رئيس اتحاد الوطن العربي الدولي ورئيس الإتحاد العالمي للعلماء والباحثين يتحدث عن المساكين
رئيس اتحاد الوطن العربي الدولي ورئيس الإتحاد العالمي للعلماء والباحثين يتحدث عن المساكين
بقلم \ المفكر العربي الدكتور خالد محمود عبد القوي عبد اللطيف
مؤسس ورئيس اتحاد الوطن العربى الدولى
رئيس الإتحاد العالمي للعلماء والباحثينن
الرئيس التنفيذي لجامعة فريدريك تايلور بالولايات المتحدة الأمريكية
الرئيس التنفيذي لجامعة بيرشام الدولية بأسبانيا
الرئيس التنفيذي لجامعة سيتي بكمبوديا
الرئيس التنفيذي للمؤسسة الدولية للدراسات المتقدمة بأمريكا
ورئيس جامعة الوطن العربي الدولي ( تحت التأسيس )
الرئيس الفخري للجمعية المصرية لتدريب وتشغيل الشباب
مستشار مركز التعاون الأوروبي العربي بألمانيا الإتحادية
الرئيس الفخري لمنظمة العراق للإبداع الإنساني بألمانيا الإتحادية
مقالنا اليومَ عن فئةٍ من المجتمع، أحبَّها النبي – صلَّى الله عليه وسلَّم – ودعا ربَّه أن يرزقه حبَّهم، وأوصى أصحابه بحبهم!
• فقد دعا – صلَّى الله عليه وسلَّم – ربَّه قائلاً: ((اللهمَّ إنِّي أسألك فعلَ الخيرات، وتركَ المنكرات، وحبَّ المساكين))[1]، قال ابن رجبٍ[2]: “حبُّ المساكين من جملةِ فعل الخيرات، وإنما أفرَدَه بالذِّكر لشرفه وقوَّة الاهتمام به”.
• بل دعا النبيُّ – صلَّى الله عليه وسلَّم – اللهَ أنْ يحشره في زمرتهم؛ قال – صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((اللهمَّ أحيِني مسكينًا، وأمِتْنيمسكينًا، واحشُرْني في زمرة المساكين))[3].
قال الزرقاني[4]: “والمسكين هنا المُتواضِع لا السائل”.
وقال في “تحفة الأحوذي”[5]: “قوله: ((اللهمَّ أحيِني مسكينًا)) قِيلَ: هو من المسكنة وهي الذلَّة والافتِقار، فأراد – صلَّى الله عليه وسلَّم – بذلك إظهارَ تواضُعِه وافتقارِه إلى ربِّه؛ إرشادًا لأمَّته إلى استشعار التواضُع والاحتِراز عن الكبر والنَّخوة، وأراد بذلك التنبيهَ على علوِّ درجات المساكين وقُربهم من الله تعالى، قاله الطيبي – رحمه الله – قال السهروردي: لو سأل الله أنْ يحشر المساكين في زُمرته لكان لهم الفخر العميم والفضل العظيم، فكيف وقد سأل أنْ يُحشَر في زمرتهم؟!”، ا.هـ.
• عن أبي ذرٍّ قال: “أمرَنِي خليلي – صلَّى الله عليه وسلَّم – بسبعٍ: أمرني بحبِّ المساكين، والدنوِّ منهم…”[6].
• هؤلاء المساكين وإن احتقرهم الناسُ وازدروهم فلهم عند الله شأنٌ آخر إنْ كانوا صالحين؛ عن أبي هريرة – رضي الله عنه – قال: سمعتُ رسول الله – صلَّى الله عليه وسلَّم – يقول: ((ابغوني ضُعَفائكم؛ فإنما تُرزَقون وتُنصَرون بضُعَفائكم))[7].
• أخرَجَ البخاري عن مُصعَب بن سعدٍ قال: رأى سعدٌ – رضي الله عنه – أنَّ له فضلاً على مَن دونه، فقال النبيُّ – صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((هل تُنصَرون وتُرزَقون إلا بضُعَفائكم؟!)).
• وعند النسائي عن مُصعَب بن سعدٍ عن أبيه أنَّه ظنَّ أنَّ له فضلاً على مَن دونه من أصحاب النبيِّ – صلَّى الله عليه وسلَّم – فقال نبيُّ الله – صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((إنما ينصُر الله هذه الأمَّة بضَعِيفها بدَعوتهم وصَلاتهم وإخلاصهم)).
• حديثنا عن فئةٍ تكثُر في أهل الجنَّة؛ أخرج البخاري عن أسامة عن النبيِّ – صلَّى الله عليه وسلَّم – قال: ((قُمتُ على باب الجنَّة فكان عامَّة مَن دخَلها المساكين)).
2) مَن هو المسكينُ؟ في “اللسان”[8]: “سَكَنَ: السُّكُونُ ضدُّ الحركة، سَكَنَ الشيءُ يَسْكُنُ سُكونًا إِذا ذهبت حركته… قال ابن الأَثير: وقد تكرر ذكر المِسْكين والمَساكين والمَسْكَنة، وكلُّها يَدُورُ معناها على الخضوع والذِّلَّة وقلة المال والحال السيِّئة”، وفي “المغني”[9]: “الفقراء والمساكين صِنفان في الزكاة، وصنفٌ واحد في سائر الأحكام، وإذا جمع بين الاسمين وميز بين المسميين تميزًا، وكلاهما يُشعِرُ بالحاجة والفاقة والعدم… والمسكين مفعيل من السكون، وهو الذي أسكنَتْه الحاجة”.
• أخرج مسلمٌ عن أبي هريرة أنَّ رسول الله – صلَّى الله عليه وسلَّم – قال: ((ليس المسكين بهذا الطوَّاف الذي يطوفُ على الناس فترده اللقمة واللقمتان والتمرة والتمرتان))، قالوا: فما المسكين يا رسول الله؟ قال: ((الذي لا يجدُ غنى يُغنيه ولا يُفطن له، فيتصدق عليه ولا يسأل الناس شيئًا)).
3) مَن أمُّ المساكين؟
إنَّه لقبٌ جميل، وكنية رائعة، حين تُوصَف امرأةٌ من النساء بأنها أم المساكين.
