً…”[3].
فلفظ “فَلَا يَحِلُّ لِامْرِئٍ” يبين أن المقصود بالحديث الأول النهي.
وهذا ما كان يفهمه الصحابة رضوان الله عليهم من مثل هذه الألفاظ؛ ففي الموطأ:
وحَدَّثَنِي عَنْ مَالِك عَنْ إِسْحَقَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ أَنَّهُ سَمِعَ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ، وَسَلَّمَ عَلَيْهِ رَجُلٌ؛ فَرَدَّ عَلَيْهِ السَّلَامَ، ثُمَّ سَأَلَ عُمَرُ الرَّجُلَ: كَيْفَ أَنْتَ؟
فَقَالَ: أَحْمَدُ إِلَيْكَ اللَّهَ.
فَقَالَ عُمَرُ: ذَلِكَ الَّذِي أَرَدْتُ مِنْكَ[4].
ومن هنا لو جئنا لقولهم:
إن الصلاة على النبي صَلَّى الله عليه وسلَّم بقول “عليه الصلاة والسلام” غير صحيح لأنه مجرد تقرير، وليس دعاء؛ فسنردُّ أولاً: بأن لفظ الصلاة الذي يرونه صحيحًا، وهو “صَلَّى الله عليه وسلَّم”، عبارةٌ عن جملة فعلية فعلها ماضٍ؛ وهذا أيضًا – على رأيهم – تقرير بحدوث الصلاة من الله تعالى عليه، وليس صلاة، فيلزم من هذا عدم صلاحية هذه العبارة أيضًا للصلاة على الرسول صَلَّى الله عليه وسلَّم.
وثانيًا: أن العبارتين في الحقيقة صحيحتان في الصلاة على النبي صَلَّى الله عليه وسلَّم؛ لأنهما من قبيل الجمل خبرية اللفظ إنشائية المعنى؛ فظاهرهما خبر، ولكنهما دعاء من المسلم لله بالصلاة على النبي صَلَّى الله عليه وسلَّم.
وهذا ما أراه أيضًا في قولنا:
رحمه الله؛ فهي جملة فعلية فعلها ماضٍ، وظاهر معناها الجزم بوقوع الرحمة للميت، ولكنها وكلمة المرحوم (التي هي اسم مفعول مشتق من فعل مبني للمجهول، هو: رُحِم، أي رُحِم من الله تعالى) خبرية اللفظ إنشائية المعنى؛ حيث هما دعاء للميت بالرحمة لا أكثر، وليس بهما جزم بوقوع الرحمة للميت.
أسأل الله تعالى أن يجعل هذا الكلام في ميزان حسناتنا، وأن يجعلني مخلصًا فيه، فإن أصبت خيراً فمن الله تعالى، وله الفضل والمِنَّة، وإن كان غير ذلك فأسأله سبحانه العفو والمغفرة، فما أردت إلا النصح والصواب. والله ولي التوفيق.
ــــــــــــــــــــ
[1] تفسير ابن كثير: ج6/ص35.
[2] صحيح البخاري: ج5/ص498.
[3] صحيح البخاري: 1/182.
[4] موطأ مالك: حديث رقم 1516.