لُقِّبَ بهذه الكنية والوصف عددٌ من النساء، أكتَفِي بواحدة في الزمان الماضي وواحدة في الزمان الحاضر، وبين هذه وتلك نماذج رائعة من بذْل النساء في هذا الميدان المبارك والمضمار الرابح.
4) أولاهن: أم المؤمنين زينب بنت جحش – رضي الله عنها –
في “سير أعلام النبلاء” 2/217، و”الإصابة”، و”الطبقات الكبرى”؛ لابن سعد، و”صحيح مسلم”:
“أم المؤمنين زينب بنت جحشٍ وابنة عمَّة رسول الله – صلَّى الله عليه وسلَّم – أمُّها أميمة بنت عبدالمطلب بن هاشم، من المهاجرات الأُوَلِ، وكانت صالحةً صوَّامة قوَّامة بارَّة، ويُقال لها: أم المساكين، وكانت عندَ زيدٍ مولى النبيِّ – صلَّى الله عليه وسلَّم – وهي التي يقولُ الله فيها: ﴿ وَإِذْ تَقُولُ لِلَّذِي أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَأَنْعَمْتَ عَلَيْهِ أَمْسِكْ عَلَيْكَ زَوْجَكَ وَاتَّقِ اللَّهَ وَتُخْفِي فِي نَفْسِكَ مَا اللَّهُ مُبْدِيهِ وَتَخْشَى النَّاسَ وَاللَّهُ أَحَقُّ أَنْ تَخْشَاهُ فَلَمَّا قَضَى زَيْدٌ مِنْهَا وَطَرًا زَوَّجْنَاكَهَا لِكَيْ لَا يَكُونَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ حَرَجٌ فِي أَزْوَاجِ أَدْعِيَائِهِمْ إِذَا قَضَوْا مِنْهُنَّ وَطَرًا وَكَانَ أَمْرُ اللَّهِ مَفْعُولًا ﴾ [الأحزاب: 37]، فزوَّجها الله تعالى بنبيِّه بنصِّ كتابه بلا وليٍّ ولا شاهد، فكانت تفخَرُ بذلك على أمَّهات المؤمنين وتقول: زوَّجكُنَّ أهاليكن وزوَّجني الله من فوق عرشِه، وفي رواية البخاري كانت تقول: “إنَّ الله انكحني في السماء”.
وكانت من سادة النساء دينًا وورعًا وجُودًا ومعروفًا – رضِي الله عنه – تُوفِّيت في سنة عشرين، وصلَّى عليها عمر.
عن برزةَ بنت رافعٍ قالت: لمَّا خرَج العطاءُ أرسل عمرُ إلى زينب بنت جحشٍ بالذي لها وقدره اثنا عشر ألف درهم، فلمَّا أدخل عليها قالت: غفر الله لعمر، غيري من أخواتي كان أقوى على قسم هذا منِّي، قالوا: هذا كله لك، قالت: سبحان الله! واستترت منه بثوبٍ، وقالت: صبُّوه واطرحوا عليه ثوبًا، ثم قالت لي: أدخِلي يدكِ فاقبِضي منه قبضةً فاذهَبي بها إلى بني فلان وبني فلان من أهل رحمها وأيتامها حتى بقيت بقيَّة تحت الثوب، فقالت لها برزة بنت رافع: غفر الله لك يا أمَّ المؤمنين، والله لقد كان لنا في هذا حقٌّ، فقالت: فلكم ما تحت الثوب، فوجدنا تحته خمسة وثمانين درهما، ثم رفعت يدها إلى السماء فجعلت تقول: اللهم لا يُدركني قابل هذا المال؛ فإنَّه فتنة، فماتت في عامها.
فبلغ عمر فقال: هذه امرأة يُراد بها خيرٌ، فوقف على بابها وأرسل بالسلام، وقال: قد بلغني ما فرقتِ، فأرسل إليها بألف درهم يستنفقها، فسلكت بها طريق ذلك المال.
وفي “صحيح مسلم” عن عائشة أمِّ المؤمنين قالت: قال رسول الله – رضِي الله عنه -: ((اسرعكنَّ لحاقًا بي أطولكنَّ يدًا))، قالت: فكنَّ يتطاوَلنَ أيَّتهن أطول يدًا؟ قالت: فكانت أطولنا يدًا زينب؛ لأنها كانت تعملُ بيدها وتصدَّق”.
قال النووي: “معنى الحديث: أنهن ظننَّ أنَّ المراد بطول اليد طول اليد الحقيقيَّة، وهي الجارحة، فكُنَّ يذرعنَ أيديهن بقصبةٍ، فكانت سودة أطولهن جارحة، وكانت زينب أطولهنَّ يدًا في الصدقة وفِعل الخير، فماتت زينب أوَّلهن، فعلموا أنَّ المراد طول اليد في الصدقة والجود، قال أهل اللغة: يُقال فلان طويل اليد وطويل الباع، إذا كان سمحًا جوادًا وضده قصير اليد والباع، وفيه معجزةٌ باهرةٌ لرسول الله – صلَّى الله عليه وسلَّم – ومنقبةٌ ظاهرة لزينب”.
عن عمرة عن عائشة قال النبي – صلَّى الله عليه وسلَّم – لأزواجه: ((يتبعني أطولكنَّ يدًا)) فكُنَّا إذا اجتمَعْنا بعدَه نمدُّ أيدينا في الجدار نتطاوَلُ فلم نزلْ نفعله حتى تُوفِّيَتْ زينب وكانت امرأةً قصيرةً لم تكن – رحمها الله – أطولنا، فعرفنا أنما أراد الصدقة، وكانت صناع اليد، فكانت تدبغُ وتخرزُ وتصدَّق.
ورُوِيَ عن عائشةَ – رضي الله عنها – أنها قالت: “كانت زينب بنت جحش تُسامِيني في المنزلة عند رسولِ الله – صلَّى الله عليه وسلَّم – ما رأيت امرأةً خيرًا في الدِّين من زينب، أتقى لله، وأصدق حديثًا، وأوصل للرحم، وأعظم صدقة”، رضي الله عنها.
وأخرج ابن سعدٍ بسند فيه الواقدي عن القاسم بن محمد قال: قالت زينب حين حضرتها الوفاة: “إنِّي قد أعددت كفني، وإنَّ عمر سيبعث إليَّ بكفنٍ فتصدَّقوا بأحدهما، وإن استطعتُم إذا دليتموني أنْ تصدقوا بحقوي فافعَلوا.
فبعَث عمر بخمسةِ أثوابٍ يتخيَّرها ثوبًا ثوبًا من الحراني، فكفنت منها وتصدَّقت عنها أختُها حمنة بكفنها الذي كانت أعدَّتْه، قالت عمرة: فسمعت عائشة تقول: “لقد ذهبت حميدة متعبِّدة مفزع اليتامى والأرامل، ما تركت زينب بنت جحش درهمًا ولا دينارًا كانت تصدَّق بكلِّ ما قدرت عليه، وكانت مأوى المساكين”.
عن عثمان بن عبدالله الجحشي قال: ما تركت زينب بنت جحش درهمًا ولا دينارًا، كانت تصدق بكلِّ ما قدرت عليه وكانت مأوى المساكين[10].
أمَّا أمُّ المساكين المعاصرة فلها حديثٌ آخَر أورده بعد قليل.
تعالوا بنا نتجوَّل في روضة المساكين:
من النصوص الحاضَّة على حقِّ المساكين: ﴿ إِنَّ الْأَبْرَارَ يَشْرَبُونَ مِنْ كَأْسٍ كَانَ مِزَاجُهَا كَافُورًا * عَيْنًا يَشْرَبُ بِهَا عِبَادُ اللَّهِ يُفَجِّرُونَهَا تَفْجِيرًا * يُوفُونَ بِالنَّذْرِ وَيَخَافُونَ يَوْمًا كَانَ شَرُّهُ مُسْتَطِيرًا * وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِينًا وَيَتِيمًا وَأَسِيرًا * إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ لَا نُرِيدُ مِنْكُمْ جَزَاءً وَلَا شُكُورًا * إِنَّا نَخَافُ مِنْ رَبِّنَا يَوْمًا عَبُوسًا قَمْطَرِيرًا * فَوَقَاهُمُ اللَّهُ شَرَّ ذَلِكَ الْيَوْمِ وَلَقَّاهُمْ نَضْرَةً وَسُرُورًا * وَجَزَاهُمْ بِمَا صَبَرُوا جَنَّةً وَحَرِيرًا ﴾ [الإنسان: 5 – 12].
قال القرطبي: “وكان الربيع بن خيثم إذا جاءَه السائل قال: أطعِموه سكرًا؛ فإنَّ الربيع يحبُّ السكر.
ومضى القول في المسكين واليتيم والأسير واشتقاق ذلك من اللغة في “البقرة” مُستوفًى، والحمد لله.
ابن كثير ﴿ على حبِّه ﴾ قيل: على حبِّ الله تعالى، وجعَلوا الضمير عائدًا إلى الله – عزَّ وجلَّ – لدلالة السِّياق عليه، والأظهر أنَّ الضمير عائدٌ على الطعام؛ أي: ويطعمون الطعام في حال محبَّتهم وشهوتهم له، قاله مجاهدٌ ومقاتل واختاره ابن جرير، كقوله – تعالى -: ﴿ وَآتَى الْمَالَ عَلَى حُبِّهِ ﴾ [البقرة: 177]، وكقوله – تعالى -: ﴿ لَنْ تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ ﴾ [آل عمران: 92].
وروَى البيهقي من طريق الأعمش عن نافعٍ قال: مرض ابن عمر فاشتَهى عنبًا أوَّل ما جاء العنب، فأرسلتُ صفيَّة – يعني: امرأته – فاشترت عُنقودًا بدرهم، فاتبع الرسول سائل، فلمَّا دخل به قال السائل: السائل، فقال ابن عمر: أعطوه إيَّاه، فأعطوه إيَّاه، فأرسلت بدرهم آخَر فاشترت عنقودًا، فاتبع الرسول السائل فلمَّا دخل قال السائل: السائل، فقال ابن عمر: أعطوه إيَّاه فأعطوه إيَّاه، فأرسلت صفيَّة إلى السائل فقال: والله إنْ عدت لا تصيب منه خيرًا أبدًا، ثم أرسلت بدرهمٍ آخَر فاشترت به.
وفي الصحيح: ((أفضل الصدقة أنْ تصدَّق وأنت صحيحٌ شحيحٌ تأمل الغنى وتخشى الفقر))؛ أي: في حال محبَّتك للمال وحِرصك عليه وحاجتك إليه؛ ولهذا قال تعالى: ﴿ وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِينًا وَيَتِيمًا وَأَسِيرًا ﴾ [الإنسان: 8]، أمَّا المسكين واليتيم فقد تقدَّمَ بيانُهما وصفتهما، وأمَّا الأسير فقال سعيد بن جبير والحسن والضحَّاك: الأسير من أهل القبلة، وقال ابن عباس: كان أسراؤهم يومئذٍ مشركين، ويشهد لهذا أنَّ رسول الله – صلَّى الله عليه وسلَّم – أمَر أصحابه يومَ بدرٍ أنْ يُكرموا الأسارى؛ فكانوا يُقدِّمونهم على أنفسهم عند الغداء، وقال عكرمة: هم العبيد، واختاره ابن جرير؛ لعموم الآية للمسلم والمشرك، وهكذا قال سعيد بن جبير وعطاء والحسن وقتادة، وقد وصَّى رسول الله – صلَّى الله عليه وسلَّم – بالإحسان إلى الأرقَّاء في غير ما حديث، حتى أنَّه كان آخِر ما أوصى أنْ جعل يقولُ: ((الصلاةَ، وما ملكت أيمانكم))، قال مجاهد: هو المحبوس؛ أي: يُطعمون الطعام لهؤلاء وهم يشتَهُونه ويحبُّونه.
• ﴿ وَلَا تَحَاضُّونَ عَلَى طَعَامِ الْمِسْكِينِ ﴾ [الفجر: 18] قال ابن كثير[11]: ﴿ وَلَا تَحَاضُّونَ عَلَى طَعَامِ الْمِسْكِينِ ﴾ [الفجر: 18]؛ يعني: لا يأمرون بالإحسان إلى الفقراء والمساكين ويحثُّ بعضهم بعضًا في ذلك”.
• ﴿ فَلَا اقْتَحَمَ الْعَقَبَةَ * وَمَا أَدْرَاكَ مَا الْعَقَبَةُ * فَكُّ رَقَبَةٍ * أَوْ إِطْعَامٌ فِي يَوْمٍ ذِي مَسْغَبَةٍ * يَتِيمًا ذَا مَقْرَبَةٍ * أَوْ مِسْكِينًا ذَا مَتْرَبَةٍ ﴾ [البلد: 11 – 16]، قال ابن كثير[12]: “أي: فقيرًا مدقعًا لاصقًا بالتراب”.
• عن أبي موسى – رضي الله عنه – قال: قال رسول الله – صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((فكُّوا العاني – يعني: الأسير – وأطعِمُوا الجائع، وعُودوا المريض))؛ أخرجه البخاري.
• عن أبي ذرٍّ قال: قال رسول الله – صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((يا أبا ذر، إذا طبخت مرقةً فأكثِرْ ماءها، وتعاهد جيرانك))؛ مسلم.
• عن أبي هريرة أنَّ النبيَّ – صلَّى الله عليه وسلَّم – كان يقول: ((بئس الطعامُ طعامُ الوليمة؛ يُدعَى إليه الأغنياءُ ويُترَك المساكين))؛ مسلم.
4) القرب من هذه الفئة وخِدمتها فيه مكاسب جمَّة:
1. تليين القلب وإذهاب الكبر؛ عن أبي هريرة – رضِي الله عنه -: أنَّ رجلاً شكا إلى رسول الله – صلَّى الله عليه وسلَّم – قسوةَ قلبِه، فقال له: ((إنْ أردت تليين قلبِك فأطعِمِالمسكين، وامسَحْ رأسَ اليتيم))[13].
وذكر أنَّ الحسن بن عليٍّ كان يجلسُ إلى المساكين ثم يقول: ﴿ إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْتَكْبِرِينَ ﴾ [النحل: 23][14].
2. تذكر نعمة الله تعالى عليك؛ أخرج مسلم عن أبي هريرة قال: قال رسول الله – صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((انظُروا إلى مَن أسفَل منكم، ولا تنظُروا إلى مَن هو فوقَكم فهو أجدرُ ألا تزدروا نعمةَ الله عليكم)).
3. الأجر العظيم الدائم؛ عن أبي هريرة عن النبيِّ – صلَّى الله عليه وسلَّم – قال: ((الساعي على الأرملةِ والمسكين كالمجاهد في سبيل الله))، وأحسبه قال: ((وكالقائم لا يفتر، وكالصائم لا يفطر))؛ رواه البخاري ومسلم.
وعن أبي هريرة قال: قال النبيُّ – صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((الساعي على الأرملة والمسكين كالمجاهد في سبيل الله القائم الليل الصائم النهار))؛ أخرجه البخاري.
وعن عبدالله بن عمرو بن العاص – رضي الله عنهما – أنَّ رجلاً سألَ رسول الله – صلَّى الله عليه وسلَّم -: أيُّ الإسلام خير؟ قال: ((تطعمُ الطعام، وتقرأُ السلام على مَن عرفت ومَن لم تعرف))؛ متفق عليه.
وعن ابن عباسٍ عن النبي – صلَّى الله عليه وسلَّم – قال: مَن مشى في حاجة أخيه كان خيرًا له من اعتكافه عشر سنين))[15].
التميُّز ونيلُ الخيريَّة على الناس و: ((خير الناس أنفعهم للناس))[16]، وذكر الألباني في “صحيح الترغيب” 2623: “حسن لغيره”.
ورُوِي عن عبدالله بن عمر – رضي الله عنهما – أنَّ رجلاً جاء إلى رسول الله – صلَّى الله عليه وسلَّم – فقال: يا رسول الله، أيُّ الناس أحبُّ إلى الله؟ فقال: ((أحبُّ الناس إلى الله أنفعُهم للناس، وأحب الأعمال إلى الله – عزَّ وجلَّ – سرورٌ تُدخِله على مسلم؛ تكشف عنه كربة، أو تقضي عنه دَيْنًا، أو تطرد عنه جوعًا، ولأنْ أمشي مع أخٍ في حاجة أحبُّ إليَّ من أنْ أعتكفَ في هذا المسجد – يعني: مسجد المدينة – شهرًا)).
4. والشاعر يقولُ:
وَأَفْضَلُ النَّاسِ مَا بَيْنَ الوَرَى رَجُلٌ
تُقْضَى عَلَى يَدِهِ لِلنَّاسِ حَاجَاتُ
5. العناية باليتيم وكفالته من أسباب دخول الجنة، عن سهل بن سعد – رضي الله عنه – عن النبي – صلَّى الله عليه وسلَّم – قال: ((أنا وكافلُ اليتيم في الجنَّة هكذا)) وقال بإصبعيه السبَّابة والوسطى؛ أخرجه البخاري.
6. القيام بواجب شُكر النِّعمة عمليًّا: عن ابن عباسٍ قال: قال رسول الله – صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((ما من عبدٍ أنعَمَ الله عليه نعمةً فأسبَغَها عليهِ ثم جعَل من حَوائج الناس إليه فتبرَّم فقد عرَّض تلك النعمة للزوال))[17].
7. طريقٌ لتحقيق الإخلاص: قال ابن رجب: “محبَّة المساكين لها فوائدُ كثيرةٌ منها: أنها توجبُ إخلاصَ العمل لله – عزَّ وجلَّ – لأنَّ الإحسان إليهم لمحبَّتهم لا يكون إلا لله – عزَّ وجلَّ – لأنَّ نفعهم في الدنيا لا يُرجى غالبًا”[18].
8. الاقتداء بالنبيِّ – صلَّى الله عليه وسلَّم – وصَحابته وسلف الأمَّة:
• أخرَجَ البخاريُّ عن أبي هريرة – رضي الله عنه – قال: جاء رجلٌ إلى النبيِّ – صلَّى الله عليه وسلَّم – فقال: إنِّي مجهود، فأرسل إلى بعض نسائِه فقالت: والذي بعَثَك بالحقِّ ما عندي إلا ماء، ثم أرسل إلى أخرى، فقالت مثل ذلك حتى قُلن كلُّهن مثل ذلك: لا والذي بعثك بالحق ما عندي إلا ماء، فقال النبي – صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((مَن يضيفُ هذا الليلةَ؟)) فقال رجلٌ من الأنصار: أنا يا رسول الله، فانطلق به إلى رحله.
• وعن سهل بن سعد – رضي الله عنه – أنَّ امرأةً جاءَتْ إلى رسولِ الله – صلَّى الله عليه وسلَّم – ببردةٍ منسوجةٍ فقالت: نسجتها بيدي لأكسوكها، فأخَذَها النبيُّ – صلَّى الله عليه وسلَّم – محتاجًا إليها، فخرَجَ إلينا وإنها لإزاره، فقال فلان: اكسنيها ما أحسنها! فقال: ((نعم)) فجلس النبيُّ – صلَّى الله عليه وسلَّم – في المجلس ثم رجع فطَواها ثم أرسَلَ بها إليه، فقال له القومُ: ما أحسنت! لبسها النبيُّ – صلَّى الله عليه وسلَّم – محتاجًا إليها ثم سألتَه وعلمتَ أنَّه لا يرد سائلاً؟! فقال: إنِّي والله ما سألته لألبسها، إنما سألتُه لتكون كفني. قال سهل: فكانت كفنَه؛ رواه البخاري.
• عن أبي هريرة قال: ثم كنَّا ندعو جعفر بن أبي طالب – رضي الله عنه – أبا المساكين، فكُنَّا إذا أتَيْناه قرَّب إلينا ما حضر، فأتَيْناه يومًا فلم يجدْ عنده شيئًا فأخرج جرَّةً من عسلٍ فكسرها فجعَلْنا نلعقُ منها”[19]، وكان جعفر يحبُّ المساكين ويسكن إليهم، وكان النبيُّ – صلَّى الله عليه وسلَّم – يكنيه بأبي المساكين[20].
• عن ميمون بن مهران أنَّ امرأةً ابن عمر عُوتِبت فيه فقِيلَ لها: ما تلطفين بهذا الشيخ، قالت: وما أصنعُ به لا يُصنَع له طعام إلا دعا عليه مَن يأكله، فأرسلت إلى قوم من المساكين كانوا يجلسون بطريقه إذا خرج من المسجد فأطعَمتهم وقالت: لا تجلسوا بطريقه ثم جاء إلى بيته، فقال: أرسلوا إلى فلان وإلى فلان، وكانت امرأته قد أرسلت إليهم بطَعامٍ وقالت: إنْ دعاكم فلا تأتوه، فقال: أردتم ألا أتعشى الليلة، فلم يتعشَّ تلك الليلة[21].
• ورُوِي عن عليِّ بن الحسين – رضي الله عنهما – أنَّه كان يحملُ الخبز على ظهرِه بالليل يتتبَّعُ به المساكين في ظُلمة الليل ويقول: إنَّ الصدقة في ظَلام الليل تُطفِئُ غضبَ الربِّ – عزَّ وجلَّ – وقد قال الله تعالى: ﴿ إِنْ تُبْدُوا الصَّدَقَاتِ فَنِعِمَّا هِيَ وَإِنْ تُخْفُوهَا وَتُؤْتُوهَا الْفُقَرَاءَ فَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَيُكَفِّرُ عَنْكُمْ مِنْ سَيِّئَاتِكُمْ ﴾ [البقرة: 271][22].
• وفي “السير”[23]: عن محمد بن إسحاق: “كان ناسٌ من أهل المدينة يعيشون لا يَدرون من أين كان مَعاشهم، فلمَّا مات عليُّ بن الحسين، فقَدُوا ذلك الذي كانوا يُؤتون بالليل”، وعن عمرو بن ثابت: لما مات عليُّ بن الحسين وجدوا بظهرِه أثَرًا ممَّا كان ينقل الجرب بالليل إلى مَنازل الأرامل، وقال شيبة بن نعامة: لما مات عليٌّ وجدوه يعولُ مائة أهل بيت، قلت: لهذا كان يبخلُ فإنَّهُ ينفق سرًّا، ويظنُّ أهله أنَّه يجمعُ الدراهم، وقال بعضهم: ما فقدنا صدقة السرِّ حتى تُوفِّي عليٌّ.
• وقال حسان بن أبي سنان: لولا المساكين ما اتَّجرت[24].
• قال ابن عبدالبر في “الاستذكار” 8/602: عن مالكٍ أنَّه بلغه عن عائشة زوج النبيِّ – صلَّى الله عليه وسلَّم – أنَّ مسكينًا سألها وهي صائمةٌ وليس في بيتها إلا رغيف، فقالت لمولاةٍ لها: أعطيه إيَّاه، فقالت: ليس لكِ ما تفطرين عليه، فقالت: أعطيه إيَّاه، قالت: ففعلت، قالت: فلمَّا أمسَيْنا أهدَى لنا أهل بيت أو إنسان ما كان يهدي لنا شاة وكفنها، فدعتني عائشة أم المؤمنين فقالت: كلي من هذا، هذا خير من قرصك.
قال أبو عمر: هذا من المال الرابح والفعل الزاكي عندَ الله، يعجل منه ما يشاء ولا ينقص ذلك، فما يذخر عنه، مَن ترك شيئًا لله لم يجدْ فقره، وعائشة – رضي الله عنها – في فعلِها هذا من الذين أثنى الله عليهم بأنهم يُؤثِرون على أنفسهم مع ما هم فيه من الخصاصة، وأنَّ مَن فعل ذلك فقد وُقِيَ شُحَّ نفسِه وأفلح، فلا حاجةَ لإحسانٍ بعده، وأمَّا قوله: شاة وكفنها، فإنَّ العرب أو بعض وجوهِهم كان هذا من طَعامهم؛ يأتون إلى الشاة أو الخروف فإذا سلخوه غطوه كله بعجين دقيق البر وكفنوه فيه ثم علقوه في التنور فلا يخرج من ودكِه شيء إلا في ذلك الكفن، وذلك من طيب الطعام عندَهم.
وفيه أيضًا: عن نافع أنَّ ابن عمر اشتَكَى أو اشتَهَى عنبًا فاشترى له عنقودًا بدرهم، فجاء مسكين فقال: أعطوه إيَّاه، فخالف إنسان فاشتراه بدرهم، ثم جاء به إلى ابن عمر فجاء المسكين يسأل فقال: أعطوه إيَّاه، ثم خالف إنسان فاشتراه بدرهم ثم جاء به فأراد السائل أنْ يرجع، فمنع ولو علم ابن عمر أنَّه ذلك العنقود ما ذاقه.
• قال في “الإصابة في تمييز الصحابة” 1 / 618: “عن حارثة بن النُّعمان – رضي الله عنه – وهو الصحابيُّ المشهور ببرِّ أمه – وكان قد ذهَب بصرُه فاتَّخذ خيطًا في مُصلاَّه إلى باب حُجرته، فكان إذا جاء المسكين أخَذ من مكتلِه شيئًا ثم أخذ بطرف الخيط حتى يُناوِلَه، وكان أهله يقولون له: نحن نَكفِيك فيقول: إنِّي سمعت رسول الله – صلَّى الله عليه وسلَّم – يقولُ: ((مناولةُ المسكين تَقِي مصارع السوء)).
• وهذا الشيخ الداعية محمد بن محمد المختار الشنقيطي يقول: دخلتُ على والدي – رحمه الله – ذات يومٍ فوجدته يَبكي، فلمَّا رآنِي قلبَ وجهه إلى جهة الفراش ثانية ومسح الدُّموع، ثم جلس كأنْ لم يكن به شيء فسألته عمَّا يبكيه وألححت عليه بأدب – خشية أنْ يكون جاءه سوء – وهو يحاولُ أنْ يصرفني، فقلت: يا شيخ، رأيتك تبكي! فقال: وما لي لا أبكي وأيتامُ فلان تُوفِّي أبوهم وليس عندي ما أرسلُه إليهم، والله ما كفَّ بكاءَه حتى يسَّر الله تعالى ما يسَّر[25].
5) يعجبُ البعض من طرح الموضوع ويظنُّ أنْ ليس هناك فقيرٌ حقيقي، ويظنُّ آخرون أنَّ الحاجة فقط حاجة طعام وشراب فحسْب، وبحمد الله لا يذكر أنَّ هناك جوعًا انتشَر منذُ سبعين عامًا بل أكثر، ولكنَّ الحاجة تختلفُ، وهناك كَماليات قد تنزلُ منزلة الحاجيات.
لا نبتعدُ كثيرًا، فهذه أمثلةٌ لحال بعض فقرائنا ومساكيننا:
1) قصَّة الجارتين حين انهارَتْ إحداهما باكية بعد رفضها أخْذ الصدقة.
2) كم من شخصٍ إذا أُعطِي من الصدقة حلف أنْ ليس في بيته شيءٌ.
3) هناك بيوتٌ تعيشُ بضعة أيَّام بلا كهرباء بسبب عدم سَداد فاتورة الاستهلاك 4) قصَّة الذي أخَذ العشاء بعد انتِهاء المناسبة وأعطاه مِسكينًا ولديه بنات فقال: إنَّ بناتي لم يتعشَّين حتى الآن!
5) بيت فقير ليس فيه فرنٌ ولا غسالة، وإنما عين غاز.
6) بيت بلا ثلاجة، وإنما ترمس صغير يُعبِّئه من أيتام يسكنون في الدور العلوي.
7) هناك مَن يستقبلُ الملابس المستعملة ويرحبُ بها.
ناهيكُم عمَّن ناء ظهرُه من ثقل الديون.
6) الداعية إلى الله والحريص على الخير يهتمُّ بحاجة إخوانه وجوعهم كما يهمُّه إرشادهم ونجاتهم، كما كان – صلَّى الله عليه وسلَّم – يتفقَّدُ أصحابَه ويتعاهَدُهم:
• أخرج البخاري أنَّ أبا هريرة كان يقولُ: أللهِ الذي لا إله إلا هو إنْ كنت لأعتمدُ بكبدي على الأرض من الجوعِ، وإن كنت لأَشدُّ الحجر على بطني من الجوع، ولقد قعدت يومًا على طريقهم الذي يخرُجون منه فمرَّ أبو بكرٍ فسألتُه عن آيةٍ من كتاب الله ما سألته إلا ليُشبِعني، فمرَّ ولم يفعلْ، ثم مرَّ بي عمر فسألته عن آيةٍ من كتاب الله ما سألته إلا ليُشبِعني فمرَّ فلم يفعل، ثم مرَّ بي أبو القاسم – صلَّى الله عليه وسلَّم – فتبسَّم حين رآني وعرف ما في نفسي وما في وجهي ثم قال: ((يا أبا هر))، قلت: لبَّيك يا رسول الله، قال: ((الحَقْ)) ومضى فتبعتُه فدخَل فاستأذن فأَذِنَ لي، فدخَل فوجد لبنًا في قدحٍ فقال: ((من أين هذا اللبن؟)) قالوا: أهداه لك فلانٌ أو فلانة، قال: ((أبا هر)) قلت: لبيك يا رسول الله، قال: ((الحَقْ إلى أهل الصفة فادعُهم لي))، قال: وأهل الصفة أضياف الإسلام لا يَأوون إلى أهل ولا مال ولا على أحدٍ، إذا أتَتْه صدقةٌ بعث بها إليهم ولم يتناوَلْ منها شيئًا، وإذا أتَتْه هديَّةٌ أرسَلَ إليهم وأصابَ منها وأشركَهُم فيها.
• وأخرج مسلمٌ عن جرير بن عبدالله قال: كنَّا عند رسول الله – صلَّى الله عليه وسلَّم – في صدر النَّهار قال: فجاءَه قومٌ حُفاة عُراة مجتابي النِّمار أو العباء متقلدي السيوف، عامَّتهم من مضر، بل كلهم من مضر، فتمعَّر وجه رسول الله – صلَّى الله عليه وسلَّم – لما رأى بهم من الفاقة، فدخَل ثم خرج فأمر بلالاً فأذَّن وأقام فصلَّى ثم خطَب فقال: ((﴿ يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ… ﴾ [النساء: 1] إلى آخِر الآية، إنَّ الله كان عليكم رقيبًا، والآية التي في الحشر ﴿ اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللَّهَ ﴾ [الحشر: 18]، تصدَّق رجلٌ من دِيناره من دِرهمه من ثوبِه، من صاع بُرِّه من صاع تمره، حتى قال ولو بشقِّ تمرة))، قال: فجاء رجلٌ من الأنصار بصرَّة كادت كفُّه تعجزُ عنها بل قد عجزت، قال ثم تتابَع الناس حتى رأيت كومين من طعامٍ وثيابٍ، حتى رأيت وجهَ رسول الله – صلَّى الله عليه وسلَّم – يتهلل كأنَّه مُذْهَبَةٌ.
• وعن أبي سعيدٍ الخدري قال: بينما نحن في سفرٍ مع النبي – صلَّى الله عليه وسلَّم – إذ جاء رجلٌ على راحلةٍ له قال: فجعل يصرفُ بصره يمينًا وشمالاً فقال رسول الله – صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((مَن كان معه فضلُ ظهرٍ فليعد به على مَن لا ظهر له، ومَن كان له فضلٌ من زادٍ فليعدْ به على مَن لا زاد له))، قال: فذكَر من أصناف المال ما ذكَر حتى رأينا أنَّه لا حقَّ لأحدٍ منَّا في فضل؛ رواه مسلم.
• في “مصنف ابن أبي شيبة” 1 / 178 عن العباس بن عبدالرحمن المدني قال: خصلتان لم يكن رسول الله – صلَّى الله عليه وسلَّم – يكلهما إلى أحدٍ من أهله كان يُناول المسكين بيده ويضع الطهور من الليل ويخمره.
7) ما أجمل أنْ يُعوِّد أحدُنا نفسَه على نفعِ إخوانه وسدِّ حاجتهم ولو بالقليل:
• عن جابرٍ – رضي الله عنه – قال: ما سُئِل رسول الله – صلَّى الله عليه وسلَّم – شيئًا قطُّ فقال: لا؛ متفق عليه.
• وعن أم بجيد وكانت ممَّن بايَع رسول الله – صلَّى الله عليه وسلَّم – قالت: يا رسول الله، إنَّ المسكين لَيقومُ على بابي فما أجد له شيئًا أعطيه إيَّاه، فقال لها رسول الله – صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((إنْ لم تجدي شيئًا تُعطينه إيَّاه إلا ظلفًا محرقًا فادفَعِيه إليه في يدِه))؛ أخرجه أصحاب السنن وصحَّحه الترمذي والألباني.
• قال في “الاستذكار” 8/602: قال مالك: بلغني أنَّ مسكينًا استطعَمَ عائشةَ أمَّ المؤمنين وبين يديها عنبٌ، فقالت لإنسان: خُذْ حبَّةً فأعطِه إيَّاها فجعل ينظُر إليها ويعجبُ، فقالت عائشة: أتعجب كم ترَى في هذه الحبَّة من مِثقال ذرَّة.
• قال ابن عبدالبر في “الاستذكار” 8/601: “ولا ينبغي لأحدٍ أنْ يحقر من المعروف وسائر عمل الخير قليلاً ولا تافهًا؛ لأنَّ الله يقبلُ اليسيرَ ويُضاعفه ويُربِّيه كما يُربِّي الإنسان فلوه، ولقد أحسن محمود الوراق بقوله:
لَوْ قَدْ رَأَيْتَ الصَّغِيرَ مَنْ فَعَلَ الْ
خَيْرَ ثَوَابًا عَجِبْتَ مِنْ كِبَرِهْ
أَوْ قَدْ رَأَيْتَ الكَبِيرَ مَنْ عَمِلَ الشْ
شَرَّ جَزَاءً أَشْفَقْتَ مِنْ حَذَرِهْ
• وقال ابن عبدالبر في “الاستذكار” 8/603: “إنَّ سائلاً أتى عبدَالرحمن بن عوفٍ وبين يدَيْه طبقٌ عليه عنبٌ فأعطاه عنبة، فقال: أين تقع هذه منه؟ قال: فيها مثاقيل ذر كثيرة”، قال أبو عمر: قال الله تعالى: ﴿ فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا ﴾ [الزلزلة: 7]، وقال رسول الله – صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((اتَّقوا النارَ ولو بشقِّ تمرةٍ))، ومَن اعتاد الصدقةَ تصدَّقَ مَرَّةً بالكثير ومرَّةً باليسير”.
• هذا في حال العدم، أمَّا عند السَّعة فالأمر يختلفُ: فعن عائشة أنَّ رسولَ الله – صلَّى الله عليه وسلَّم – أُهدِيَ إليه ضبٌّ فلم يأكُلْه، قالت عائشة: فقلت: يا رسول الله، ألا أطعمه المساكين؟ فقال النبي – صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((لا تُطعِموهم ممَّا لا تأكلون))؛ أخرجه أحمد، وحسَّنه الألباني في “الصحيحة” 5/552.
العناية بالجيران المحتاجين وتفقُّدهم أمر مطلوب:
عن أنس بن مالكٍ قال: قال رسول الله – صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((ما آمَنَ بي مَن بات شَبعان وجارُه جائعٌ إلى جنبه وهو يعلمُ به))؛ ذكرَه في “مجمع الزوائد” 8/167، وقال: رواه الطبراني والبزار، وإسناد البزار حسَن، وذكرَه الألباني في “صحيح الترغيب”.
• وعن ابن عباس أنَّه قال: قال رسول الله – صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((ليس المؤمنُ الذي يشبعُ وجارُه جائع))؛ رواه الطبراني وأبو يعلى ورجاله ثقات، وكذا قاله المنذري وذكَرَه الألباني في “السلسلة الصحيحة” وصحَّحه 278.
• كم دعوة تخرجُ من أعماق قلب المسكين عند إعانته: وما ظنُّك بدعوةِ هذا الفقير المعدم إذا خرَجتْ من قلبٍ صادقٍ، وتذكَّر الحديث السابق: ((إنما ينصُر الله هذه الأمَّة بضعيفها بدعوتهم وصلاتهم وإخلاصهم))؛ النسائي.
أمُّ المساكين المعاصرة: (أم الخير) عمرها الآن 48 عامًا.
• تقول عن أمِّها: تأخُذ من وسط الصحن من طعامنا وتضعُه جانبًا وتقولُ هذا لأخيكم؛ تعني: الفقير.
• كان لها ثلاثُ بنات وابن واحد ربَّتهم على رعاية المحتاجين وواصَلُوا المشوار بعدها.
• تمشي في المطر حافية لتُعطي الفقير.
• ربَّت 11 يتيمًا في منزلها حتى كبروا.
• أُصِيبت بمرضٍ أقعدها، وكانت تدفعُ بالعربيَّة لتقف عند الباب فتُسلِّم الفقير وترفُض المساعدة؛ طلبًا للأجر.
• لما توفيت أغلقت المحلات التجاريَّة وهرع الناس في جنازتها وقالوا: توفيت أم الخير!
• كانت تغسلُ الموتى من النساء.
• وعن أمِّ الخير الحالية:
• نشَّأتها أمُّها التي كانت تُسمَّى (أم الخير) على حبِّ البذل ورعاية الفقراء، تقولُ: كنت أسيرُ مع أمي في خِدمة الفقراء وأنا ابنة 12 عامًا.
• منذُ عشرين عامًا وهي تقومُ بمهمَّة رعاية الفقراء والمساكين واليتامى بدَأتْ مع أمِّها، وبعد وَفاتها منذ سبع سنوات واصَلتِ المشوار، ولُقِّبت بلقب أمِّها أم الخير.
• تقومُ بالبحث عن حالات الفقراء وتدخُل بيوت الفقيرات وتتفقَّد.
• تقول: كنتُ أمشي بين بُيوت الفقراء فسَمِعت صوتَ امرأةٍ تتأوَّهُ وتقولُ: يا ألله، أليس في البلدِ أحدٌ يسقيني ماءً أو يطعمني؟ فدخَلت عليها فإذا هي كبيرةٌ في السن عَمياء مقعدة، فقامت بإدخالها في مستشفى قريب، ثم نقلت إلى مستشفى آخَر أفضل، ثم إلى دار المسنين؛ لعدم وجودِ قريبٍ لها، وقد لهج لسانها بالثَّناء على أم الخير.
• في بيتِها ملفَّات بحث اجتماعي للأُسَرِ والفقراء واليتامى، وتتولَّى بنفسها عمليَّة البحث، وتدخُل بيوت الفقيرات والمحتاجات.
• تقومُ برعاية محتاجين وفُقَراء ريثما تدخلهم في جمعيَّة تَرْعاهم بعد استِكمال إجراءاتهم، وربما وصَلَ مجموعُ المبالغ المصروفة لهم 5000 خمسة آلاف ريال، وهذا غير برنامج كفالة اليتيم.
• تقومُ يوميًّا بتأمين طعام 12 أسرة تستلمُه من المحسنين، وتقوم بتسخينه، ثم توصله إليهم.
• تتابعُ وتنظمُ ما يتعلَّق بـ62 يتيمًا، وأوراقهم وما يتعلَّق بهم من معلومات لدَيْها في المنزل، وتصرفُ لهم ولغيرِهم مَعُونات شهريَّة تجمعُ مَبالغها من أهل الخير، هذا غير ما تتولاه الجمعيَّة.
• لها في كلِّ يومٍ عمل محدَّد.
• في كل اثنين وخميس تقومُ بتفطير 60-80 صائمًا.
•في رمضان إفطار يومي يصلُ إلى بيوت الفقراء.
• غَداء يوم العيد تقومُ بطبخِه هي، ثم تُوزِّعه على البيوت.
• قامت بترميم 23 بيتًا من بيوت الفقراء بالتعاوُن مع المحسنين.
•وربما عملت مظلَّة داخِل منزل الفقير أو سددت فاتورة استهلاك الكهرباء.
•قامت بشِراء ثلاثة بيوت لفقراء وأيتام لا دخلَ لهم بتمويل فاعلي خيرٍ، بعد أنْ هدَّدهم مالكو البيوت المؤجَّرة لهم بإخراجهم.
• قامت بترميم أحد المساجد القديمة.
• تؤمنُ الماء العذب للشُّرب في 82 مسجدًا أسبوعيًّا.
• تتوسَّط وتشفعُ للفقراء ليتمَّ توظيفهم، وكثيرًا ما أحرجت أحد المسؤولين في ذلك.
• دعيت من قِبَلِ إحدى الجمعيَّات (جمعيَّة فتاة الأحساء) للمُساهمة، وعُيِّنَتْ رئيسةً لقسم النساء فيها، وتعمل فيها ثلاثة أيَّام فقط.
• كثيرًا ما قامت بخِدمة المحتاجين ممَّن تعجزُ الجمعيَّات عن مساعدتهم.
• تقول لي: إنْ كان عندكم ملابس مستعملة فأنا أتولَّى نقلها إلينا.
• تغسل الموتى، وقامت بتدريب 19 امرأة على تغسيل الموتى.
• في المجمعة:
• امرأة تأخُذ حاجات اثني عشر أسرة، ثم تقوم بإيصالها لأُسَرٍ محتاجة، وتتابع مقاسات ملابسهم، وتُؤمِّن الناقص منها.
وأُخرى خصصت مجلس بيتها لِمُؤن الفقراء.
والحمدلله رب العالمين.
________________________________________
[1] أخرجه الترمذي وصحَّحه وغيرُه في حديث اختصام الملأ الأعلى المشهور.
[2] في “شرح اختصام الملأ الأعلى” 74، 75.
[3] أخرجه الترمذي واستغربه، والحاكمُ وصحَّحه، وذكره الألباني في “الصحيحة” 1/618 وقال: “حسن”، وكذا في “الإرواء” 3/358.
[4] في “شرحه” 2/46.
[5] 7/16.
[6] أخرجه ابن أبي شيبة في “المصنف”، وصحَّحه الألباني في “الصحيحة” 5/199.
[7] رواه أبو داود والترمذي والنسائي وصحَّحه الألباني في “الصحيحة” رقم 779.
[8] 13/211.
[9] 6/323.
[10] 8/114 “الطبقات الكبرى”.
[11] 4/510.
[12] “تفسير ابن كثير” 4/515.
[13] أخرجه أحمد في “المسند” وفي “مجمع الزوائد” 8/ 160: رواه أحمد ورجاله رجال الصحيح، وذكره الألباني في “الصحيحة” وحسَّنه 2/507.
[14] “تفسير الطبري” 14/94.
[15] رواه الطبراني وإسناده جيد.
[16] الطبراني في “الأوسط” 6/58، وصحَّحه الألباني في “الصحيحة”.
[17] رواه الطبراني وإسناده جيد.
[18] “اختيار الأولى” 74.
[19] أخرجه الترمذي وقال: هذا حديث حسن غريب.
[20] “الفتح” 7/76.
[21] 4/166 “الطبقات الكبرى”.
[22] “جامع العلوم والحكم” 1/272.
[23] 4/393.
[24] “حلية الأولياء” 3/116.
[25] “معالم تربوية” 198.